بعد اغتيال شكري بلعيد صباح يوم 6 فيفري /شباط 2013 بأربع رصاصات من أمام بيته، يعيش التونسيون حالة من الخوف والتوجّس من دخول البلاد دائرة التصفية الجسديّة.

منير الدريدي صيدلاني ويعمل دائما في الدوام الليلي. بعد حادثة اغتيال شكري بلعيد تغيرت طريقة عمله وأصبح أكثر حيطة رغم أنه يعلم جيّدا أنه ليس مستهدفا وليس له انشطة سياسية تجعله محل عداء.

الدريدي لم يعد يفتح باب الصيدلية الليليّة التي يعمل بها كما هي العادة بل أصبح يتعامل مع الباحثين عن الدواء من وراء القضبان.

بعد اغتيال شكري بلعيد صباح يوم 6 فيفري /شباط 2013 بأربع رصاصات من أمام بيته، يعيش التونسيون حالة من الخوف والتوجّس من دخول البلاد دائرة التصفية الجسديّة.

منير الدريدي صيدلاني ويعمل دائما في الدوام الليلي. بعد حادثة اغتيال شكري بلعيد تغيرت طريقة عمله وأصبح أكثر حيطة رغم أنه يعلم جيّدا أنه ليس مستهدفا وليس له انشطة سياسية تجعله محل عداء.

الدريدي لم يعد يفتح باب الصيدلية الليليّة التي يعمل بها كما هي العادة بل أصبح يتعامل مع الباحثين عن الدواء من وراء القضبان.

ويقول الصيدلي الشاب لـ “مراسلون” “أعلم جيدا أنني لن أكون هدفا لعمليّة اغتيال ولكن بعد حادثة تصفية بلعيد تغيّرت طريقة تعاملي مع الزبائن، ففي السابق كنت أترك الباب مفتوحا أمام الجميع أمّا الآن فقد صرت أحكم إغلاقه وأتسلّم الوصفة الطّبّية والنّقود من وراء قضبان الباب الخارجي”.

ويرى منير الدريدي أن عمليّات الإغتيال السياسيّة المدبّرة لم يتعوّدها التونسيّون وهذا هو سبب الصّدمة والذهول الذي أصابهم منذ تصفية شكري بلعيد والذي لا يزال يصاحبهم إلى الآن.

رعب التصفية

في حدود الساعة السادسة مساء أصبح المعهد الإعدادي “ابن منظور” بمحافظة بن عروس (جنوب العاصمة) بمثابة محطة المسافرين، فالأولياء مصطفّون لاصطحاب أبنائهم رغم بلوغهم السّن التي تخوّل لهم الإعتماد على أنفسهم في رحلة العودة إلى منازلهم سيرا على الأقدام نظرا لقرب مساكنهم من المعهد.

“مراسلون” استفسرت بعض الأولياء عن سبب وجودهم المكثّف غير المعتاد أمام المعهد.

مليكة النّايلى احدى اولياء التلاميذ، أكّدت أنّها لم تكن تخرج في السابق لتصطحب ابنتها البالغة من العمر 14 سنة للمنزل فهي قادرة على ذلك بمفردها ولكن منذ سماعها خبر تصفية شكري بلعيد لم تعد تستطيع كبح جماح شعورها بالخوف على فلذة كبدها.

تقول مليكة لـ “مراسلون” “صحيح أن الوضع الأمني في تونس أصبح هشّا منذ إندلاع الثّورة ولكن لم نكن نعتقد أن الأمر سيبلغ حد التصفية الجسديّة باستعمال سلاح ناري وفي وضح النّهار”.

تصمت قليلا ثم تضيف بتنهد ” شخصيّا لم أعد أبارح المنزل بعد السّابعة ليلا بمفردي ولم أعد أسمح لإبنتي بالعودة بمفردها”.

وتتساءل مليكة بصوت مرتفع وكأنها تطلب إجابة تشفي غليلها “هل نرتاح قليلا من الخوف الذي نعيشه جرّاء العنف السلفي لننتقل إلى رعب الإغتيالات والتّصفية الجسديّة؟”.  

وفي نفس السياق قام مجهولون بتخريب نصب تذكاري تم تركيزه في الساحة الواقعة قبالة بيت شكري بلعيد احياءً لذكراه. التمثال صنعه فنانون بمناسبة تظاهرة اقاموها الاحد الماضي لكن بمجرد ان اسدل الليل ستاره عمد مجهولون الى اقتلاعه من مكانه وتهشيمه، وداسوا على الورود التي وضعت حوله، كما مزقوا صورا للمناضل المعارض كانت موضوعة في المكان نفسه.

من قتله؟

دعا شباب تونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي الى مسيرة جابت الشارع الرئيسي بالعاصمة يوم السبت الماضي شارك فيها الآلاف (نحو 6 الاف) من المطالبين لوزارة الداخليّة والسلطات المعنيّة بإجابتهم على سؤال واحد وهو “من قتل شكري بلعيد ؟”.

عبد الوهاب جمعة أحد المشاركين في المسيرة، يقول لـ “مراسلون” انه يعمل عدل إشهاد وليس له أي إنتماء حزبي أو إيديولوجي. لم يكن يظهر على وجهه سوى تصميمه على المضي قدما للمطالبة بمعرفة الجهة التي خطّطت لإغتيال شكري بلعيد.

يقول عبد الوهاب انه استغنى عن بعض ممارساته اليوميّة، فلقاؤه بأصدقائه في مقهى الحي الذي يقطنه في المساء لم يعد من أولويّاته كما كان في الماضي، فقد أصبح يخيّر ملازمة بيته ليس خوفا على نفسه بل على زوجته وابنه ذي الخمس سنوات.

ويؤكد عبد الوهاب أنّه لم يعد يثق بالأجهزة الأمنيّة فهو يرى أن حادثة اغتيال بلعيد تمّت في وضح النهار وانه رغم استخدام الجناة للرصاص لم يتمكّن الأمن من اللحاق بهم ومحاسبتهم. ويقول “لم أعد أثق في الأمن مطلقا ولا في قدرتهم على حماية المواطن”.

وفي سياق متّصل باغتيال المعارض شكري بلعيد قرّرت الجبهة الشعبية (التي يعتبر بلعيد أحد قيادييها) والقوى المدنية المتحالفة معها أن تنظم وقفة احتجاجية كل يوم اربعاء، تدوم ساعة كاملة، من منتصف النهار إلى الساعة الواحدة بعد الزوال، وذلك للمطالبة بكشف الحقيقة كل الحقيقة عن اغتيال شكري بلعيد.

ويُذكر أن وزير الداخليّة قال في وقت سابق أن التحقيق في قضية تصفية المناضل اليساري شكري بلعيد تقدّم إلى مرحلة الإيقافات وسط تشكيك في جدّية الأبحاث، خاصّة مع توجيه المعارضة أصابع الإتهام لحركة النّهضة الإسلاميّة التي ينتمي اليها وزير الدّاخليّة.

اغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد، المعروف بنقده اللاّذع لحركة النّهضة الإسلاميّة، خلّف ذهولا في الشّارع التونسي وتسبّب بأزمة سياسيّة في بلد لا يزال يتحسّس طريقه نحو الديمقراطيّة. بلد قاد ثورات الربيع العربي لكن معظم مواطنيه اليوم أصبحوا يتساءلون عن أسباب تحول هذا الربيع إلى خريف.