بسهولة يدخل منعم يوسف إحدى صيدليات مدينة مصراتة (200كم شرقي طرابلس) مصحوباً بوصفة طبية ليخرج بعد لحظات وبيده أشرطة عقار الترامدول المحظور.

منعم ذو الـ43 عاماً مثله مثل كُثر من جرحى الثوار المصابين خلال معارك التحرير بإصابات عصبية ممن وصف لهم أطباؤهم عقار الترامدول بغية تسكين آلامهم. لكن أبحاث طبية تشير إلى أن للعقار أضرار جانبية كالفشل الكلوي وهشاشة العظام وتدمير الأجهزة العصبية باعتباره “أفيوناً صناعياً”.

بسهولة يدخل منعم يوسف إحدى صيدليات مدينة مصراتة (200كم شرقي طرابلس) مصحوباً بوصفة طبية ليخرج بعد لحظات وبيده أشرطة عقار الترامدول المحظور.

منعم ذو الـ43 عاماً مثله مثل كُثر من جرحى الثوار المصابين خلال معارك التحرير بإصابات عصبية ممن وصف لهم أطباؤهم عقار الترامدول بغية تسكين آلامهم. لكن أبحاث طبية تشير إلى أن للعقار أضرار جانبية كالفشل الكلوي وهشاشة العظام وتدمير الأجهزة العصبية باعتباره “أفيوناً صناعياً”.

يقول منعم الأب لسبعة أبناء “أصبت بشظايا قذيفة دبابة تناثرت في أجزاء من جسمي خلال إحدى معارك حرب التحرير ما تسبب في بتر جزء من عظم رجلي اليسرى وفقدان النظر في عيني اليسرى”. وبتوصية من أحد الأطباء صار منعم يتردد بكثرة على صيدليات المدينة حاملاً وصفة طبية ترخص له الحصول على العقار وتعاطيه على مرأى ومسمع الجميع، ليصبح بعد وقت قصير مدمناً.

إدمان قسري

لا يتذكر منعم جيداً بدايات تناوله للترامدول، لكنه يشير إلى أنه عرفه لأول مرة في إحدى المصحات التونسية بعد أن أرسلته إلى هناك اللجنة الطبية بمدينة مصراتة رفقة عشرات الجرحى عبر البحر على متن جرافة لصيد السمك.

حينها أبلغه طبيب تونسي بأنه لا بديل له عن الترامدول نفسياً وطبياً، حيث أخذه عن طريق حقن في العضلة والوريد، وكادت رجله أن تبتر لولا تدخل طبيب تونسي آخر في اللحظة الأخيرة، قام بإخضاعه إلى 21 عملية بين تدخلات جراحية وعمليات تنظيف وتجميل.

لكن منعم يشتكي لـ “مراسلون” مما سماه “إدمان إجباري على الترامدول”، ومن آثار نفسية تزداد سوءا بعد انتهاء مفعول المسكن. ويقول “وجدت نفسي أتألم ثلاث مرات: مرة بأنين المرض، ثانية عندما لا أجد بُداً من تناول الترامدول، وثالثة حينما ينتهي مفعوله كمسكن”.

ويصف بنبرة حزينة حالته بعد انتهاء تناول مفعول القرص “تزداد حالتي النفسية سوءا حتى أنني كسرت زجاج منزلي وصدمت سيارتي بالسياج. لو أن بيدي حينها قنبلة لفجرتها”.

 ويلفت إلى أن تجربة تناول مسكنات أخرى كـ”الفالنتاين”  لم تقدم له حلاً ولم تحد من أنينه المتزايد شيئاً فشيئاً.

فئران تجارب

شكوى منعم من إدمانه للترامدول ومن الآلام التي تعادوه بمجرد انتهاء مفعول القرص المسكن دفعته لطرق أبواب المسؤولين. لكن وعلى حد قوله لم تكترث أية جهة صحية حكومية “فالمسؤولون يستخدموننا كفئران تجارب”.

وينقل منعم معاناته إلى اللجنة المهتمة بشؤون الجرحى، طالباً ابتعاثه للتعافي في إحدى البلدان المتقدمة ولكن دونما جدوى، يعقب منعم ” يسترخصوننا بالعلاج في دول غير متقدمة”.

وفي مقابل ما يصفه بإهمال الحكومة ووزاراتها، يلفت إلى مجهودات تطوعية يبذلها “أطباء نفسيون” في سبيل متابعة حالات أمثاله، حيث يقدمون لهم النصح ويقومون بمعالجة الآثار السلبية قدر الإمكان.

طلب متزايد وأسعار بخسة

محمد علي يعمل صيدلانياً في إحدى الصيدليات الخاصة بمدينة مصراتة، يقول لـ “مراسلون” إنه رصد “شراهة في تناول عقار الترامدول، بعكس الوضع قبل الثورة، حيث كان الطلب عليه حينها محصوراً في بعض المدمنين من الشباب الليبي أو العمالة المصرية الوافدة”.

يستأنف محمد حديثه بالقول “الآن أصبح الترامدول رخيصاً ويُوزّع في بعض الصيدليات دون ضوابط و بأبخس الأسعار، فبمبلغ 3 دولارات يمكنك أن تشتري شريطاً يحتوي على 10 أقراص”.

بحسب محمد فإن حالات كثيرة تتردد على الصيدلية أغلبها لمدمنين، ويلفت “لكنني أعاملهم ذات المعاملة، واشترط إحضار وصفة طبية تحمل ختم الطبيب، حتى أن كثيرون استنجدوا لاستعماله في أغراض أخرى، كانوا قد أوضحوها، لكنني قابلت طلبهم بالرفض”.

ويُبدي الصيدلاني الشاب حيرةً وقلقاً وشديدين على مستقبل أولئك الذي أدمنوا الترامدول، لاسيما الجرحى من أمثال منعم الذين أصيبوا في معارك حرب التحرير بإصابات عصبية، و لا مفر لهم من تناوله إلا بتعاطي “مسكنات أخرى أقل مفعولاً”.

صيدليات متهاونة

يقول رئيس فرع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بمدينة مصراتة العقيد محمد أبو زيان في تصريح لـ “مراسلون” إن “الترامدول شرٌ تم تصديره إلى ليبيا، فهو يسبب تلفاً لخلايا المخ”.

ويرى أبو زيان أن أنين المريض أفضل من إدمانه، فبحسب تعبيره “مهما كانت الإصابة أنصح بعدم تناوله لأن مستقبل المدمنين سيكون تلفاً لخلايا مخهم”.

ويوضح أن إدارته أقفلت ثلاثة صيدليات في المدينة في إطار ما أسماه بـ “حملة مراقبة الصيدليات المتهورة في صرف المواد المخدرة دون توقيع الدكتور ولا ختمه حتى”، مضيفاً أن الإدارة أصدرت بياناً في وقت سابق للتحذير من مغبة ذلك.

أبو زيان اتهم صيدليات بالتهاون في إعطاء الترامدول دون تقيد، كاشفاً عن أن نساء ورجال كبار من المدينة يترددون على الصيدليات بغية الحصول عليه، مشيراً إلى أن مرضهم هو ما أجبرهم على ذلك.

واستطرد “الحل عند وزارة الصحة، فلو كانت لديها قنوات توزيع معينة تحت سيطرتها، ما كان انتشار المواد المخدرة ممكنا بهذا الشكل”.