قبل أكثر من ثلاثة عقود هجرت عائلة أرضها بمركز ديروط بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، خوفا من انتقام العائلة الخصم بعد وقوع اشتباك بين العائلتين، وأنشأت عزبة خاصة بهم سميت فيما بعد باسم عزبة “أولاد عبدالعليم”.

وبالرغم من مرور السنين وقفت هذه الحادثة حائلاً أمام أهالي العزبة في الذهاب إلى قريتهم الأم للتصويت في الانتخابات، حرصًا علي عدم تجدد الخصومة مرة أخرى.

“مراسلون” التقى أهالي العائلتين للتعرف منهم على أبعاد الأزمة العائلية الصغيرة، التي تشكل أنموذجا عن أزمات اخرى تتكرر في مجتمعات الصعيد، خصوصا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية.

قبل أكثر من ثلاثة عقود هجرت عائلة أرضها بمركز ديروط بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، خوفا من انتقام العائلة الخصم بعد وقوع اشتباك بين العائلتين، وأنشأت عزبة خاصة بهم سميت فيما بعد باسم عزبة “أولاد عبدالعليم”.

وبالرغم من مرور السنين وقفت هذه الحادثة حائلاً أمام أهالي العزبة في الذهاب إلى قريتهم الأم للتصويت في الانتخابات، حرصًا علي عدم تجدد الخصومة مرة أخرى.

“مراسلون” التقى أهالي العائلتين للتعرف منهم على أبعاد الأزمة العائلية الصغيرة، التي تشكل أنموذجا عن أزمات اخرى تتكرر في مجتمعات الصعيد، خصوصا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية.

تاريخ المشكلة

سراج جمال، أحد أهالي عزبة عبدالعليم، يحكي بداية الخصومة الثأرية قائلا “بدأت بشجار بسيط بسبب خلافات الجيرة في الأرض الزراعية في عام 1953، ولكن سرعان ما أصبحت حادثة قتل ثم خصومة ثأرية خلفت ورائها 40 قتيلا من العائلتين وعائلات أخرى غير عشرات الإصابات، إلى أن تم الصلح في عام 1978 من خلال جلسات عرفية، والاتفاق علي عدم تواجد أي من الطرفين المتخاصمين في مقر الطرف الآخر، خوفا من تجدد المشكلة”.

ويستطرد سراج “منذ هذا الوقت ونحن لانذهب إلي قرية نزلة ضاهر للإدلاء بأصواتنا في القرية، حيث يوجد هناك المقر الانتخابي لجميع أهالي العزبة، الأمر الذي أدى إلى حرمان نحو 400 شخص من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات من إجمالي 1000 مواطن يعيشون بعزبة أولاد عبد العليم، وتشكل أصواتهم نحو 20% من نسبة الناخبين بالقرية الأم، ومن هنا بدأت اتحرك من أجل تخصيص صندوق انتخابي لأهالي العزبة”.

روتين دولة لا تهتم بالناخبين اصلا

بدأت محاولات إدماج العزبة في العملية السياسية عبر سراج نفسه في سنة 1994، حيث قام وقتها بعمل محاضر فصل للعزبة من القرية الأم، ولكن نظرًا للروتين والإجراءات البطيئة لم يكتمل الأمر من جانب المديرية، ثم عاود الكرة في سنة 2006 الكرّة مرة أخرى، مطالبا بتخصيص لجنة فرعية بالعزبة، فطالبتهم المديرية بعمل محاضر فصل لأسماء المقيمين بالعزبة من كشوف القرية الأم “نزلة ضاهر”، ففعل آهالي عزبة عبد العليم ما طلب منهم، فطالبتهم المديرية وقتها أن يتم عمل “حصة”(أي تأسيس أي مبني حكومي) بالعزبة من أجل الموافقة علي إنشاء اللجنة الفرعية،  وهو مادعي الأهالي إلى إنشاء مدرسة صديقة للفتيات، منذ بضع سنوات، واستكملوا كل الاجراءات المطلوبة والموافقات الأمنية من عمدة القرية وشيوخ الحصة بالقرية الأم.

يكمل سراج مسيرة البحث عن حقه الانتخابي قائلا “سلمنا الملف إلي المديرية وذلك برقم 2068 لسنة 2006 عمد ومشايخ، وبالرغم من تغيير 8 مدراء أمن للمحافظة، إلا أنه لم يتم الاستجابة لمطلبنا حتى الآن، إلا أنني تابعت الملف بنفسي وطلبت مقابلة مدير الأمن الحالي الذي وعدني بإنهاء المشكلة، وتخصيص لجنة فرعية بالعزبة، ونحن في انتظار التصويت في انتخابات مجلس النواب القادمة.

300 متر ومصاهرات لا تنجي من العداوة

أثناء الجولة بالعزبة التقينا بالحاج محمد عبدالوهاب محمد، حيث أكد أنه لا يذهب إلى قرية نزلة ضاهر للإدلاء بصوته في الانتخابات، بسبب الخصومة الثأرية، وحاول أعضاء مجلس الشعب والشورى أيام الحزب الوطني عقد صلح بشكل رسمي لحل الازمة، لكن الأمور لم تعد إلي طبيعتها، بالرغم من وجود علاقات نسب ومصاهرة قديمة بين أهالي العائلتين المتخاصمتين.

وأضاف “احنا مش عايزين المشاكل تتجدد تاني، لأن الانتخابات فيها عصبيات وفيها تحزبات زي ما أنت عارف، ومن هنا احنا بنطالب تخصيص لجنة فرعية بالعزبة لأنها عبارة عن كتلة سكنية متلاصقة، وكمان بيها مدرسة حكومية، والقانون يدينا الحق في عمل لجنة انتخابية”.

عزبة عبد العليم لا تبعد أكثر من 300 متر عن القرية الأم نزلة ضاهر ، بدأت جولتنا  في القرية، وسألنا بتحفظ عن أحد أهالي عائلة “أولاد أبوزيد” الطرف الآخر من الخصومة الثأرية، إلى أن التقينا رفعت أبوالوفا فنجري. وجهنا له سؤالا؛ هل أهالي نزلة عبد العليم يأتون للإدلاء بأصواتهم في العملية الانتخابية؟ فقال: “منذ أن تم الصلح بين العئلتين سنة 1978، تم الاتفاق علي عدم تواجد أي شخص في مقر العائلة الأخرى، ومن هنا ومنعا لحدوث المشاكل فكلا أفراد العائلتين تفضلان عدم التواجد في مكان واحد قد يولد الاحتكاك بين الطرفين” وأضاف “لاإحنا بنروح هناك ولا هما بيجوا هنا”.

وللحصول علي تأكيد “رسمي” من قبل أهالي نزلة ضاهر التقينا “شيخ حصة” بها يدعي سبع تمساح، وما إن سألناه عن الأمر حتى قال “نعم هناك مشاكل قديمة بين العائلتين، وتم الصلح فيها، وأهالي عزبة عبد العليم محرومون من التصويت في الانتخابات، وعملوا محاضر فصل من 2006، علشان يجهزوا لجنة فرعية، ولحد دلوقتي لسة متمش الموافقة علي اللجنة”.

الحرمان من التصويت جريمة

هذه الحالة تمثل سابقة قانونية من نوعها، سألنا عنها الدكتور ثروت عبدالعال، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة أسيوط، وماهي النتائج المترتبة علي حرمان المواطنين من حقه في الانتخاب، فأكد على أن قانون مباشرة الحقوق السياسية المصري رقم 46 لسنة 2011 أكد على حق المواطنين في الانتخاب، وأن حرمان المواطنين بهذا الشكل “يعد جريمة حقوقية وإنسانية من الدرجة الأولى”.

أما بالنسبة للنتائج المترتبة علي ذلك الحرمان، فهي “التهميش والعزل عن المجتمع”، ويترتب على ذلك بحسب عبد العال “توليد غرائز اجتماعية مثل الطبقية والحقد، وقد ينجم عن ذلك جرائم وخصومات ثأرية خطيرة، إذ لم تقم الدولة بدورها في إعادة دمج هذه العائلة سياسيا مع المجتمع مرة أخرى”.

عدم جدية الدولة في تمكين مواطنيها

من جانبه يصف الدكتور سيد حسانين، أستاذ علم الاجتماع بكلية آداب جامعة أسيوط هذه الحالة بالفريدة من نوعها، متسائلا “كيف تقف الدولة عاجزة أمام مثل هذه المواقف؟”.

ويتابع “كان عليها أن تقف إلى جانب أهالي عزبة أولاد عبد العليم الذين لم يمارسوا حقوقهم السياسية منذ عشرات السنين، وأن تقوم بإنشاء لجنة فرعية حقنا للدماء بالعزبة، فضلا عن عقد صلح رسمي بين أفراد العائلتين المتخاصمين، من أجل حصول كل طرف على حقوقه الاجتماعية المتمثلة في تأمين حياته ومباشرة حقوقه السياسية دون قيود، ولكن يبدو أن هذا لم يحدث، وتم الاكتفاء بصلح عرفي لم تتوافر فيه الشروط الجيدة”.

وأضاف حسانين أن كلا الطرفين لم يعط حقوقه، كما أن “الدولة أيضًا لم تدفع إلي إنهاء الخصومة الثأرية هذه بدليل، أن الصلح الذي تم فيها كان بشكل عرفي، وأن أعضاء مجلس الشعب والشوري السابقين، إنما كانوا يذهبون إلي القرية والعزبة لا من أجل التدخل للصلح، ولكن لجذب مزيد من الأصوات التي تدعم موقفهم في الانتخابات”.

ويؤكد حسانين أن على الدولة في مثل هذه الحالات أن تتدخل إما عن طريق القضاء بتوقيع عقوبة على المذنب، أو عن طريق الأمن “من خلال المصالحات الحقيقية التي يحضرها مدراء الأمن بصفتهم الشخصية وليست الرسمية”.