مر عامان على ثورة 25 يناير المصرية والتي كان شعارها الرئيسي “عيش، حرية،عدالة اجتماعية “، وكان من ضمن أهم دوافعها تدهور الحالة الإقتصادية للبلاد خلال العهد البائد. ورغم مرور هذه الفترة إلا أن الاستثمار فى المدينة الصناعية “كوم أوشيم ” بطريق الفيوم– القاهرة (80 كلم غرب القاهرة) لا يزال يسجل تراجعاً مما اضطر بعض المصانع إلى تسريح العمال، وأغلق بعضها الآخر أبوابه بسبب تأزم الحالة الإقتصادية.

مر عامان على ثورة 25 يناير المصرية والتي كان شعارها الرئيسي “عيش، حرية،عدالة اجتماعية “، وكان من ضمن أهم دوافعها تدهور الحالة الإقتصادية للبلاد خلال العهد البائد. ورغم مرور هذه الفترة إلا أن الاستثمار فى المدينة الصناعية “كوم أوشيم ” بطريق الفيوم– القاهرة (80 كلم غرب القاهرة) لا يزال يسجل تراجعاً مما اضطر بعض المصانع إلى تسريح العمال، وأغلق بعضها الآخر أبوابه بسبب تأزم الحالة الإقتصادية.

في منطقة كوم أوشيم الصناعية التي يعمل فيها ما بين 10 إلى 13 ألف عامل توقف 95 مصنع بالمنطقة، من أصل 230 مصنعا. ومن بين المصانع المتوقفة 53 مصنعا لم ينجح أساسا في بدء الانتاج بعد مرور ثلاث سنوات على إنشائه، و26 مصنعا مُنتجا وتوقف، و16 مصنعا لم يتم تشييده بعد، وذلك طبقا لإحصاءات رسمية صادرة عن ديوان عام محافظة الفيوم.

“مرضت ففصلونى من العمل”

استباقا او تماشيا مع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر، والتي تقود المصانع الواحد تلو الآخر نحو الإفلاس، بدأ العديد من مديري المصانع في كوم أوشيم بتسريح عماله بعذر او من دون.

أسامة محمد،عامل بمصنع للزجاج بمحافظة الفيوم، وحاصل على دبلوم تجارى، متزوج ولديه طفلة تبلغ من العمر 4 أشهر.

منذ حوالى سنة تغيب أسامة عن عمله ثلاثة أيام لظروف مرضية، ففوجئ بإدارة المصنع ترسل إليه ورقة تسريح من العمل. ويضيف “علمت أن السبب وراء تسريحي هو أن المعمل سيغلق للصيانة وأنهم أرسلوا بعض العمالة إلى الأسكندرية، وباقى العمال تم التخلص منهم”. مشيرا إلى أنه يضطر إلى العمل كفنى كمبيوتر باليومية ولا دخل ثابت له.

أما إسراء رفعت التي كانت تعمل مراقبة جودة براتب قدره 500 جنيه (حوالي 70 دولار أمريكي) شهريا فى مصنع للحلاوة الطحينية والطحينة بمدينة كوم أوشيم الصناعية، فتقول إنها تعرضت للطرد من عملها وحوالى 29 من زميلاتها فى العمل منذ أربعة أشهر بعد أن أغلق المصنع أبوابه وتوقف عن العمل بسبب الظروف الإقتصادية وارتفاع تكاليف الإنتاج مثل الخامات والسولار.

إسراء كانت عملت فى المصنع قرابة عام ونصف العام. وتضيف “منذ حوالى سبعة أشهر بدأت الأزمة المالية تضرب المصنع وظهرت فى تأخير المرتبات حتى منتصف الشهر التالي إلى أن أغلق المصنع أبوابه وتم طردنا من العمل”.

أما محمد إسماعيل، 27 سنة، دبلوم فنى وهو متزوج ولديه طفل، فكان يعمل فى مصنع لعلف الماشية بمنطقة كوم أوشيم، ومع تدهور الأوضاع الإقتصادية من بعد ثورة 25 يناير حتى الوقت الراهن اضطر صاحب المصنع إلى الإستغناء عنه وعن زملاء له. ويقول محمد “منذ عدة أشهر قام صاحب المصنع بتخفيض حجم العمالة مع تراجع الإنتاج، ولكنه طلب منى أن أعمل لديه وقت الطلب، فأتوجه إلى المصنع مرة كل شهر أو مرتان أقوم بأي مهمة يكلفني بها وأحصل على أجرى عن هذه المهمة”.

 ويضيف “لم أتوجه بالشكوى لأني أعرف حال المصنع ولكنى جلست فى منزلي فى إنتظار طلب أي شخص لي، وتحولت للعمل فى الخرسانة المسلحة وأعمال البناء باليومية حتى أوفر القوت لنفسي وأسرتي”.

المثير فى الأمر أن الحالات التي رصدها “مراسلون” وتعرضت للطرد من المصانع لم تتوجه بالشكوى إلى مكتب العمل، بل ذهبت للعمل فى مناطق أخرى أو السفر إلى خارج مصر ومعظمها إلى دولة ليبيا.

أتاوات وأعمال بلطجة

الشكوى من سوء الحالة الإقتصادية امتدت إلى أصحاب المصانع بالمنطقة وهو الأمر الذى يؤكده أسامة فخري، صاحب مصنع معكرونة بالمنطقة الصناعية بكوم أوشيم في محافظة الفيوم.

يروي صاحب المصنع أن فكرة دخوله هذا المجال بدأت عندما كان يمتلك محال لتجارة الجملة للبقالة بمركز سنورس التابع لمحافظة الفيوم، وكانت مبيعات المحل تصل إلى 12 طن من المعكرونة “السايبة” يوميا، فقرر إقامة مصنع خاص به.

غير أن فخري فوجئ خلال الفترة الماضية بأن المتعاملين معه من التجار يشترون من تجار جملة آخرين من محافظات أخرى بسعر يقل بحوالى 200 جنيها للطن عن سعر السوق، موضحا أن مصنعي المعكرونة الرخيصة لا يدفعون ضرائب ويصنعونها من الدقيق المدعم الخاص بالمخابز والذي يتم سرقته وبيعه بالسوق السوداء.

ليس هذا فحسب ما دفع فخري لإغلاق مصنعه، “بل حتى قطع الغيار لماكينات التصنيع زاد سعرها بعد الثورة من 45 جنيها إلى 180 جنيها ولا نجدها بسهولة لدى تجار قطع الغيار فى السوق المصري، وكذلك تضاعفت تكاليف النقل والطاقة، فضلا عن عدم توفر الأمن والأمان داخل المدينة الصناعية حيث يطلب منا بعض البلطجية أتاوة قدرها 600 جنيها شهريا من كل مصنع بحجة الحماية”. ويذكر فخري أنه وزملاءه حرروا العديد من المحاضر فى قسم الشرطة “لكن لم يفعل أحد شيئا”.

أكلّم نفسي!

وحول تردى الحالة الاقتصادية منذ اندلاع الثورة المصرية قال فخري “صرت أكلّم نفسي! مطلوب مني هذا الشهر سداد شيكات بحوالى ثلاثة ملايين جنيها وليس لدى سيولة نقدية لسدادها بسبب حالة الركود فى الأسواق التجارية، وبالتالي أضطر إلى حرق أسعار البضاعة ببيعها بأسعار أقل فى السوق لتوفير نقدية ونخسر بالطبع”.

وأشار إلى أن العمالة دوما تطالبه بزيادات فى المرتبات منذ ثورة 25 يناير رغم أنه تم زيادتها بنسبة 40%، ورغم عدم تحمل المصنع كل هذه التكلفة فضلا عن إنقطاع التيار الكهربائي فى بعض الأيام لساعات مما يوقف وردية كاملة للمصنع.

وكشف فخري عن أن لديه مصنعا لصناعة الحبوب فى المرحلة الأولى من المدينة الصناعية تم إغلاقه قبل أن يبدأ العمل عقب ثورة 25 يناير حيث قام بإستخراج الترخيص اللازم لتشغيله واتفق على شراء معدات للمصنع باعتمادات قدرها 12 مليون جنيه مصري من دولة إيطاليا، وهى بقروض من البنوك، وبعد فتح إعتماد مالى بحوالى 30 % من المبلغ رفض الجانب الإيطالي توريد المعدات للمصنع بسبب عدم وجود حكومة مستقرة.

المستثمرون العرب أيضا

ولئن كان وضع أصحاب المصانع المصريين متدهورا، فإن أوضاع أولئك المستثمرين العرب الذين نقلوا أعمالهم إلى مصر كأرض واعدة للاستثمار ليست بالأحسن.

ويشكو محمد كمال، رجل أعمال أردني الجنسية من أنه أغلق مصنعه لإنتاج المواسير منذ شهرين فقط بعد إستمرار تدهور الأوضاع الإقتصادية، واضطراره إلى تسريح العمالة التي تصل إلى حوالى 85 فردا بعد أن ظل يدفع مرتباتهم بعد أشهر من توقف الإنتاج مع إرتفاع التكاليف وتراجع أسعار بيع المنتج فى السوق.

وقال كمال “تعرضت لخسائر فادحة في رأس المال حيث كان المصنع يعمل برأس مال حوالى 5 ملايين جنيها، وبعد أشهر من الثورة المصرية قمت بضخ المزيد من الأموال ليرتفع رأس المال إلى 20 مليون جنيها أملا فى تحسن ظروف السوق”.

وأضاف: “ظلت حالة التدهور الاقتصادي وارتفاع أسعار الكهرباء والسولار وما ترتب عليه من ارتفاع تكلفة النقل ومن ثم تكلفة الإنتاج، ومع المنافسة لم استطع رفع أسعار بيع المواسير فى السوق، ما أضطرني إلى وقف الإنتاج”.

“إمكانيات المدينة الصناعية ضعيفة”

المهندس مجدى البحيرى، نائب رئيس جهاز منطقة كوم أوشيم الصناعية بمحافظة الفيوم، يشير إلى أن أسباب غلق المصانع تتراوح بين نقص التمويل أو عدم الدراية بالسوق ودراسة الجدوى المناسبة للمشروع.

ويضيف “هناك بعض المشاكل وقعت فى مصانع بالمنطقة بسبب مطالب العمال بزيادة رواتبهم كانت آخرها مصانع القوات المسلحة”.

ويؤكد البحيري أن إدارة المنطقة تدخلت ومنعت تسريح مئات العمال من قبل بعض المصانع مثل مشروع تغذية المدارس، والذى يتوقف العمل به خلال الإجازة الصيفية لارتباطه بالعام الدراسي بالمدارس.

ويقول “لم يكن العمال يحصلون على رواتبهم خلال فترة التوقف هذه، وقمنا بالتنسيق مع المحافظة ومع صاحب المصنع وتقرر صرف رواتبهم خلال هذه الفترة”.

ويردف نائب رئيس جهاز المدينة بأن الجهاز تلقى شكاوى “بسيطة” من عمالة تم تسريحها رغم أنها كانت بقرارات من اللجان النقابية وأن إدارة الجهاز قامت بالتوسط لدى إدارة المصنع لإعادة العاملين أو إيجاد فرصة عمل بديلة لهم فى مصانع أخرى.

وإعترف بأن مشاكل البنية التحتية في المنطقة الصناعية كثيرة حيث كانت محطة الصرف الجديدة لا تعمل، كما أكد أن إمكانات المدينة ضعيفة حيث لا تمتلك المدينة الصناعية معدات خاصة بها.

وإلى أن تعود للاقتصاد عافيته تبقى مدينة كوم أوشيم الصناعية حائرة بين العمال وأصحاب المصانع ومسؤولي المدينة، ولا يشعر المواطن بأثرها فى تنمية الفيوم، بل بتدهورها.