ممددة على السرير داخل إحدى الغرف كانت السيدة صباح التي رزقت لتوها بطفل، تصرخ إثر ارتفاع ضغطها بعد الولادة، خصوصاً وأنها كانت تعاني طيلة فترة حملها من ارتفاع في الضغط.

لم يكن بوسع طبيبها المعالج إلا أن يصف لها حقنة لمنع التجلط بعد أن قامت الممرضة بقياس ضغطها بجهاز قياس تبدو حالته مزرية، حتى أن أزراره كانت متناثرة  داخل الغرفة.

ممددة على السرير داخل إحدى الغرف كانت السيدة صباح التي رزقت لتوها بطفل، تصرخ إثر ارتفاع ضغطها بعد الولادة، خصوصاً وأنها كانت تعاني طيلة فترة حملها من ارتفاع في الضغط.

لم يكن بوسع طبيبها المعالج إلا أن يصف لها حقنة لمنع التجلط بعد أن قامت الممرضة بقياس ضغطها بجهاز قياس تبدو حالته مزرية، حتى أن أزراره كانت متناثرة  داخل الغرفة.

الحالة ذاتها انتابت أكثر من سيدة داخل القسم، ونتيجة قياس الضغط كانت تثبت في كل مرة قراءات مرتفعة لكافة المريضات، إلى أن تبين في نهاية الأمر أن جهاز القياس الذي كانت تستخدمه الممرضة منذ فترة، معطل ويعطي قراءات غير صحيحة.

حدث ذلك أثناء وجودي في القسم أقضي الليلة مرافقة مع إحدى قريباتي، وهو ما أثار لدي الكثير من التساؤلات حول وضع المستشفى دفعتني للعودة ومقابلة المسؤولين هناك.

صباح وغيرها من الحالات التي توشك على الولادة لا يتم استقبالهن بقسم الولادة بمركز طرابلس الطبي التابع للحكومة قبل أن يوقع أزواجهن على تعهد بتحمل مسؤولية مواليدهم في حالة الحاجة لحاضنة أطفال أو رعاية خاصة، وهو ما يفتقر له القسم الذي تتوافد عليه الحالات من العاصمة طرابلس وضواحيها منذ أعوام.

ويستقبل قسم الولادة بمركز طرابلس الطبي أغلب حالات الولادة في العاصمة الليبية والمناطق المجاورة لها، لكنه يعاني أوضاعاً سيئة ونقصاً حاداً في الأدوية ولا توجد به حتى حاضنة للمواليد الخُدج.

معاناة يومية

الدكتورة هدى القريقني المتخصصة في الولادة اشتكت لنا معاناتها اليومية داخل القسم “نعاني نقصاً حاداً في الأدوية الخاصة بالنزيف وحُقن الوجع الصناعي الخاصة بالتوليد وأدوية السيولة التي غالباً ما تحتاجها النساء اللاتي تعانين من ارتفاع الضغط أثناء فترة الحمل”.

زميلتها الدكتورة عواطف الشريف قالت إنهم يطلبون من ذوي المريضة جلب الأدوية التي تحتاجها المريضة من خارج المستشفى كالحقن الخاصة بالتوليد والنزف.

وأضافت “هناك حالات تأتي للمستشفى في ساعات متأخرة من الليل وتحتاج إلى هذه الأدوية، ومع إغلاق معظم الصيدليات الخاصة أبوابها في ساعات مبكرة من الليل قد تتعرض هذه الحالات للخطر أو الوفاة” .

واستطردت “نضطر لطلب الأدوية من النساء اللاتي نتوقع أن يحدث معهن نزف بعد الولادة وفي حالة عدم حدوث ذلك نطلب منهن ترك تلك الأدوية في القسم للاستفادة منها في الحالات الطارئة لنساء أخريات”.

لا دورات مياه

معاناة الكوادر الطبية لا تقل عن معاناة النزيلات، فالممرضة انتصار التاورغي أكدت لـ “مراسلون” أنهم يفتقرون لأبسط حقوق الممرضين المناوبين خصوصاً في الفترات المسائية، بل أنهم يضطرون لتناول وجبات العشاء والفطور في غرفة الغيار الخاصة بالعمليات.

الممرضة أضافت “القسم يفتقر إلى دورات مياه ولا يوجد به إلا حمام واحد صالح للاستعمال ولا أثر للمياه الساخنة فسخانات المياه غير صالحة”.

أثناء جولة “مراسلون” داخل القسم كانت معظم الشكاوى التي جاءت على لسان النزيلات تتعلق بعدم وجود دورات مياه، فالحمام الوحيد الصالح للاستخدام تستعمله المريضات كما يستعمله العاملون بالقسم، وهو ما يسبب الكثير من الإرباك والإحراج والضرر.

المناوب الإداري بقسم النساء والولادة عادل المشري أوضح أن  بقية دورات المياه غير صالحة للاستعمال بسبب “انتهاء المدة الافتراضية” لها، حيث أنها على حالها منذ العام 1996.

صيانة مهملة

المشري يعزو عدم صيانة دورات المياه العاطلة إلى أن “مواسير هذه الحمامات تقع فوق غرفة العمليات بقسم الولادة مباشرة وصيانتها تقتضي إغلاق غرفة العمليات فترة من الزمن وذلك يؤدي بدوره إلى حدوث إرباك  فالقسم يستقبل حالات الولادة من مدينة طرابلس وما جاورها من مدن ومناطق”.

وأردف “منذ فترة ليست بالبعيدة حدث عطل فني بقسم العمليات والعناية الواقع بالدور الأول أدى إلى ارتفاع درجة لحرارة بالحجرات المذكورة فتدخل المختصون لإجراء الصيانة اللازمة، لكنهم تجاهلوا إشكالية دورات المياه بالقسم” .

المشري كشف خلال حديثه لـ “مراسلون” عن حدوث انفجار في أحد مواسير دورة المياه أثناء إجراء عملية جراحية لإحدى النساء ما أدى إلى “تلوث غرفة العمليات بالكامل وإصابة المرأة التي كان جرحها مفتوحاً أثناء حدوث الانفجار بالتهابات شديدة” على حد قوله.

واقترح على إدارة المستشفى السماح لأطباء قسم الولادة باستعمال غرفة العمليات المركزية إلى حين إجراء عمليات الصيانة للقسم بالكامل.

نقص الأدوية

وحول نقص الأدوية اللازمة لعمليات التوليد قال المشري “القسم يفتقر إلى حوالي 70% من الادوية، والتي يضطر الطبيب لطلبها من أهل السيدة التي تحضر للإنجاب ويفترض أن تجد أبسط احتياجاتها”.

ولفت إلى أنه اضطر في السابق “لشراء كمية من الأدوات الخاصة بنقل التغذية من الأكياس الخاصة بها إلى جسم المولود الذي يحتاج التغذية” من ماله الخاص.

ورغم محاولات الطاقم الطبي الوفاء بواجباتهم الوظيفية والأخلاقية على أكمل وجه يبقى من المستحيل القفز فوق عقبات من نوع نقص الاحتياجات الأساسية لسير العمل.

إلا أن الداخل إلى القسم سيلاحظ الازدحام الحاصل هناك بسبب عدم توفر البدائل التي يستطيع المواطن الليبي التوجه إليها، خاصة وأنه يستقبل عدداً كبيراً من الحالات يومياً، وينتظر كغيره من المرافق الحيوية في الدولة صرف الميزانيات والانطلاق في مشاريع الصيانة والتطوير المأمولة، والتي يعتبر قطاع الصحة من أكثر القطاعات إلحاحاً في الحاجة إليها.