في باب سعدون، القلب النابض للعاصمة، في اليوم الثامن من آذار/ مارس كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، والمكان يعج بمئات المرضى جاؤوا من كافة الجهات للتداوي. هنا تتجمع عديد المستشفيات كمستشفى الأطفال والرابطة و”صالح عزيز”.
وسط الزحام، أمام قوس باب سعدون المدخل الشمالي والتاريخي للعاصمة، وقفت امرأة تبدو في عقدها الرابع، بدت شاحبة تائهة، كانت تبحث عمّن يقلّها إلى مستشفى “الرابطة” بعد أن أعياها السير. حين سألتها عن اللوحة الضخمة وراءها، التي ألصقتها إحدى المنظمات النسائية، أجابت أنها لم تنتبه.
في باب سعدون، القلب النابض للعاصمة، في اليوم الثامن من آذار/ مارس كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، والمكان يعج بمئات المرضى جاؤوا من كافة الجهات للتداوي. هنا تتجمع عديد المستشفيات كمستشفى الأطفال والرابطة و”صالح عزيز”.
وسط الزحام، أمام قوس باب سعدون المدخل الشمالي والتاريخي للعاصمة، وقفت امرأة تبدو في عقدها الرابع، بدت شاحبة تائهة، كانت تبحث عمّن يقلّها إلى مستشفى “الرابطة” بعد أن أعياها السير. حين سألتها عن اللوحة الضخمة وراءها، التي ألصقتها إحدى المنظمات النسائية، أجابت أنها لم تنتبه.
كتب على اللوحة شعار “أنا تونسية حرة”. وعلقت رجاء بمرارة “بلى كنت حرة قبل أن يتملكني المرض اللعين”.
عيد بأي حال
تروي رجاء الصولي، 31 عاما، قصتها لـ “مراسلون” فتقول إنها نشأت وسط العاصمة في حي شعبي ومن أسرة فقيرة انقطعت مبكرا عن الدراسة وخيرت الزواج في سن 16 من عامل بسيط، لتعمل في تنظيف المنازل مقابل أجر زهيد.
أنجبت رجاء ثلاثة أطفال، إذ كانت تعتقد ان إنجاب الأولاد سيملأ حياتها ويعوّضها حياة البؤس التي عاشتها في كنف أسرتها.
تقول إن بداية المنعرج في حياتها كان مباشرة بعد ولادة طفلتها “سهام” في مستشفى وسيلة بورقيبة بالعاصمة. وتضيف “اكتشف الأطباء أن طفلتي مريضة بمرض الصرع وانطلقت رحلتي مع العلاج وصرت أتردد بكثرة على مستشفى الأطفال في باب سعدون”.
عانت طفلة رجاء من مشاكل في التنفس وكانت أحيانا تتنفس بصعوبة، فحملتها من جديد إلى مستشفى الأطفال بباب سعدون لمزيد فحصها، وهناك أخبرها الأطباء ان سهام لديها نصف كلية فقط وهي بالكاد تعمل وبالتالي لم يكن لديها أي أمل في النجاة إلا إذا تم زرع كلية.
أمل وألم
يوم سماعها بمرض ابنتها وصلت رجاء إلى بيتها في “جبل الجلود”، أحد الأحياء الفقيرة في تونس العاصمة، وبقيت فترة كما تقول تحت الصدمة. مرض سهام “قلب حياتي رأسا على عقب، كانت كلما بكت يعتصر قلبي حزنا وكمدا.. ثم أعلمت زوجي بقراري”.
كان قرار رجاء هو منح كليتها لطفلتها سهام. شجّعها زوجها وسعد بقرارها، تقول رجاء “لم أكن لأتردد لحظة خاصة طالما الأمر يتعلق بفلذة كبدي، فتوجهت إلى مستشفى “الرابطة” وأجريت الفحوصات اللازمة”.
لكن قبل إجراء العملية ببضعة أيام وبينما كانت رجاء في طريقها إلى المستشفى لزيارة طفلتها في المستشفى، تعرضت إلى حادث مرور وصدمتها سيارة ولم تفق إلا وهي في المستشفى، زاد هذا الحادث من معاناتها وألمها.
حادث أليم
ورغم هول الحادث وأثره العميق على صحة رجاء خاصة وان الإصابة كانت في الرأس لم تكن رجاء لتتراجع عن قرارها. فخرجت من المستشفى بإعاقة جزئية، ومع ذلك أجرت عملية التبرع وكللت العملية بالنجاح، على الأقل بالنسبة للطفلة.
مرت الأيام واعتقدت رجاء ان معاناتها مع المرض وزياراتها المتعددة للأطباء وبالأخص إلى مستشفى الأطفال “باب سعدون” والرابطة ستقف عند هذا الحد فطفلتها “سهام” بدأت تتماثل للشفاء. وشعرت رجاء ان الحياة ستبتسم لها رغم الألم وحلمت بالعودة إلى بيتها المتواضع، لكن يبدو ان السعادة كانت حلما عابرا ولم تدم فرحتها سوى بضعة أشهر.
تقول رجاء صرت أعيش بكلية واحدة، “وكان ذلك كافيا أن أحمد الله لأن ابنتي أصبحت في صحة جيدة. لكن شاءت الأقدار ان تصاب كليتي بقصور، وهو ما استوجب ضرورة خضوعي إلى تصفية الدم، فأنا أزور مستشفى الرابطة يوما بعد يوم لتصفية الدم”.
تضيف رجاء وهي تتحدث عن حياتها “أنهكني المرض وأعياني فأنا أضطر للمشي رغم أني لا أستطيع السير لمسافة طويلة ومع ذلك لا املك ثمن سيارة أجرة توصلني إلى المستشفى لذلك أطلب من أولاد الحلال إيصالي”.
طلاق وثلاثة أطفال بلا سند
كانت رجاء تعمل منظفة في المنازل، وما تتقاضاه تساهم به في مصروف البيت ونفقات الكراء. لكن عندما مرضت أصبحت عاجزة عن العمل وأصابها الوهن.
تبتسم بمرارة وتسأل بتهكم “هل قلت عيد المرأة؟ بعد مرضي هجرني زوجي تاركا في كفالتي ثلاثة أطفال دون مورد للرزق”.
تقول إن زوجها “لا يزورهم ولا يطمئن على أحوالهم، ولا يسأل عنهم ولا يعرف احتياجاتهم، لا يمسح دمعتهم”. فحتى في الأعياد الرسمية كعيد الأضحى يكتفون برائحة الشواء المنبعثة من المنازل المجاورة.
عن أي عيد مرأة تتحدثون، هكذا تقول وتضيف “ليس لدي أي عمل قار وعليّ إطعام أولادي. أكره التسوّل ومع ذلك أجد نفسي مجبرة على قبول بعض التبرعات، لأحقق بعض أحلامي الصغيرة أن أفاجأ أطفالي وخاصة بنتي الصغرى بهدية”.
سألناها عن عائلتها فصمتت برهة ثم قالت:”لا أحد يسأل عني ونادرا ما أزور والدتي أو إخوتي وحتى عندما أطلب المساعدة، يتعللون بأنهم منشغلون بحياتهم وظروفهم”.
وتخلص رجاء إلى القول “حياتي لا قيمة لها والموت حق ولكن أريد ان أطمئن على أولادي وحلمي بيت يأويهم ولا يطردهم منه أحد، أتمنى أن يكملوا تعليمهم ويكون لهم شأن في المستقبل حتى وأن لم أقاسمهم إياه”.