تنوعت مشاركات القوى المجتمعية والفصائل السياسية في ثورة الخامس والعشرين من يناير وما تبعها من أحداث سياسية وتعددت وسائل وسبل التعبير عن الرأي في كافة ميادين الثورة من تظاهرات واعتصامات فئوية ومليونيات القوى الثورية والإسلامية. وقد أفرزت هذه التظاهرات ظواهر جديدة وهي انتشار الباعة الجائلين في كافة ميادين الثورة المصرية أثناء الفاعليات سواء المؤيدة أو المعارضة للنظام الجديد.

تنوعت مشاركات القوى المجتمعية والفصائل السياسية في ثورة الخامس والعشرين من يناير وما تبعها من أحداث سياسية وتعددت وسائل وسبل التعبير عن الرأي في كافة ميادين الثورة من تظاهرات واعتصامات فئوية ومليونيات القوى الثورية والإسلامية. وقد أفرزت هذه التظاهرات ظواهر جديدة وهي انتشار الباعة الجائلين في كافة ميادين الثورة المصرية أثناء الفاعليات سواء المؤيدة أو المعارضة للنظام الجديد.

الباعة الجائلين يقفون في مرمى سهام الجميع. البعض يتهمهم بالبلطجة، والبعض الآخر يتهمهم بالعمالة للأجهزة الأمنية. “مراسلون” التقت أحد هؤلاء الباعة، والموجود في كل الفعاليات الاحتجاجية في ميدان الثورة وسط مدينة دمياط(200 كلم شمال القاهرة) لتسليط الضوء على هذه الظاهرة الجديدة ومعرفة أسبابها وتوابعها وما يوجه لهذه الفئة من اتهامات.

بائع جائل هربا من أصحاب العمل

محمد احمد عبدالرحمن 38 سنة من عزية البرج بمدينة دمياط حاصل علي دبلوم صناعة، وأب لثلاثة أطفال ويعمل في بيع الخبز والصميت وغيره من المخبوزات المصرية على عربة من الصاج تدفعها دراجه هوائية (عجلة) هي كل رأس ماله في الحياة.

في البداية أكد محمد أنه تنقل بين مهن مختلفة بعد حصوله على دبلوم صناعة عام 92، وحاول كثيرا الحصول على وظيفة حكومية، إلا أن الحظ لم يحالفه طوال السنوات الماضية، لذلك امتهن بمهنة البائع الجائل منذ حوالي 10 سنوات بعد أن تزوج وأصبح لديه ثلاثة أولاد أكبرهم في الصف الثاني الابتدائي. مضيفا أنه لجأ إلى هذه المهنة للهرب من تحكم أصحاب العمل والرواتب الضئيلة جدا وساعات العمل الكبيرة التي تصل أحيانا إلى 16 ساعة.

وواصل محمد “في البداية كانت عربة الخبز والمعجنات الشرقية تكفيني وتكفي احتياجات منزلي بصعوبة، وزادت هذه الصعوبة وتضاءل الدخل كثيرا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وكأن الناس أصبحوا لا يأكلون. فبعد أن كنت أنهي ما معي من خبز وأقوم بجلب خبز جديد 3 مرات يوميا الآن أصبحت لا أبيع كل ما معي وهبط الدخل إلى الثلث تقريبا”.

الأولاد يكبرون مع الأيام والطلبات تزيد والدخل في هبوط مستمر. لذلك يشكو محمد من أنظمة الحكم سواء الساقط في الثورة أو الموجود حاليا، وطريقة تفكيرها في معدومي الدخل أو معاناتهم، ويقول “نحن بلا علاج أو تعليم أو مسكن كريم أو مصدر دخل مناسب، وكل من حكمونا لا نأخذ منهم سوى وعود براقة دون تنفيذ على الأرض”.

مشاركة في الثورة للبحث عن حياة آدمية

محمد يرى أن ثورة الخامس والعشرين من يناير قامت من أجله، ومن أجل كل بسطاء مصر الذين لا يجدون قوت يومهم، لأنها قامت تحت شعارات عيش حرية عدالة اجتماعية، كرامة انسانية. لكن الوضع، وبعد عامين من الثورة، لم يتغير شيء ولم يتحقق أيا من أهدافها حسب ما يرى محمد، بل على العكس، فالأوضاع تزيد بؤسا والفقراء يزدادون فقرا ومعاناة دون أن يهتم بهم أحد. ويتابع محمد قائلا “ولهذا فأنا ومنذ اليوم الأول للثورة أجيء إلى ميدان الثورة بدمياط للمشاركة في فاعلياتها وأقف مع الشباب يدا بيد من أجل تحقيق أهدافها مهما كانت التضحيات”.

وواصل محمد قائلا إنه لا يريد أي شيئ لنفسه، بل يريد المستقبل لأولاده ويخاف عليهم من القادم، “فكل الأحلام  التي رأينها وكأنها واقع في ثورة الخامس والعشرين من يناير انهارت ولم يبق سوى مجرد ذكريات، وأخاف أن تُنسى وأن يأخذنا النظام الحاكم الجديد الآن إلى معارك جانبية، وأن يظل الساسة ورموز العمل الوطن ومن يسمون بالنخبة في علبهم الزجاجية اللامعة التي تسمى التلفزيون وأن يتركوا الثورة والشعب ويكتفوا بالتنظير”.

اتهامات غير مبررة

حضور محمد إلى ميدان الثورة يحقق إذن هدفين، المشاركة في الفعاليات السياسية إضافة إلى تحقيق مبيعات لا بأس لها من الخبز ببيعه إلى المشاركين في التظاهرات والاعتصامات. لكن حياة البائع الجائل ليست سهلة، فهو يتعرض كثيرا لمضايقات ويطرد أحيانا من الميدان إذا حدثت مشاجرات كبيرة. ويروي محمد أنه تعرض لمضايقات من بعض التيارات الدينية الذين يوجهون اتهامات بلا أي دليل للمشاركين في الفاعليات بأنهم بلطجية وبخاصة الباعة الجائلين. ويقول :ليس لنا ذنب في أننا نبحث عن لقمة شريفة ونتحمل المضايقات وعوامل الجو السيئة سواء في الحرارة المرتفعة في الصيف أو البرد والمطر في الشتاء، فنحن نعمل في أي ظرف من أجل لقمة عيش حلال، ولو أننا بلطجية لما وقفنا وتحركنا في الشوارع من أجل لقمة العيش فالبلطجية لهم وسائل أخرى للكسب”.

أحلام مؤجلة

وأنهى محمد كلامه بأنه يتمنى أن يعي النظام الحاكم الدرس وأن يفكر قليلا في معدومي الدخل في هذا البلد والذين يعتبرون بمقايس الفقر (منكوبي حرب)، ويقول “ليس لدينا مصادر دخل ولا تأمين صحي ولا معاشات ولا أي شيء في هذه الحياة سوى الحلم بأن نعيش حياة كريمة، وسأظل أحلم أنا وكل من هم في ظروفي والذين يزيد عددهم عن 40 مليون مصري بتحقيق أهداف الثورة وسأظل أهتف (عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة انسانية) وأن أرى أولادي لهم كرامة وحقوق في بلدهم”.