قانون لتحصين الثورة أم لإقصاء الخصوم؟
أثار مشروع قانون تحصين الثورة منذ الحصص الاولى التي خصصت لنقاشه جدلا بين نواب الاحزاب التي قدمته والبالغ عددهم 71 وهم يمثلون حركة النهضة (الاغلبية الحاكمة) وأحزاب مقربة منها مثل حزب المؤتمر وحركة وفاء، وبين ممثلي الاحزاب المعارضة. وقد وصلت الخلافات الى حد تبادل العنف اللفظي بين الطرفين.
ففي حين يرى الطرف المساند لمشروع هذا القانون انه من حق التونسيين تحصين ثورتهم من رموز النظام السابق، يؤكد الرافضون له على وجوب ضمان حق التونسيين في المحاكمة العادلة من خلال عدالة انتقالية بدل اعتماد الاقصاء الجماعي.
قانون لتحصين الثورة أم لإقصاء الخصوم؟
أثار مشروع قانون تحصين الثورة منذ الحصص الاولى التي خصصت لنقاشه جدلا بين نواب الاحزاب التي قدمته والبالغ عددهم 71 وهم يمثلون حركة النهضة (الاغلبية الحاكمة) وأحزاب مقربة منها مثل حزب المؤتمر وحركة وفاء، وبين ممثلي الاحزاب المعارضة. وقد وصلت الخلافات الى حد تبادل العنف اللفظي بين الطرفين.
ففي حين يرى الطرف المساند لمشروع هذا القانون انه من حق التونسيين تحصين ثورتهم من رموز النظام السابق، يؤكد الرافضون له على وجوب ضمان حق التونسيين في المحاكمة العادلة من خلال عدالة انتقالية بدل اعتماد الاقصاء الجماعي.
ويمنع قانون التحصين السياسي كل من تقلد مناصب معينة زمن بن علي من الترشح لمناصب عامة في الدولة التونسية لمدة لا تقل عن عشر سنوات.
من عملوا مع بن علي
يحدد مشروع القانون طريقة ضبط قائمة من تولى المناصب المذكورة في عهد بن علي حيث تم التنصيص على أن “هيئة الانتخابات تتولى ضبط قائمة اولية للأشخاص الذين تولوا على الاقل احدى المهام المنصوص عليها في اجل لا يتجاوز ثلاثة اشهر من دخول هذا القانون حيز التنفيذ”.
واعتبر خبراء القانون الدستوري أن هذا البند من شأنه أن يؤخر عمل هيئة الانتخابات وأن يدخل اضطرابا على اشغالها خصوصا وان حصر هذه القائمة قد يتطلب دقة كبيرة ووقتا طويلا.
كما تم التنصيص في هذا المشروع على ان “كل الادارات والمصالح العمومية ملزمة بتقديم المعلومات التي تطلبها الهيئة كما أنه لكل مواطن طلب ادراج اسم شخص بالقائمة المذكورة مع تحديد المهمة التي تولاها هذا الشخص”.
واعتبر مراقبون سياسيون محليون ودوليون ان قانون التحصين السياسي للثورة التونسية سيلعب دور التصفية والإقصاء الحزبي والسياسي الجماعي لأغراض انتخابية بحتة لن تخدم سوى الاحزاب التي تبنت المشروع.
فهذا المشروع لم ينص على مسألة تورط الاشخاص الذين سيتم اقصاءهم في الفساد او الارتشاء او غيرها من القضايا بل قدم جملة من المناصب السياسية والحزبية. وهذا الامر سيؤدي الى نتيجة حتمية تتمثل في تسليط عقوبة الاقصاء لمدة عشرة سنوات ضد من تولوا هذه المناصب من الاشخاص الذين لم يرتكبوا اية اخطاء في حق التونسيين اثناء قيامهم بأعمالهم والأشخاص الذين تولوا هذه المناصب لفترة قصيرة جدا وقام النظام السابق بطردهم لنزاهتهم ورفضهم التعاون مع الفاسدين والأمثلة في هذا الخصوص كثيرة.
عقاب سياسي دون محاسبة
ويرى ملاحظون أن من بين الهنات التي يتضمنها مشروع القانون كذلك أنه لا يطرح مسألة المحاسبة القضائية للفاسدين بل يعاقبهم بطريقة لا تتناسب ربما وما اقترفوه في حق التونسيين من ظلم بإقصاء سياسي محدد بعشر سنوات مما يمنحهم اثر انقضاء هذه الفترة “عذرية سياسية” تمكنهم من العودة من الباب الكبير الى العمل السياسي والى العودة ربما الى نفس الممارسات.
واعتبرت الأحزاب المعارضة مشروع هذا القانون ظالما لفئة كبيرة من التونسيين ويتناقض تماما مع ماجاء في مسودة الحقوق والحريات بالدستور حول حق كل التونسيين في المشاركة في الحياة السياسية وتكوين الاحزاب والنقابات والجمعيات.
واعتبر محللون سياسيون ان هذا التناقض بين ما تناقشه لجنتان في نفس القاعة بالمجلس التأسيسي يدل على عدم جدية نواب حركة النهضة وحلفائها في التأسيس لدولة الحق والقانون وضمان الحريات الجماعية والفردية.
عودة الدكتاتورية
وأكد الخبير في القانون الدستوري الصادق بلعيد ان هذا التناقض يمهد لرجوع الدكتاتورية والاستبداد تحت غطاء “تحصين الثورة”، وهو حسب تعبيره “لا يمثل إلا تحصينا لمن هم في الحكم من خصمهم السياسي الاول وهو حزب “نداء تونس” الذي يضم في صفوفه عددا من المنتمين للنظام السابق”.
واعتبر محمد علي النصري النائب عن حزب “نداء تونس” – وهو من اهم الأحزاب المهددة بهذا القانون- أن مشروع التحصين يتضمن استثناءات في الأشخاص وفي الفترة المحددة، متسائلا “لماذا ضبط هذا المشروع المدة الزمنية انطلاقا من سنة 1989 وليس انطلاقا من سنة 1987؟”.
وأكّد النّصري أنّ هذا التّحديد الزمني سببه إمضاء حركة الّنهضة على الميثاق الوطني مع بن علي سنة 1988 وهي بهذا الإجراء تستثني نفسها من الإقصاء.
وذكّر النّصري بالرسالة التي وجّهها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى زين العابدين بن علي سنة 1988 طالبا منه انذاك السماح له بالمشاركة في الحياة السياسية.
من جهة أخرى وصف رئيس كتلة حركة النّهضة الصّحبي عتيق مشروع القانون بأنّه مطلب رئيسي من مطالب ثورة 14 جانفي/ كانون ثاني 2011 التي أطاحت بنظام بن علي. وبيّن أنّ هذا المشروع يهدف إلى إرساء التّدابير الضّرورية لتحصين الثورة تفاديا للالتفاف عليها من قبل الفاعلين في النّظام السّابق.
وأكد مقرر الدستور وعضو حركة النهضة بالمجلس التأسيسي الحبيب خضر ان “تحصين الثورة ممن اهدروا دماء الشعب التونسي وأمواله وكرامته كان مطلبا من مطالب الشعب وذلك للحيلولة دون عودة المتورطين للحياة السياسية”.
وبين ان هذا الامر يتطلب قرارا “جريئا وثوريا” مماثلا لما حصل في عديد البلدان التي مرت بمرحلة انتقال ديمقراطي والتي نجحت في حماية ثوراتها وتأسيس انظمة جديدة محصنة من الفاسدين.
وأضاف خضر “اقصاء التجمعيين لفترة محددة هو حق الثورة علينا فكل من قبل العمل مع بن علي هو بالضرورة متواطئ لأنه قبل ان يمد يده للفاسدين الذين لم يكن فسادهم يخفى على أحد”.
وبين “حق الثورة” في ان تحصن من رموز الدكتاتورية ومساعي التونسيين لإرساء “ثورة الحق” من اجل انهاء الظلم والتعسف وتأسيس مبدأ المواطنة، يقف التونسيون في حيرة.
ولئن أكد البعض أن حماية الثورة تتطلب “قرارا” جريئا يقوم على إقصاء جماعي يمكن أن يسبب ظلما لفئة صغيرة فإن البعض الآخر يرى أن حماية الثورة تتطلب قرارا عادلا يقوم على المحاسبة بـ “مقاضاة الفاسدين” والمصالحة مع من لم تتلوث ايديهم بالفساد من رموز النظام السابق.
أي القرارين سيحدد ملامح الحياة السياسية في تونس مستقبلا؟ هذا الأمر سيحدده التصويت على مشروع القانون في الايام المقبلة بالمجلس التأسيسي والذي يتطلب تمريره الحصول على 109 صوتا من أصوات ممثلي الشعب.