يبطئ محمد من سرعة شاحنته ليلتفّ بها في مسلك صحراوي يقع شرق مدينة الذهيبة في الجنوب التونسي. ودون عناء التثبت من المكان ومن وعورته يضاعف من سرعة شاحنته للوصول إلى نقطة تسليم البضائع لمهربين ليبيين أو لتحميل شاحنته ببضائع مهربة من السوق الليبية.
محمد، 34 سنة، يعمل منذ ثلاث سنوات مهرّباً على الحدود، او كما يطلق عليها سكان المناطق الحدودية التونسية الليبية “كناتري”.
يبطئ محمد من سرعة شاحنته ليلتفّ بها في مسلك صحراوي يقع شرق مدينة الذهيبة في الجنوب التونسي. ودون عناء التثبت من المكان ومن وعورته يضاعف من سرعة شاحنته للوصول إلى نقطة تسليم البضائع لمهربين ليبيين أو لتحميل شاحنته ببضائع مهربة من السوق الليبية.
محمد، 34 سنة، يعمل منذ ثلاث سنوات مهرّباً على الحدود، او كما يطلق عليها سكان المناطق الحدودية التونسية الليبية “كناتري”.
مثله مثل العشرات من أبناء مدينته لا يعتبر محمد التهريب جريمة أو مهنة مضرّة باقتصاد البلاد. بل يعتبر أن مهنته “شريفة”، وويشدد على أنه وضع لنفسه خطوطا حمراء لا يتجاوزها، فهو لا يهرب “السلاح أو الأشخاص أوالمخدرات” وما عدى ذلك فهو قابل للتهريب من تونس الى ليبيا وبالعكس.
وتتم عملية التهريب عبر الحدود بشكل يومي ليلا ونهار، ليس من خلال المعبر الرسمي، بل في المناطق الحدودية القريبة من الذهيبة، حيث تتحرك شاحنات تهريب البنزين والماشية في الطرق تحت أعين الشرطة التي كانت في وقت سابق تصادر الشاحنات وتأخذ كل شيء.
وبحسب محمد، فإن الشرطة غيرت سلوكها منذ فترة، ويفسر ذلك قائلا “رجال الشرطة يعلمون وضعنا، ويعلمون أنه لو كان لدينا عمل آخر لامتنعنا عن التهريب”.
الثورة والتهريب
قبل ست سنوات اقتصرت عمليات التهريب في مدينة الذهيبة على كميات محدودة من الأجهزة الكهرومنزلية وبضع منتوجات أخرى يمكن أن تحملها الدواب التي كانت وسيلة التهريب الرئيسية إلى عام 2007، لتتغير منذ تلك السنة طبيعة التهريب والمهربين في الذهيبة. هذه التجارة قال عنها محمد إنها المصدر الوحيد للدخل، “فلا يوجد عمل هنا”.
توقف محمد بشاحنته بأرض منبسطة بين جبال مرابح التي اخفت في طياتها خمس شاحنات فارغة يعلوها الصدأ ولا تحمل لوحات رقمية تنتظر عملية تبادل البضائع مع نظرائها الليبيين.
تنطلق عملية التبادل باتصال هاتفي حيث يقول مرافقنا ان التجار في مدينته يتصلون “بمعارفهم الليبيين في مدينة نالوت او يتصل الليبيون بالمهربين التونسيين، ويقولون لهم نريد البضاعة التالية”، يتم الاتفاق اثر ذلك على مكان التبادل على الحدود وثمن البضاعة.
وبحسب محمد، تبقى السلعة التي تهرب بشكل كبير بين ليبيا وتونس هي البنزين حيث يتم تهريبه من ليبيا المصدرة للنفط إلى تونس وهذا كان رائجا قبل “الثورة” في البلدين وإن كان محفوفا بالمخاطر ولا تقوم به سوى قلة. لكن اليوم وفي ظل غياب الإجراءات الكافية لضبط الحدود بين تونس وليبيا بعد إطاحة برأسي السلطة في البلدين سنة 2011، ليصبح المهربون الذين يجوبون الطرق الصحراوية أكثر جرأة ونشاطا.
يتكرّر يوميا مشهد انحراف الشاحنات فارغة أو المحملة بالبضائع عن الطريق الرئيسي للمدينة التي لا يفصلها عن ليبيا سوى بضع مئات من الأمتار، وعودتها محملة بعبوات مليئة بالبنزين المهرب الذي ينقل الى البلدة ليباع إما على قارعة الطريق أو لتجار يمكنهم توزيعه في أماكن أخرى بتونس. “فالبنزين هو البضاعة الأكثر طلبا ورواجا بين الحدود” يؤكد محمد.
لكن هذه الحدود تشهد أيضا تهريب كل شيء من تونس إلى ليبيا بدءا من الماشية إلى الغذاء إلى الجعة والويسكي، بعد ان تم حظر الخمور بعد الانتفاضة الليبية العام الماضي، إضافة إلى الفوسفات الذي نقصت الكميات المستخرجة منه بسبب الإضرابات والاحتجاجات، لكن مع ذلك يجد طريقه للوصول إلى ليبيا.
مصدر رزقنا
يشتكي الاقتصاد التونسي من انعكاسات تهريب المواد الغذائية إلى ليبيا والاتجار فيها مما سبب نقصا في الغذاء وأدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات، خصوصا في المناطق الحدودية بين البلدين.
لكن رغم ذلك يقول سكان مدينة الذهيبة إن التهريب أصبح الوسيلة الرئيسية لكسب العيش في المناطق الحدودية النائية التي لا توجد بها مصانع ولا خدمات في حين انتشرت بها أكشاك بيع البنزين المهرب من ليبيا على طول الطرق الرئيسية التي تضاعف فيها النشاط عما كان عليه منذ سنوات.
يمثل التهريب شريان حياة لهذه الأراضي التي تمتد فيها النباتات الصحراوية حتى منطقة الجبل الغربي الليبية القاحلة التي قال محمد إن المهربين يتخذونها مسالك لهم ولشاحناتهم التي لا تحمل أرقاما منجمية، فالشاحنات أيضا مهربة من السوق الليبية. “المهربون التونسيون يشترون شاحناتهم من ليبيا مقابل ألف دينار للسيارة أي أنها أرخص بكثير من سعرها في تونس”، يقول محمد ضاحكاً.
وقبل أن ننزل من شاحنته ويتابع طريقه وحيدا ختم حديثه قائلا “كما اتفقنا أرجوك.. لا صور، لا أسماء، لا لإفشاء السر”.