عادت قضية تجارة الأعضاء البشرية إلى واجهة الاهتمام منذ مطلع العام الجاري بعد إلقاء القبض على عصابة في مدينة الاسكندرية تقوم بسرقة الأعضاء البشرية من المواطنين عقب تخديرهم في أحد العقارات السكنية بمنطقة ميامي شرق المحافظة.

شبكة للإتجار في الأعضاء البشرية

عادت قضية تجارة الأعضاء البشرية إلى واجهة الاهتمام منذ مطلع العام الجاري بعد إلقاء القبض على عصابة في مدينة الاسكندرية تقوم بسرقة الأعضاء البشرية من المواطنين عقب تخديرهم في أحد العقارات السكنية بمنطقة ميامي شرق المحافظة.

شبكة للإتجار في الأعضاء البشرية

مرتكب الواقعة هو عامل، 25 عاما، كان يستغل شقته لكي يستدرج إليها ضحاياه، فيقوم بتخدير المجني عليهم من المواطنين واستقطابهم وإجبارهم على التوقيع على إيصالات أمانة وشيكات ثم يقوم بمساومتهم على تلك الإيصالات مقابل بيع أعضائهم البشرية من “الكلى”، وفقا لتحقيقات النيابة.

المتهم أوقع نحو 15 ضحية سرقت منهم “كليتهم” على مدار ثلاثة أشهر فقط، وكان معظم الضحايا من أبناء المحافظة وجميعهم فقراء، تراوحت أعمارهم ما بين العشرين والثلاثين سنة، كانوا يبحثون عن عمل وسقطوا ضحية المتهم الذي أوهمهم بقدرته على توفير فرص عمل مناسبة لهم. 

ويوضح اللواء ناصر العبد مدير المباحث الجنائية في الاسكندرية، أن تلك العمليات تتم داخل مستشفى السلامة في القاهرة ومستشفى بيت الفضل في المقطم، وفقا لاعترافات المتهمين، مؤكداً أن المتهم أيضاً كان ضحية سابقة لذات المستشفيات التي يورد لهم المجني عليهم وقد باع “كليته” مسبقا ثم احترف هذا العمل، وتعد هذه القضية ثاني قضية إتجار في الأعضاء البشرية خلال خمس سنوات تحدث في الإسكندرية.

تجارة الأعضاء منتشرة رغم الحظر

الوضع القانوني لتجارة الأعضاء في مصر ينظمه القانون الحالي الصادر عام 2010، وينص على إباحة التبرع بالأعضاء من الأموات إلى الأحياء، مع منع الإتجار بالأعضاء البشرية منعا باتا، ومن تثبت عليه هذه التهمة يتعرض لعقوبة تصل إلى السجن المؤبد وغرامة 300 ألف جنيه (44 ألف دولار أمريكي). لكن القانون يبيح التبرع بالأعضاء، على أن يكون المتبرع قريبا من الدرجة الرابعة للمريض، أو غير ذلك إذا اقتضت الضرورة، وهو ما يعد الباب الخلفي لتجارة الأعضاء.

الدكتور محمد بشر، أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق جامعه الإسكندرية، يقول إن هذا القانون قد تمت مراجعته في الدورة الماضية للبرلمان بعد الثورة، وشُددت فيه العقوبات، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ بعد، ومن المنتظر أن يدخل حيز التنفيذ في يونيو القادم.

ورغم غياب أرقام رسمية حول تجارة الأعضاء في مصر، فإن بعض التقارير الإعلامية الحديثة، التي لم يتسن تأكيدها من مصدر موثوق، ذكرت أن مصر من المراكز المهمة لتجارة الأعضاء في العالم، مشيرة إلى أنه يتم إجراء حوالي ألف وخمسمائة عملية زرع أعضاء غير قانونية سنوياً، وتأتي معظم الأعضاء الحية من الأشخاص المعدمين الذين يبيعون أجزاءً من أجسادهم لسداد الديون أو لكسب لقمة العيش والهرب من البطالة والفقر والجوع.

الفقراء أول المتبرعين بلحمهم

“الفقراء والغلابة هم أول المتبرعين بلحمهم بسبب الاحتياج والفقر وقلة الحيلة وعدم وجود مصدر رزق لهم فيكون باب الأمل أمامهم والطريق السهل هو التبرع بأعضائهم البشرية من أجل قوت اليوم وقوت الغد”، بهذه الكلمات بدأ الدكتور معتز علوي، أستاذ الكلي والجراحة العامة في المستشفى الجامعي في الإسكندرية.

ويقول علوي إن أكثر الفئات المصرية إقبالا على التبرع بأعضائهم هم الفقراء من الشباب الذي لا تتعدى أعمارهم الأربعين عاما، مؤكدا أن بيع الأعضاء انتشر في الفترة الأخيرة بشكل كبير وأصبحت مصر تتصدر عمليات الإتجار بالأعضاء البشرية “بشكل مخيف ولافت للنظر”، بالاستناد إلى التقارير الدولية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.

ويوضح علوي أن حالات تبرع المصريين بأعضائهم بعد الموت قليلة جدا بل معدومة حتى هذا الوقت، مؤكدا أن عمليات الإتجار بالأعضاء البشرية تتم بكثرة فقط في “الكلى” وقليل جدا “فص القلب”.

البحث عن العمل أفقده جزءا من جسده

“محمود م.” شاب يبلغ من العمر 19 عاما هو أحد ضحايا التنظيم العصابي الذي ألقت القبض عليه شرطة الإسكندرية. محمود جاء من محافظة الجيزة في القاهرة إلى منطقة ميامي في محافظة الإسكندرية بحثا عن عمل شريف في مجال المعمار والبناء لكن حظه العسر أوقعه فريسة في يد سمسار الأعضاء البشرية، وسُرقت كليته إثر التخدير. 

يسرد محمود، مأساته قائلاً، “حاول المتهم عدة مرات، إقناعي بالتبرع بـ”الكلية” مقابل مبلغ مادي يصل إلى ٤٠ ألف جنيه، وذلك في مستشفى بيت الفضل في المقطم، ولظروفي السيئة اضطررت للموافقة”، مؤكدا أنه يعمل علي باب الله حسب رزقه أي أنه يعمل في مجال البناء ويوم يعمل وأخر لا يعمل.

ويضيف محمود أن المتهم تعرف عليه من قرابة شهرين واستدرجه إلى شقته ثم اتفق معه على السفر إلى القاهرة الى مستشفى بيت الفضل بالمقطم، وهناك دخل طبيب ووقع الكشف الطبي عليه وأدخلوه حجرة العمليات ومعه طبيب آخر وأعطاه حقنه المخدر ثم غاب عن الوعي، مؤكدا أنه في صباح اليوم التالي فوجئ بطاقم التمريض يطردونه من المستشفى ولم يحصل على مليم واحد.

ويشير محمود، إلى أنه فقد كليته اليمنى وأصبحت صحته هزيلة لا يقوى على العمل في المعمار كما كان يعمل، ولم يحصل على أي أموال من قبل تلك العصابة، مؤكدا أن القانون يقف عاجزا أمام تلك القضايا وحتى الآن القضية برمتها قيد التحقيقات، خاتما حديثه بجملة “حسبنا الله ونعم الوكيل”.

الاتصال بالمستشفيات المتهمة بإجراء عمليات نقل الأعضاء دون غطاء قانوني باء بالفشل. فقد حاولنا الاتصال بمستشفى بيت الفضل في المقطم والمتهمة بسرقة الأعضاء البشرية للمجني عليهم، ولكن المسؤولين فيها رفضوا التعليق أو الرد على أسئلتنا.

وإلى أن يتم تفعيل القانون الجديد الذي يفرض أيضا قيودا على الهيئات الصحية بخصوص التبرع بالأعضاء ليس من الممكن الحد من هذه الظاهرة بحسب الخبراء الذين التقاهم موقع “مراسلون”.