عيون متورمة وظهرٌ عارٍ ألهبته السياط، أو أمٌ مكلومة ترفع يديها للسماء تضرعاً وأملا ًفي عودة ابنها المخطوف، تلك هي العناوين الأبرز لملف حقوق الإنسان في ليبيا بعد الثورة، تحاذيها محاولات يقول حقوقيون أن وزارة العدل تبذلها لبسط نفوذها على السجون ووضعها تحت شرعية الدولة.

لكنها محاولات جلبت للوزارة هجوماً من مجموعة مسلحة، جاء رداً على تصريحات للوزير صلاح المرغني، طالب فيها بأن توضع كل السجون في ليبيا تحت سلطة الدولة.

المتحدث باسم جمعية ليبيا لحقوق الإنسان نبيل السوكني قال لمراسلون أنه “مع مجيء وزارة العدل الجديدة فإن جمعيته صارت تزور السجون التي تتبع الوزارة في طرابلس كسجن الرويمي وعين زارة وامعيتيقة والجديدة بدون إذن مسبق، وأن هناك تحسناً ملحوظاً داخلها”.

لكن السوكني استدرك أن “أغلب السجون في مدن مصراتة والزنتان ومنطقة تاجوراء بطرابلس، وكذلك في المنطقة الشرقية من البلاد هي سجون سرية، لم تستطع الجمعية الوصول إليها، وليست تحت سيطرة الدولة بل تحت سيطرة كتائب وألوية الثوار”.

ضد الإنسانية

وفيما أكد السوكني أن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في سجون اللجان الأمنية التي شكلتها وزارة الداخلية وانخرط بها “خريجو السجون” حسب تعبيره.

فإن مصادر مطلعة – رفضت الكشف عن نفسها – سمت لمراسلون أسماء بعينها لقادة أمنيين بهذه اللجان، وخاصة في طرابلس قالت إنهم يمارسون انتهاكات ضد الإنسانية، وأن ضحايا تعرضوا للتعذيب على أيدي هؤلاء القادة قد غادروا البلاد لرفع قضايا ضدهم في أوروبا.

المصادر ذاتها أكدت أنه عند استقرار الوضع في ليبيا فإن “المجتمع الدولي سيضع ملاحظاته على ملف حقوق الإنسان، ولن يتنازل حتى تقوم السلطات الليبية بتسليم بعض ممن أمسكوا بمفاتيح الصندوق الأمني خلال المرحلة الانتقالية”.

وأضافت المصادر أن “العديد ممن تعرضوا للإخفاء القسري هم إما ماتوا تحت التعذيب، أو أن تعذيبهم على أيدي سجانيهم غير المحترفين سبب لهم إصابات شديدة، وأمراض كالفشل الكلوي الحاصل نتيجة للصعق الكهربائي لمدة طويلة، ما يمنع إخراجهم للشارع وبالتالي يتواصل إخفاؤهم قسرياً”.

يذكر أن اللجان الأمنية تتبع وزارة الداخلية، وقد شٌكلت بعد إعلان تحرير ليبيا لتستوعب الثوار العائدين من الجبهات، ويتم حالياً دمج منتسبيها على دفعات في جهاز الشرطة.

حياة برصاصة

“إن أعداد من يتعرضون للتعذيب في السجون كبيرة”، هذا ما يقوله الممثل القانوني للمرصد الليبي لحقوق الإنسان توفيق العكروت في حديث لمراسلون.

ويوضح العكروت “الحالة الوحيدة التي يُسمح لنا فيها بالكشف على جسد السجين ورؤية آثار التعذيب، هي عندما يتم تحويله من لجنة أمنية إلى أخرى، فإنها تسمح لنا برؤية جسده والادعاء بأن التعذيب يعود إلى اللجنة السابقة، لكن إذا طلبنا منهم رؤية سجين قاموا هم باعتقاله فإنهم يرفضون بحجة أنه تحت التحقيق”.

ويضيف “ذلك مؤشر خطير على أن كرامة الإنسان غير مُصانة من الدولة، فالإنسان يُعتقل من بيته، ويُعذب و يُساوَم أهله على دفع المال مقابل حياته التي لا تساوي لدى خاطفيه إلا رصاصة”.

اعتقال تعسفي

العكروت اتفق مع السوكني في إبداء بعض الرضا عن السجون التي تتبع وزارة العدل، في حين استنكر قيام قوى الإسناد الأمني (تتبع وزارة الدفاع وصدر حديثاً قرار بحلها)، باعتقال موقوفين لمدد تصل لأكثر من سنة دون إحالتهم للنيابة، في حين أن مأمورية الضبط القضائي تسمح بإيقافهم لمدة تصل لـ 24 ساعة كحد أدنى، و48 ساعة كحد أقصى.

وفيما قال العكروت أن حالات الاعتقال التعسفي والخطف تتركز في المدن الكبرى كطرابلس و بنغازي ومصراتة وسبها، فإنه أضاف “لا نعلم من الموجود داخل سجون الإسناد الأمني لأننا نُمنع من زيارتها نهائياً، لكن بناء على شكاوى من مواطنين، وما يرويه السجناء الخارجون منها فان 90% من أعمال التعذيب تتم لمسائل شخصية، إن هؤلاء يمارسون الإخفاء القسري الذي تتعرض له حتى للنساء لابتزازهن، ولا يُعرض المعتقلون على النيابة لأن الاحتفاظ بهم يتم لطلب المال”.

تجاهل وإنكار

حاول مراسلون مرات عديدة الاتصال بالناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية الملازم مجدي العرفي لاستيضاح حقيقة ما يجري مع الموقوفين من قبل اللجان الأمنية التابعة للوزارة، لكن العرفي لم يرد على الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية، ولا على الرسائل المرسلة إليه عبر صفحة الفيسبوك الخاصة به.

من جانبه قال فوزي ونيس نائب رئيس اللجنة الأمنية العليا فرع بنغازي أنه ومنذ بدء دمج منتسبي اللجنة الأمنية العليا في جهاز الشرطة، لا يوجد أي موقوف بسجون اللجنة بالمدينة، وأن كل من يُقبض عليه يتم تحويله إلى مراكز الشرطة.

وأضاف “أحياناً كنا نضطر لإيقاف الشخص لمدة أكثر مما تسمح به مأمورية الضبط القضائي لعدم قيام النيابة باستلامه منا”.

تجاوزات قليلة

ونيس أقر بحدوث “تجاوزات قليلة” في بدايات تأسيس اللجنة، لكنه عزاها لنقص الخبرة لدى منتسبيها، واستطرد “نعم هناك بعض منتسبي اللجنة لديهم سوابق، لأن مهمتنا كانت استيعاب الثوار بغض النظر عن خلفياتهم، لكن الآن بدأنا في دمجهم في جهاز الشرطة، وصرنا نطلب منهم شهادة خلو من السوابق”.

يقول ونيس بأن قوة اللجنة تبلغ 7000 منتسب، تلقى منهم 400 منتسب كدفعة أولى دورة تدريبية لمدة 45 يوماً، وفي تلك الدفعة منتسب واحد فقط تبين أنه لا يملك شهادة خلو من السوابق.

لا شرعية لظالم

وفي حين تشعر المدونة فدوى بويصير “بالأسى” على ما اعتبرته “تخلصاً من قذافي ومولد آلاف غيره يمارسون التعذيب والقتل”، مرجعة ذلك إلى موروث ثقافي يجب التخلص منه بالتوعية ونشر ثقافة الحب والود والمشاركة في الوطن.

فإن الشاعر ربيع شرير الذي تعرض للاعتقال والسجن عدة أشهر خلال الثورة الليبية على أيدي كتائب القذافي، اعتبر أن أعمال التعذيب الحاصلة الآن “تجاوزت الحد المخيف، وأنها مزيج من الانتقام والتشفي والصبيانية”.

وقد صرح شرير لمراسلون أنه يعتزم مع مجموعة من الناشطين بمدينة الزاوية (45 كم غرب طرابلس) الإعداد لمظاهرة مناهضة للتعذيب والإخفاء القسري، ستخرج في 13 أبريل القادم تحت شعار “لا شرعية لظالم”.

وأوضح شرير “إيماناً منا كشباب بأن الدولة يجب أن تُبنى على القانون وليس الانتقام، بدأنا الإعداد للمظاهرة وسعينا أن يشارك فيها كل من كان له مواقف مشرفة في الثورة، والغريب أن معظمهم كانوا ضد هذه الممارسات، حتى أننا بدأنا نتساءل عن هوية من يعتقل ويعذب إذا تبرأ الثوار الحقيقيون من ذلك”.

وأضاف “خلال فترة وجودي بزنازين القذافي كنا نقول كسجناء أن هذه السجون التي لا تراعي أدمية الإنسان في تهويتها وظروفها الإنشائية يجب أن تزال بعد سقوط القذافي، وإذا لزم أن تكون هناك سجون فإنها يجب أن تراعي حقوق الإنسان، لكن للأسف كرامة الإنسان لازالت تنتهك داخل ذات السجون مع سجون سرية أخرى”.

مظاهرة الزاوية هي محاولة من منظميها للوقوف بوجه الوضع المتردي لحقوق الإنسان في ليبيا، ويراد لها بحسبهم أن تكون نواة لحراك شعبي أكبر يتسع ليشمل مدناً ومناطق أخرى تتوحد على ذات الهدف.