كان الخامس عشر من شباط/ فبراير الماضي حديث الشارع والساسة في ليبيا، فالدعوة للتظاهر والاحتجاج ضد سياسات المؤتمر الوطني العام والحكومة، ومطالبة البعض “بإسقاط كلا الجسمين”، أثار الكثير من التحفظات والقلق لدى أطراف عدة، ووضع الحكومة والمؤتمر في حالة من الذعر حسب مراقبين.

زيارة تهدئة

بعد تصاعد الدعوات قام وفد من أعضاء المؤتمر الوطني العام يتصدره رئيسه محمد المقريف ورئيس الوزراء علي زيدان، بالتوجه إلى بنغازي والاجتماع مع منظمات المجتمع المدني والقوى الفيدرالية فيها، على مدى يومي الجمعة والسبت (8-9 فبراير).

كان الخامس عشر من شباط/ فبراير الماضي حديث الشارع والساسة في ليبيا، فالدعوة للتظاهر والاحتجاج ضد سياسات المؤتمر الوطني العام والحكومة، ومطالبة البعض “بإسقاط كلا الجسمين”، أثار الكثير من التحفظات والقلق لدى أطراف عدة، ووضع الحكومة والمؤتمر في حالة من الذعر حسب مراقبين.

زيارة تهدئة

بعد تصاعد الدعوات قام وفد من أعضاء المؤتمر الوطني العام يتصدره رئيسه محمد المقريف ورئيس الوزراء علي زيدان، بالتوجه إلى بنغازي والاجتماع مع منظمات المجتمع المدني والقوى الفيدرالية فيها، على مدى يومي الجمعة والسبت (8-9 فبراير).

نتائج الاجتماع أسفرت عن وعود بتلبية المطالب، وتأكيدات من جانب السلطات بمشروعية تلك المطالب وضمان حق الاحتجاج السلمي لأصحابها، والتحذير من اعمال التخريب والتدمير، كما استخدم رئيس المؤتمر محمد المقريف اسم “برقة” أثناء الاجتماع لتخفيف الاحتقان الذي كان بين الحضور.

وبعد أن استمع إليهم أقر بأنه متفق معهم تماماً، إلا أنه يتحفظ على بعض “المصطلحات”، وأكد على أنه كان يود زيارة المدينة منذ فترة قائلاً “كنت أود أن ألتقي بكم وأستمع إليكم منذ فترة، وفي ظرف أفضل ولكن لانشغالنا لم يكن من الممكن اللقاء بكم قبل هذا اليوم”.

انسحاب الفيدرالية

قبيل ساعات من الحراك المنتظر أعلنت القوى الفيدرالية انسحابها من الدعوة والمشاركة بحراك 15 فبراير، ومنحت الحكومة والمؤتمر مهلة حتى نهاية شهر آذار/ مارس القادم، وهي خطوة لقيت ترحيباً من المتخوفيين من هذا اليوم، واعتبروها خطوة وطنية في الاتجاه الصحيح.

مراقبون وصفوا الخطوة التي قامت بها القوى الفيدرالية بـ”الانسحاب التكتيكي”، فهو انسحاب مبكر تحسباً من أي عمليات تخريبية من أي جهة قد يتم الصاقها بالقوى الفيدرالية.

الفيدراليون من جانبهم اعتبروا لقاء المؤتمر معهم والتفاوض اعترافاً بانهم تيار كبير ومهم في الشارع، خاصة بعد تصريحات أخيرة لعلي زيدان قال فيها إن “الصوت الفيدرالي قد خفت حدته”، مرجعين هذا الخفوت لكونهم انتزعوا الموافقة على مطلبهم الأول والأهم وهو  قرار المؤتمر الذي ينص على “انتخاب اللجنة التاسيسية” التي ستضع الدستور المقبل للدولة.

الكاتب علاء الدرسي يصف الخطوة التي خطتها القوى الفيدرالية (التي يتبنى أفكارها) بأنها “خطوة ناضجة”، ووصف خطوات الفيدراليين بأنها سبقت بكثير “المتمركزين في العاصمة”، لأنه كان لا بد من “النأي بالنفس في يوم لُبد بالشكوك والتخوين” على حد قوله.

آلية خروج بيان القوى الفيدرالية المتلفز بقناة الرؤية التابعة للتيار الفيدرالي، “كان له أبعاد سياسية جمة” حسب عصام الجهاني وهو أحد قادة القوى الفيدرالية، الذي أوضح أن “القرار كان من القرارات الصعبة، ولذلك لم يتخذ بشكل متسرع بل أخذ بعض الوقت حتى تبلور، وبعد مداولات ومناقشات من بعض الشخصيات الوطنية والسياسية تم اتخاذ قرار البيان بطريقة التصويت بشكلها الديمقراطي وكانت نسبة الموافقة كاملة، وهذا ما دعانا للطمأنينة من تنفيذه”.

اطفال مسلحون!

الهاجس الأمني والتخوف الذي ساد فترة ما قبل 15 فبراير، وخاصة بعد أن اعلنت بعض الصفحات المحسوبة على النظام السابق عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الفيسبوك وتويتر وغيرها، نيتها القيام بعمليات تخريبية واستهداف الأمن في هذا اليوم، دفع الحكومة للإعلان عن خطة أمنية مشددة ظهرت جلية في الشارع، فقد لوحظ التكثيف الأمني من قبل كتائب درع ليبيا التابعة لرئاسة أركان الجيش، وانتشار للجان أمنية على مفترقات الطرق وبين مسافات متقاربة.

وبلغ الأمر في منطقة “الصابري” شمال مدينة بنغازي حد وجود إحدى النقاط الأمنية يقوم عليها حوالي سبعة أطفال أعمارهم مابين (12 و 14 سنة)، وبحوزتهم أسلحة نارية من النوع الخفيف، وبعيداً عن بنغازي أيضاً تحدث ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي في العاصمة طرابلس وكذلك في مدينة زليتن – شرقي طرابلس –، عن نقاط أمنية يقوم عليها أطفال.

يقول الناشط تيمور عبدالعزيز من بنغازي إنه لأول مرة يشاهد هذه “الكارثة” منذ بداية الثورة، مطالبًا بمحاسبة المسؤولين عن ذلك، ويضيف “يجب أن يتم التحقيق في من كان وراء وقوف الأطفال في البوابات الأمنية وحملهم للسلاح في طرابلس”، مؤكدأ بأنه شاهد أطفال في أكثر من بوابة.

إلا أن السلطات الأمنية المتمثلة في وزارة الداخلية وكذلك السلطات المحلية لم تخرج بأي تصريح حول الأمر، خاصة وأن الاقاويل كثرت في الشارع عن منح مالية قدمت لهؤلاء الاطفال طمعتهم في اقيام بهذا العمل المربح المؤقت.

احتفالات واحتجاجات

مساء يوم 15 فبراير ورغم انسحاب العديد من المنظمات والقوى الفيدرالية الداعية للاحتجاج إلا أن ساحة التحرير في بنغازي لم تخلُ من الاحتجاجات في ذلك اليوم، الساحة التي احتضنت الثورة عام 2011 طوال ستة أشهر، تظاهر فيها الآلاف من أهالي بنغازي رددوا هتافات تلخص مطالبهم حول قضايا عدة من أهمها المطالبة بإقالة رئيس أركان الجيش الليبي يوسف المنقوش، والمطالبة بتوحيد الصفوف ونبذ الخلافات والانقسامات التي تخلقها الإيديولوجيات والأحزاب السياسية، كما دوت حناجر المتظاهرين بهتافات مناوئة لرئيس المؤتمر الوطني العام محمد المقريف وكذلك رئيس الوزراء علي زيدان، وطالبت “بحق إعادة المؤسسات المسلوبة” التي نُقلت من المدينة إلى العاصمة طرابلس بعد انقلاب سبتمبر 1969.

إلا أن المتظاهرين انقسموا فيما بينهم حول مطلب العزل السياسي حيث تباينت الهتافات حوله بين مؤيد ومعارض له، وقد شارك في المظاهرة ليبراليون وإسلاميون وبعض الشخصيات العامة أيضاً.

خارج الساحة

خارج ساحة التحرير ومنذ انتهاء خطب الجمعة في مختلف المساجد خرج المئات من أهالي بنغازي في مختلف المناطق بسياراتهم التي زينت بالعلم الوطني تجوب الشوارع وتطلق أبواقها احتفالاً، كما تلونت السماء بالألعاب النارية.

إحدى المواطنات عبَرت لمراسلون عن فرحتها باليوم قائلة إن “انتهاء حكم القذافي هو أفضل شيء قد حدث على الإطلاق وأن باقي أهداف الثورة ستأتي تباعاً”، مطالبة بالصبر ومنتقدة رغبة الفيدراليين وغيرهم الذين يودون “إفساد الاحتفال” بهذه المناسبة.

تباينت آراء المواطنين ومواقفهم في ذكرى الثورة مابين راضٍ عن إنجازاتها بعد عامين من انطلاقتها، وبين من يرى أنها قد انحرفت عن المسار ولابد من إعادتها على الطريق الصحيح، لكن الكل يجمعون على أن الاستقرار هو غاية أولى وأساسية مهما تطلب الأمر، حتى وإن كان المقابل تأجيل الاحتجاجات ومنح مزيد من الفرص.