بعد ثورة 14 كانون الثاني/جانفي 2011، عرف المشهد الساسي انفجارا حزبيا غير مسبوق. وفجأة انتقل عدد الأحزاب السياسية من عشرة احزاب قانونية إلى أكثر من مائة حزب.

وقد جاءت نتائج انتخابات خريف العام نفسه لتحدث رجة سياسية خاصة لدى الاحزاب الصغيرة والحديثة العهد بالعمل الحزبي وأيضا لدى الاحزاب المعارضة التي لها تاريخ نضالي في ظل الديكتاتورية.

بعد ثورة 14 كانون الثاني/جانفي 2011، عرف المشهد الساسي انفجارا حزبيا غير مسبوق. وفجأة انتقل عدد الأحزاب السياسية من عشرة احزاب قانونية إلى أكثر من مائة حزب.

وقد جاءت نتائج انتخابات خريف العام نفسه لتحدث رجة سياسية خاصة لدى الاحزاب الصغيرة والحديثة العهد بالعمل الحزبي وأيضا لدى الاحزاب المعارضة التي لها تاريخ نضالي في ظل الديكتاتورية.

وسادت القناعة لدى العديد من السياسيين بان تجميع الصف هو المنهج، بغرض تحشيد القوى وتكتلها على اسس عملية ووفق رؤى واضحة مما يسمح بوجود حد ادنى معقول من الخيارات الحزبية او الجبهوية التي تعرض على الشعب وجمهور الناخبين.

ولعل توقيع وثيقة الاتفاق حول جبهة انتخابية اسمها “الاتحاد من أجل تونس” تضم خمسة أحزاب معارضة كبرى خلال شهر شباط/ فيفري الماضي وتكوين جبهة شعبية قبل ذلك بروافدها اليسارية والقومية جاء لينتج مشهدا سياسيا جديدا يتكون اساسا من ثلاثة اطراف رئيسة:

الاسلاميون بقاعدتهم الانتخابية الذاتية الثابتة وأحلافهم التقليديين، و”الاتحاد من أجل تونس” بأضلاعه الخمسة (نداء تونس و الحزب الجمهوري وحزب المسار الاجتماعي وحزب العمل الوطني الديمقراطي والحزب الاشتراكي اليساري )، و”الجبهة الشعبية” بتفرعاتها اليسارية.

تحالفات هشة

تبدو خارطة التحالفات واضحة في جهة الحزب الحاكم أي حركة النهضة، فهذه الحركة تمتلك قاعدة انتخابية ذاتية لا يستهان بها لكنها تضررت من أكثر من جهة:

– تجربة في السلطة قيل الكثير عن ضعف مردودها السياسي والتنموي وهذه نقطة قد تقلص مستقبلا من دائرة المتعاطفين الذين صوتوا للحركة في الانتخابات الفارطة.

– تجربة تحالف اولى غير ناجحة اعتمدت على عنصر المحاصصة مع حزب المؤتمر من اجل الجمهورية الذي كان يرأسه السيد المنصف المرزوقي الرئيس المؤقت للجمهورية التونسية ومع حزب التكتل من اجل العمل والحريات برئاسة السيد مصطفى بن جعفر الرئيس الحالي للمجلس التأسيسي التونسي. وهي تجربة غير ناجحة بسبب افتقارها للانسجام الايديولوجي والفكري والسياسي.

– تجربة تحالف بصدد التشكل ويبدو انها ستحافظ على الحلفاء التقليديين مع اضافة احزاب صغيرة تنشط فيها عناصر اسلامية مثل حزبي الأمان وحركة وفاء.

والواقع ان كل العبء الانتخابي سيكون محمولا على حركة النهضة دون سواها، بمعنى انها ستخوض الاستحقاق القادم معولة بالأساس على قاعدتها الجماهيرية الخاصة، وعناصرها ألعقائدية وهو امر سيضمن نسبيا موقعا فاعلا داخل البرلمان القادم غير انه لن يمكنها من ذات الاغلبية المريحة التي غنمتها في انتخابات 23 تشرين أول/ اكتوبر2011، خاصة وان دائرة المتعاطفين معها قد تقلصت خاصة بعد القبض على قاتلي شكري بلعيد وثبوت انهم ينتمون الى التيار السلفي المتشدد وينحدرون من الفكر الايديولوجي نفسه، دون ان نغفل ان المعارضة التي خاضت الاستحقاق الفارط ستخوض الاستحقاق القادم بقدر أكبر من التماسك.

الاتحاد من أجل تونس” 

يمكن قراءة جبهة “الاتحاد من اجل تونس” على انها منتوج وعي سياسي ملحوظ لأطراف خمسة استقرأت جيدا الصيغة التكاملية لعملها الجماعي. فكل طرف من هذه الاطراف لها نقاط قوة وضعف جعلتها تدرك بعمق حاجتها الى الاخر لتعديل الموازين والمسك بمقومات القوة الانتخابية. 

– حركة نداء تونس التي تضم روافد متنوعة من رجال الاعمال ورجال السياسة ولها رصيد شعبي في عدد من المدن التونسية 

–  الحزب الجمهوري، ويتمتع بوزن تاريخي و نضالي داخل الحركة الديمقراطية في البلاد.

– حزب المسار الاجتماعي، ويضم كادر سياسي نوعي وخبرات اكاديمية  وجامعية.

– حزب العمل الوطني الديمقراطي، وله تجربة متميزة في العمل السياسي الميداني.

– الحزب الاشتراكي اليساري، وهو حليف يمكن ان يعطي للبرنامج السياسي للتحالف الخماسي بعدا ومضمونا اجتماعيا.

وبالنتيجة يمكن القول ان الثقل الرمزي الذي تمثله الاحزاب الخمسة مجتمعة قد يشكل فعلا مشروع قطب انتخابي مهاب، يضاف الى ذلك ما تمتلكه الاضلاع الخمسة من قيادات ذات تجربة وحنكة كالباجي قايد السبسي ومحسن مرزوق ولزهر العكرمي من جانب نداء تونس، واحمد نجيب الشابي ومية الجريبي وياسين ابراهيم من جانب الحزب الجمهوري، وأحمد ابراهيم وسمير الطيب من جانب المسار الاجتماعي وعبد الرزاق الهمامي من حزب العمل الوطني الديمقراطي، ومحمد الكيلاني من الحزب الاشتراكي اليساري.

وعموما يمكن استقراء جبهة “التحالف من أجل تونس” على أنها التقاء تجاوز عائق التباين الايديولوجي لتؤسس أرضية التقاء برنامجي عنوانها الأبرز هو الدفاع عن للمشروع المجتمعي التونسي الحداثي.

رقم احتجاجي صعب

تبدو الجبهة الشعبية المثقلة بالحزن على فقدان أحد أهم رموزها الشهيد شكري بلعيد كصيغة تحالف بين مكونات اليسار الراديكالي وعدد من التعبيرات القومية، اكثر الاطراف تعبيرا عن العمق الاجتماعي لثورة 14 جانفي وهي بهذا المعنى رقم احتجاجي صعب.

 واذ يبدو بعيدا ان تساير الجبهة منطق التحالف مع “الاتحاد من أجل تونس” نتيجة اصرارها على اخذ مسافة من قطبي التنافس (نهضة- نداء تونس) فان امكاناتها الذاتية قد تمكنها من موقع انتخابي لافت، ناهيك انها تتوافر على رصيد شعبي داخل الجهات التونسية المحرومة.

خلفية الجبهة الشعبية نقابية ذات شان باعتبار تمرس عناصرها في الهياكل القيادية والوسطى للاتحاد العام التونسي للشغل ويمكنها ايضا ان تستغل حادثة اغتيال شكري بلعيد لتسويق نفسها كطرف مهضوم الجانب.

ومن أبرز فاعلي الجبهة الشعبية المناضل حمة الهمامي، وتضم حزب العمال التونسي وحزب النضال التقدمي والحزب الشعبي للتقدم، وحزب الوطنيون الديمقراطيون الموحد وزعيمه المغتال شكري بلعيد، وحزب العمل الوطني الديمقراطي، وحزب الطليعة (ذو التوجه البعثي)، وشقا كبيرا من القوميين الناصرين.

أحزاب تبحث عن موقع

في محيط المشهد السياسي لتونس الجديدة أحزاب قائمة لا تنقصها الإمكانيات ولا المناورة السياسية لكن منسوبها الانتخابي ظل ضعيفا ولعلها لذلك حاولت تشكيل تكتلات بالاعتماد على الإمكانيات الهائلة لرئيس حزب الإتحاد الوطني الحر رجل الأعمال الشاب السيد سليم الرياحي الذي ضم الى جانبه الكثير من شخصيات ومنظري النظام القديم.

ويمثل هذا التحالف، إن تشكل، قوة مالية هامة قد يكون لها دور فاعل في الانتخابات القادمة. والأحزاب التي تنوي التوحد من اجل تكوين حزب وطني جماعي قوي هي الاتحاد الوطني الحر وحزب صوت الارادة وحزب الخيار الثالث وحزب اليسار الحديث وحركة المواطنة والعدالة وحركة مواطنة وحزب الاحرار التونسي والبديل الديمقراطي وحزب المجد.

ويرى المتابعون أن أهم إشكال انتخابي قد يعترض التحالفات في  المعارضة -على عكس التحالف الحزبي الحاكم – تستند إلى قاعد انتخابية واحدة، أي أنها ستجمع أصواتها من منبع واحد هو الحزام الانتخابي للكتلة الحداثية، وهو ما سيتسبب نوعا ما في تفريق الاصوات وتقليص الحظوظ في انتصار انتخابي ساحق تتطلع إليه المعارضة للحد من سيطرة الاسلاميين.

وفي المحصلة، يبدو المتراهنون على الصندوق على اتم الاستعداد لخوض المنافسة الصعبة غير ان غياب الجدولة الزمنية الواضحة للاستحقاق الانتخابي قد تخفي اوراقا اخرى غير شفافة، تزيد من غموض المصير المستقبلي للوضعية الانتقالية. فلا يزال هناك جدل حول موعد الاقتراع، وجدل حول الهيئة المستقلة للانتخابات التي تحوم عديد الاقاويل حول استقلاليتها المالية والادارية. ولا يزال الغموض مستمرا.