نجح علي العريّض إذن في اللحظات الأخيرة من التفويض الممنوح له في تشكيل فريقه الحكومي، لكنه فشل في توسيع قاعدته السياسية بعد رفض كتل التحالف الديمقراطي والحرية والكرامة وحركة وفاء الالتحاق به.

نجح علي العريّض إذن في اللحظات الأخيرة من التفويض الممنوح له في تشكيل فريقه الحكومي، لكنه فشل في توسيع قاعدته السياسية بعد رفض كتل التحالف الديمقراطي والحرية والكرامة وحركة وفاء الالتحاق به.

الترويكا الحاكمة تحولت إلى “ترويكا لايت” وتراجع حجم قاعدتها التمثيلية في المجلس الوطني التأسيسي من 138 نائبا (89 من النهضة و29 من المؤتمر و20 من التكتل) إثر انتخابات 23 أكتوبر/تشرين أول 2011، إلى 114 نائبا فقط.  ورغم تجاوز هذه القاعدة لحاجز الـ 109 نائبا المطلوب لتوفير أغلبية داعمة في المجلس للحكومة الجديدة، إلا أنها تبقى مرشحة للانهيار في صورة حصول تصدعات إضافية في كتلتي حزبي التكتل والمؤتمر.

إلغاء وزارات وإحداث أخرى

التشكيلة الحكومية المقترحة من السيد علي العريض شهدت تقلصا في حقائبها نزلت من 41 حقيبة (30 وزيرا و11 كاتب دولة)، إلى 37 حقيبة (27 وزيرا و10 كتاب دولة).

وتم إلغاء وزارة الاستثمار والتعاون الدولي ومعها كتابة الدولة للتعاون الدولي، ووزارة التنمية الجهوية والتخطيط. في المقابل تم إحداث وزارة للتنمية والتعاون الدولي وكتابة الدولة للتنمية الجهوية.

كما تم التخلي عن وزارة البيئة وتعويضها بكتابة دولة للبيئة. وكذلك إلغاء منصب الوزير المكلف بالإصلاح الإداري، وثلاث كتابات دولة ملحقة بوزارة الخارجية وتعويضها بواحدة فقط أسندت للقاضية ليلى بحرية.

وتضم الحكومة الجديدة 8 وزراء من حركة النهضة هم إضافة إلى رئيس الحكومة علي العريض، نور الدين البحيري (وزير معتمد لدى رئيس الحكومة مكلف بالشؤون السياسية) ورضا السعيدي (وزير معتمد لدى رئيس الحكومة مكلف بالشؤون الاقتصادية) وعبد اللطيف المكي (الصحة) ومحمد بن سالم (الفلاحة) ومنصف بن سالم (التعليم العالي) وعبد الكريم الهاروني (النقل) وسمير ديلو (حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية)، إضافة إلى كاتبي دولة هما حسي الجزيري (الهجرة) ونور الدين الكعبي (التنمية الجهوية). في حين كان نصيب حزب التكتل بزعامة رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفي بن جعفر 3 وزراء هم عبد الرحمن الأدغم (وزير معتمد لدى رئيس الحكومة مكلف بالحوكمة ومقاومة الفساد) وإلياس الفخفاخ (المالية) وخليل الزاوية (الشؤون الاجتماعية)، وسعيد المشيشي (كاتب الدولة لدى وزير الداخلية).

ولم يحظ حزب المؤتمر الذي أسسه رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي سوى بثلاثة حقائب وزارية عادت إلى كل من عبد الوهاب معطر (التجارة) وسهام بادي (المرأة) وسليم بن حميدان (أملاك الدولة والشؤون العقارية). وكانت حقائب المؤتمر هي الأكثر إثارة للجدل نتيجة الاعتراضات التي انصبت عليها حتى من داخل الترويكا الحاكمة نفسها بسبب الأداء الضعيف والمهزوز للوزراء الثلاث.

أما الوزراء الـ 13 وكتاب الدولة الـ 7 المتبقون فهم من المحسوبين على المستقلين، وهو ما يحتاج إلى التأكيد حسب تصريحات أحمد تجيب الشابي القيادي في الحزب الجمهوري.

وإذا ما اعتمدنا التركيبة الجملية للحكومة من وزراء وكتاب دولة تكون حصة الترويكا 46% مقابل 54% للمستقلين. أما إذا احتسبنا فقط الوزراء باعتبارهم المعنيين أساسا بالتصويت داخل المجلس فتصبح هذه الحصة 52%. وبالتالي سيكون القرار بشكل كامل داخل مجلس الوزراء بيد الترويكا الحاكمة.

“يجب أن نصبر”

العريض أشار في الندوة الصحفية التي عقدها بقصر قرطاج مباشرة بعد اجتماعه برئيس الجمهورية، إلى أن “البلاد تحتاج الى المصادقة على الحكومة في اقرب وقت ممكن لربح الوقت وإلى العمل والانضباط وادخار جهودها في الانتاج والتعليم والصحة والوحدة الوطنية”.

وأضاف أنه يتوجب على كل المواطنين أن يعوا بإمكانيات البلاد وبمسؤوليتهم في الحفاظ على استقرارها ووحدة ترابها وتحقيق اهداف الثورة. والوعي بأن الديمقراطية “مطلب حقيقي يجب أن نصبر عليه” على حد تعبيره.

وأكد رئيس الحكومة المكلف بأن التركيبة التي قدمها لبت الكثير من المطالب التي تقدمت بها الاطراف السياسية ومنها تحييد وزارات السيادة والتقليل من عدد الوزارات. وشدد على أن المدة المتفق عليها في الترويكا لبقاء حكومته لن تتجاوز نهاية السنة الحالية، على أن تجري الانتخابات بين شهري تشرين أول/أكتوبر وتشرين ثان/ نوفمبر حسبما سيضبطه المجلس الوطني التأسيسي.

لكن العريض اختار تقديم جواب فضفاض بخصوص التصدي للعنف الذي تمارسه ميليشيات “رابطات حماية الثورة” والدعوات الملحة لحلها، حيث اكتفى بالتأكيد على أن حكومته ستعمل على تطبيق القانون بصرامة على كل من يخالفه سواء كانوا أفرادا أو تنظيمات.

“تقاسم الغنيمة”

وإذا ما استثنينا التصريحات المرحبة بالحكومة الجديدة من عدد من قادة حركة النهضة، عبّر زعيم حزب التكتل مصطفى بن جعفر عن ارتياحه للنتيجة الحاصلة التي لبت 90% من مطالب المعارضة حسب قوله. لكن الصف المقابل في المعارضة تباينت مواقفه بين التحفظ والانتظار مثلما هو الحال بالنسبة للحزب الجهوري وحركة نداء تونس، أو النقد كما هو الحال بالنسبة للجبهة الشعبية والتحالف الديمقراطي والعريضة الشعبية.

المعارضون نحوا باللائمة على الحكومة المقترحة بسبب طابع المحاصصة الحزبية الذي انبنت عليه وضعف حزامها السياسي بما جعلها تستند إلى أغلبية هزيلة في المجلس الوطني التأسيسي.

واعتبر محمود البارودي القيادي بالتحالف الديمقراطي(وسط) الذي كان قاب قوسين من الانضمام لحكومة العريض، أن التشكيلة المقدمة “لم تنجح في بعث الصدمة الإيجابية المطلوبة لدى الرأي العام وعكست مجرد صيغة جديدة للترويكا قامت على المحاصصة وتقاسم الغنيمة”، قبل أن يضيف ساخرا: “تمخض الجبل فولد فأرا”.

من جهته لاحظ فوزي الشرفي عضو المكتب السياسي لحركة المسار (يسار وسط) والقيادي في ائتلاف الاتحاد من أجل تونس بأن تجديد الثقة في وزير الشؤون الدينية نور الدين الخادمي يعكس غياب نوايا واضحة لحزب حركة النهضة الحاكم في التحييد الفعلي لوزارة الشؤون الدينية. وتعيب أحزاب المعارضة على الخادمي عدم اتخاذه أية إجراءات لمنع استخدام منابر المساجد للدعاية الحزبية والتحريض على الخصوم السياسيين للإسلاميين وتكفيرهم.

صراع مع النقابات

الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية العريقة والقوية، أوضح عبر أمينه العام المساعد قاسم عفيّة بأنه لا مخرج لتونس من الأزمة الحالية التي تعيشها إلاّ بالعودة إلى مبادرة الاتحاد للحوار الوطني التي قاطعتها النهضة والمؤتمر.

ويقول ملاحظون في تونس إن غياب الاتحاد عن أية معادلة يعني أن الحكومة ستكون “فاشلة” بالضرورة نظرا لحجم الاتحاد وقدرته الكبيرة على التأثير وتعديل الأوضاع. فكسب المنظمة الشغيلة إلى جانبها يساعد حكومة العريض على تهدئة الأوضاع الاجتماعية المتوترة، وكذلك بناء علاقات تواصل وتعاون مع الأطراف السياسية المعارضة.

ويشير متابعون إلى أن تجربة علي العريض على رأس وزارة الداخلية تظهر أنه من الصعب عليه أن يتحرر من ولائه لحركة النهضة التي تواجه معارضة كبيرة من قبل الاتحاد العام للشغل. لكنهم يؤكدون على أن المحدد الأساس لمستقبل الحكومة يبقى كيفية التعاطي مع الواقع المعيشي المتردي لعموم التونسيين.