بحثت هيفاء (25 سنة)، طويلا عن عمل لكن دون جدوى. هيفاء حاصلة على شهادة تقنية في جودة الإنتاج. وبينما كانت تبحث داخل صفحات إحدى الصحف اليومية وجدت إعلانا لمكتب تشغيل خاص بإحدى ضواحي تونس العاصمة فلم تتردد في اللجوء إليه، ومن هنا انطلقت المغامرة.
تروي هيفاء قصتها لـ”مراسلون”، تقول إنها اجتازت مناظرة داخل مكتب للتشغيل وتمت الموافقة على توظيفها بإحدى الشركات بدولة من دول الخليج العربي. واشترط المكتب دفع رسوم التسجيل وثمن التأشيرة بما قيمته ألفي دينار تونسي (حوالي 1400دولار).
بحثت هيفاء (25 سنة)، طويلا عن عمل لكن دون جدوى. هيفاء حاصلة على شهادة تقنية في جودة الإنتاج. وبينما كانت تبحث داخل صفحات إحدى الصحف اليومية وجدت إعلانا لمكتب تشغيل خاص بإحدى ضواحي تونس العاصمة فلم تتردد في اللجوء إليه، ومن هنا انطلقت المغامرة.
تروي هيفاء قصتها لـ”مراسلون”، تقول إنها اجتازت مناظرة داخل مكتب للتشغيل وتمت الموافقة على توظيفها بإحدى الشركات بدولة من دول الخليج العربي. واشترط المكتب دفع رسوم التسجيل وثمن التأشيرة بما قيمته ألفي دينار تونسي (حوالي 1400دولار).
بعد دفع هيفاء المبلغ بوقت قصير علمت ممن سبقوها بأن الأجر الذي ستتقاضاه غير كاف وأنه سيتم افتكاك جواز سفرها حال وصولها الى البلد المتفق عليه. وبمجرد أن أعلنت الفتاة قرارها بالانسحاب هددها المكتب برفع قضية لإجبارها على دفع ما قيمته 6 آلاف دينار غرامة إلغاء العقد، وهي تعيش اليوم على وقع تهديدات مكتب التشغيل وطمأنة المحامي.
متحيّلون بالمرصاد
هيفاء ليست الحالة الوحيدة بل ربما تعد من الحالات الأفضل حظا لأنها لم تترك تونس وتذهب في مغامرة غير محسوبة العواقب، لكن مروان المحرزي (32 سنة)، وقع في فخ إغراءات مكتب تشغيل خاص توجه اليه بعد أن ضاقت به الدنيا واسود المستقبل في عينيه.
وبمجرد وصول مروان الى البلد الذي سافر للعمل به، وقع افتكاك جواز سفره وشعر باستعباده من قبل الشركة التي يعمل بها. وبعد ست أشهر من التفاوض بين السفارة التونسية و الشركة تمكن الشاب التونسي من العودة الى وطنه مثقلا بالهموم ومصدوما لهول ما عاناه في فترة وجيزة، بل هو اليوم يشعر أنه غير قادر حتى على معاودة البحث عن عمل. يقول مروان وهو ينظر إلى الأرض في يأس: “صارت الحياة صعبة، ولم يعد لي أمل في إيجاد عمل يضمن كرامتي”.
مريم (35 سنة) متحصلة على الأستاذية في اللغة العربية قررت هي أيضا الخروج من تونس للعمل بإحدى دول الخليج لكنها ابتعدت عن مشاكل مكاتب التشغيل الخاصة والتجأت إلى الوكالة الوطنية للتعاون الفني (مؤسسة حكومية) لأنها أكثر ضمانا وقانونية على حد وصفها.
تقول مريم لـ”مراسلون” انها اليوم مطمئنة البال خاصة أمام ما يحدث مع العديد من مواطنيها وأصدقائها الذين سقطوا ضحايا التحيل الذي تمارسه مكاتب التشغيل غير القانونية والتي تنتشر إعلاناتها باستمرار في الصحف والمجلات.
الحكومة صامتة
ورغم انتشار عشرات مكاتب التشغيل الخاصة في العاصمة وغيرها الكثير في ولايات البلاد، إلا أن أحمد المسعودي، المسؤول عن مكتب الهجرة بوزارة التكوين المهني والتشغيل في تونس يقول ان “الوزارة لم تعط ترخيصا إلا لثمانية مكاتب خاصة فقط، أما البقية فعملها غير قانوني بالمرة”.
ويضيف المسؤول الحكومي لـ”مراسلون” “لقد وصلتنا بعض الشكاوى وقد قامت الوزارة برفع أربع قضايا بالمحاكم الابتدائية الراجعة بالنظر إلى مكان المؤسسة المعنية”.
ولكن مع ذلك يعاب على الحكومة عدم تصديها لهذه الممارسات التي يقع ضحيتها آلاف العاطلين عن العمل إلا في حالة تشكي المتضرر، وهو ما يجعل عددا ممن التقتهم “مراسلون” يعتبرون ان الحكومة التونسية ظلت صامتة أمام تفاقم البطالة وإغراءات مكاتب التشغيل الخاصة التي لا تنفك تبتز شبابا ذاقوا الأمرين للحصول على عمل.
وتصل نسبة البطالة اليوم في تونس إلى 16.7 % حسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء حول السكان والتشغيل للجزء الرابع من سنة 2012. ويقدر عدد العاطلين عن العمل بـ 653 ألفا من مجموع السكان النشطين الذي يبلغ 3.9 مليون قادر على العمل.
وأمام هذه النسبة تتكاثر مكاتب التشغيل الخاصة غير المرخصة وتستمر في عمليات التحايل وكسب المال من أشخاص لا مورد رزق لهم.
وفي هذا السياق يقول المسعودي إن الوزارة تدعم طالب الشغل وتوفر له الحماية في تونس وخارج أرض الوطن ويمكن في هذه الحالات أن تتدخل حسب الفصل 191 من المجلة الجزائية القاضي بالسجن لمدة 5 سنوات مع خطايا مالية لمن يقوم بهذه الممارسات التي تدخل في باب التحيل.
ويفيد بأن وزارة التكوين المهني والتشغيل قامت في تشرين أول/ أكتوبر 2012 بإصدار بلاغ يحذر طالبي الشغل من مثل هذه المؤسسات المشبوهة وغير المرخص لها، حتى أن البلاغ احتوى على دعوة لوسائل الإعلام بعدم إدراج إشهار لهذه المكاتب دون استظهارها بترخيص من وزارة التكوين المهني و التشغيل.
ولكن رغم ما عرف عن هذه المكاتب من تحايل فإنها ما تزال قبلة عديد الشباب الذين يحلمون بغد أفضل ويسعون الى الهروب من واقع مرير، وهم في كل ذلك مثل سيزيف الذي يحاول عبثا أن يرفع الصخرة الى قمة الجبل.