“أعيدوها لبنغازي” هكذا يهتف المهندس النفطي جمعة المشيطي بصوت مبحوح وسط اعتصام بساحة التحرير بالمدينة، لمطالبة السلطات الليبية بإعادة المؤسسة الوطنية للنفط إليها من مقرها الحالي بالعاصمة طرابلس.
عبارة المشيطي هذه صارت تترد كثيراً في أرجاء المدينة التي تأسست فيها المؤسسة الحاضنة لكل الشركات النفطية العاملة داخل ليبيا أواخر ستينيات من القرن الماضي، قبل أن تُنقل في بدايات حكم القذافي للعاصمة.
“أعيدوها لبنغازي” هكذا يهتف المهندس النفطي جمعة المشيطي بصوت مبحوح وسط اعتصام بساحة التحرير بالمدينة، لمطالبة السلطات الليبية بإعادة المؤسسة الوطنية للنفط إليها من مقرها الحالي بالعاصمة طرابلس.
عبارة المشيطي هذه صارت تترد كثيراً في أرجاء المدينة التي تأسست فيها المؤسسة الحاضنة لكل الشركات النفطية العاملة داخل ليبيا أواخر ستينيات من القرن الماضي، قبل أن تُنقل في بدايات حكم القذافي للعاصمة.
ففي 15 شباط/ فبراير الحالي اعتصم العديد من نشطاء المدينة ومنظمات المجتمع المدني بساحة التحرير مطالبين بعودة مؤسسات اقتصادية وصفوها بالمسلوبة، وعلى رأسها مؤسسة النفط إلى المدينة ممهلين السلطات حتى 30 من آذار/مارس القادم لتلبية طلباتهم.
هذا التحرك الذي شكل تحدياً أمنياً وسياسياً، استبقته حكومة علي زيدان المثقلة بالتحديات بوعد قطعته في اجتماع مع المجلس المحلي لمنطقة بنغازي، يقضي بعودة هذه المؤسسات بما فيها مؤسسة النفط، لكنها طلبت مزيداً من الوقت للتشاور والإعداد لهذا القرار بشكل فني، لكي يكون ضمن استراتيجية كاملة تتضمن آليات التنفيذ والجدول الزمني.
وعد زيدان رحب به المجلس المحلي بنغازي على لسان ناطقه الرسمي أسامة الشريف بحكم أن الإعداد لهكذا قرار” أمرٌ يفرضه الواقع”، وأضاف الشريف في تصريح لمراسلون أن الحاضرين اشترطوا صدور القرار مع إمكانية انتظار آليات التنفيذ والجدول الزمني.
تعددت الأسباب
الحديث عن عودة المؤسسات الحكومية من العاصمة إلى مقار تأسيسها بدأ مع سقوط نظام القذافي لأسباب يرى البعض أنها قانونية، معتبرين أن العقيد القذافي جاء إلى السلطة بانقلاب وبالتالي فإن نقله للمؤسسات من مقارها هو الأخر انقلاب على الشرعية.
شرعية يطالب بعودتها الرئيس السابق للجنة التسييرية لاتحاد عمال النفط والغاز يوسف الغرياني “نريد العودة إلى الشرعية، فالمؤسسة أنشئت بقرار رقم 13 لسنة 1968 تحت اسم المؤسسة الليبية العامة للبترول على أن يكون مقرها بنغازي، لذلك يجب أن تعود لبنغازي”.
الغرياني يعطي أسباباً اقتصادية لعودة المؤسسة تنهي بحسب رأيه مشاكل البطالة وتساهم في تنمية المدينة “عند نقل المؤسسة إلى بنغازي ستأتي معها الشركات ما ينشط الاقتصاد والتجارة في المدينة ويوفر الوظائف للشباب، كما يخفض ذلك الضغط عن العاصمة فهناك 28%من سكان ليبيا يقيمون بالعاصمة التي يوجد بها 262 مؤسسة حكومية” يقول الغرياني.
بينما يرى آخرون في ذلك تحقيقاً للمساواة والعدالة، حيث يقول الناطق الرسمي باسم المجلس المحلي لمنطقة بنغازي أسامة الشريف إن “اختيار مكان تأسيس المؤسسات خاصة قبل مجيء القذافي لم يكن اعتباطياً، بل بُني على دراسات ورؤى ممنهجة لدعم النمو في هذه الأماكن وإعطاء الفرص للناس، وإشعارهم بان الدولة هي دولة للجميع وليست دولة منطقة أو جهة محددة”.
وفي حين يشتكي العديد من موظفي قطاع النفط من تعقيد الإجراءات الإدارية وبُعد المسافة عن مقار شركاتهم بالعاصمة، يبدي وكيل وزارة النفط عمر الشكماك في تصريح لمراسلون تفهماً للمطالبة بفتح فرع للمؤسسة في بنغازي “جميع الكوادر الليبية العاملة في النفط وغيره من المجالات مضطرة للمجيء لمقرات الهيئات التي تتبعها بالعاصمة وهذا فيه درجة من الإجحاف”.
رفع السقف
قرار 35، ثم قرار 51 ثم 61 وأخيراً قرار رقم 100، كلها صدرت تباعاً عن وزارة النفط منذ إنهاء حقبة القذافي ونصت على فتح فرع للمؤسسة في مدينة بنغازي، في محاولة للتوصل لحل وسط قد يُرضي المطالبين بعودة المؤسسة بالكامل.
وبسبب اعتصامات قادها منتسبون لنقابة النفط في طرابلس رفضاً لفتح فرع للمؤسسة ببنغازي باعتباره تقسيماً لها، فإن أياً من القرارات لم ينفذ ، وأخرها (القرار رقم 100) الذي قام وزير النفط السابق عبد الرحمن بن يزة في العاشر من شهر اكتوبر/ تشرين المنصرم بسحبه بعد أيام قليلة من صدوره، بدعوى تضمنه أخطاء لغوية.
لكن الغرياني يقول “سُحب القرار لتعرض الوزير السابق لضغوط مارسها خمسة وعشرون موظفاً بالمؤسسة تظاهروا في العاصمة طرابلس ضد القرار”.
وذلك ما حذا بالمطالبين على حد قول الغرياني إلى الإصرار على عودة المؤسسة بكاملها “الشارع دخل على الخط ورفع السقف ولم يعد يرضى إلا بعودة المؤسسة”.
إنها العاصمة
تسمية مدينة بنغازي عاصمة اقتصادية من قبل المجلس الانتقالي المنحل، جعلت هذا النوع من المطالبات أكثر إلحاحاً، يتساءل المشيطي أصيل المدينة “هل يعقل أن تكون بنغازي عاصمة اقتصادية وليس بها مؤسسات اقتصادية، لا يوجد أي مانع جغرافي أو سياسي أو قانوني يمنع أن تكون المؤسسة في بنغازي”.
لا توافق بثينة قنيوة الموظفة بشركة وينترشل ليبيا للنفط الألمانية التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها على ذلك، حيث تقول “يجب أن تتمتع كل مدن ليبيا بمرافق الدولة كاملة، ويجب أن تكون هناك فروع في كل مدن ليبيا، لكن يجب أن تبقى المؤسسة بطرابلس لأنها العاصمة”.
من جانبه يرى نوري بالروين رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في حديث لمراسلون “إن نقل المؤسسة أو فتح فرع جديد لا يعني شيئاً”، فبحسب رأيه القضية ليست النقل أو فتح الفرع بل النشاط الاقتصادي الذي ينجم عن هكذا إجراء.
ويوضح “عندما تفتح شركات ما إداراتها الرئيسية أو فروعاً لها في بنغازي، تساهم في رفع النشاط الاقتصادي للمدينة، أما فتح فرع للمؤسسة وتعيين مئة أو مائتين موظف لا يعني شيئاً، الفائدة كلها في النشاط الذي سيترتب عن ذلك”.
الشارع يقود
يطرح مختصون بشؤون النفط اسم مدينة اجدابيا (150غربي بنغازي) كمقر مناسب لمؤسسة النفط، فالمدينة تقع بين ميناءي الزويتينة والبريقة النفطيين، وعلى بعد 250 كم من بوابتها الجنوبية تستخرج يومياً الآلاف من براميل النفط، ما يقرب خطوط إمداد قطع الغيار والتموين، ويسهل على الشركات النفطية متابعة عملياتها النفطية.
إلا أن الغرياني يصر “بداية أعيدوا الشرعية. بنغازي عاصمة اقتصادية والمؤسسة الوطنية للنفط لا توجد بها”.
وفي حين يخشى مراقبون من قيام المطالبين بالنقل بإيقاف ضخ النفط في بعض الحقول كورقة ضغط خاصة بعد ورود عدة تهديدات، يقلل الغرياني من إمكانية حدوث ذلك بالقول “النفط ليس ملكاً لأحد إنه ملك كل الليبيين ونحن لا نطالب بنقل المؤسسة اليوم أو غداً، إذا توفرت النية الصادقة من المؤتمر والحكومة بهذا الخصوص ولو كان بعد سنتين أو ثلاث”.
لكنه يستدرك “عندما تغلق في وجهنا الطرق، سنلجأ لهذا الحل. كما أننا لا نقود الشارع بل الشارع من يقود”.
جملة الغرياني الأخيرة هي أخر ما تتمنى سماعه حكومة زيدان، التي ما أن تغلق ملفاً أو تتركه موارباً، حتى يُفتح في وجهها أخر ضمن رزمة ملفات خلفها القذافي ولم تتمكن الحكومة السابقة من وضع حلول جذرية لها.