يشهد الطريق الصحراوي الرابط بين منطقة الجغبوب أقصى الجنوب الشرقي وواحة سيوه المصرية المتصلة بالصحراء الليبية تزايداً مستمراً في حركة التهريب التي لم تقتصر على البضائع، بل تعدتها للسلاح الثقيل والخفيف وكل ما تطاله أيدي المهربين من خمور ومواد مخدرة ومهاجرين غير شرعيين.
وبحسب شهادات سكان المنطقة تخرج سيارات الدفع الرباعي من وسط الجغبوب، أو من خلف تلالها، وتعبر إلى سيوه المصرية محملة بكل أنواع السلاح، لتعود ذات السيارات وقد بادلت حمولتها بالخمور والمهاجرين غير الشرعيين.
يشهد الطريق الصحراوي الرابط بين منطقة الجغبوب أقصى الجنوب الشرقي وواحة سيوه المصرية المتصلة بالصحراء الليبية تزايداً مستمراً في حركة التهريب التي لم تقتصر على البضائع، بل تعدتها للسلاح الثقيل والخفيف وكل ما تطاله أيدي المهربين من خمور ومواد مخدرة ومهاجرين غير شرعيين.
وبحسب شهادات سكان المنطقة تخرج سيارات الدفع الرباعي من وسط الجغبوب، أو من خلف تلالها، وتعبر إلى سيوه المصرية محملة بكل أنواع السلاح، لتعود ذات السيارات وقد بادلت حمولتها بالخمور والمهاجرين غير الشرعيين.
حركة التهريب بين بلدي “الربيع العربي” تسببت بالكثير من الفوضى بحسب الاهالي، خصوصا وأن قوى الأمن في كلا البلدين عاجزة عن السيطرة الحدود المترامية الأطراف في غرب الصحراء الكبرى.
لقاء خاص
“مراسلون” زار منطقة الجغبوب الحدودية، والتي لا يتعدى عدد سكانها الثلاثة آلاف نسمة حسب إحصائيات الدولة الليبية قبل الثورة، والتقت رئيس اللجنة الأمنية العليا (دائرة الجغبوب) علي هاشم الزوي.
الزوي أبدى استياءه مما آلت اليه واحة الجغبوب “الهادئة” بحسب وصفه، والتي اشتهر أهلها بشدة تدينهم وورعهم، حيث كانت لعقود مضت مقصداً لطلبة العلم وحفظة القرآن الكريم عندما كانت من أهم مراكز الدعوة السنوسية.
ويقول الزوي إن حركة التهريب شهدت زخماً غير مسبوق في الأشهر الأولى لمقتل القذافي وسقوط النظام، حيث أُخرجت كميات كبيرة من الأسلحة الليبية عبر الجغبوب قادمة من طبرق واجدابيا وجالو. ويؤكد أن تلك الأسلحة كانت تخزن في بعض الأحيان لفترات في الجغبوب قبل نقلها لواحة سيوه المصرية، التي لا تبعد أكثر من مائة كيلو متر.
أبعد من مصر
تتعدد أنواع الأسلحة التي يتم تهريبها بحسب المسؤول الأمني، حيث تتنوع من بندقية الكلاشنكوف والأف إن FN))، إلى الآربي جي (RBG)، والصواريخ الحرارية، وصواريخ سام 6.
ويقول الزوي إن هذه الأسلحة تدخل مصر عن طريق سيوه عبر الصحراء، “ولا نعلم ما إذا كانت تصل لأماكن أخرى، ولكن من المؤكد بحسب المهربين أن الأسلحة الخفيفة تجد رواجاً كبيراً في مناطق الصعيد وبين البدو سكان الصحراء الغربية في مصر”.
ويتابع “أما الأسلحة الثقيلة فيروج أنها تصل أبعد من ذلك، فبحسب اعترافات بعض المهربين الذين تم القبض عليهم والتحقيق معهم في طبرق، إن الصواريخ الحرارية مثلاً كانت تصل لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ولكن لا معلومات مؤكدة لدينا بالخصوص”.
بحسب الزوي لا يوجد تجار أسلحة حقيقيون في الجغبوب، ولكن يوجد وسطاء، والأسلحة في الغالب لاتدخل المنطقة مباشرة بل تتم عمليات المبادلة على بعد عدة كيلومترات خلف تلال منطقة الجغبوب.
فرق في القوى
في مواجهة هذه الظروف الخطيرة يشتكي الزوي وباقي منتسبي اللجنة الأمنية اللذين التقيناهم في مقر عملهم بالجغبوب من ضعف الإمكانيات، حيث يحصر رئيس اللجنة الإمكانيات المتوفرة لديه بـ “52 جندي غير مدرب، وأقل من 10 قطع أسلحة، وثلاث سيارات فقط”، ويتساءل “كيف يمكننا التصدي لمهربين دوليين لا يتعاملون معنا سوى بالأسلحة الثقيلة بهذه الإمكانيات؟”.
ويروي الزوي أحداث مواجهات سابقة حدثت بين أفراد اللجنة العاملين تحت إمرته وجماعات من المهربين، كان فيها النصر حليف المهربين بسبب الفرق في ميزان القوى، ويُقر بأنه كف عن إصدار أي أوامر بملاحقتهم.
ويبرر ذلك بأنه لا يرغب بتحمل مسؤولية المخاطرة “والزج بشباب غير مدرب يفتقد للخبرة والإمكانيات في معارك خاسرة لا تستطيع الجغبوب خوضها بمفردها خاصة في هذه الظروف”.
كيل بمكيالين
ناشدت اللجنة الأمنية التي يرأسها الزوي الإدارة التي يتبعونها في مدينة طبرق، إلا أن تلك المناشدات بحسب قوله كانت تلاقي “اللامبالاة والتسويف والتأجيل حيث لم يسبق لرئيس اللجنة الأمنية العليا لمدينة طبرق أن قام بزيارة واحدة للجغبوب، التي تعد بؤرة فساد وتهريب علني للأسلحة والخمور والبشر” يقول الزوي.
لا تفوت الزوي في حديثه أيضاً الإشارة إلى الفرق في التعامل مع منفذ منطقة امساعد الحدودية مع مصر ومنفذ الجغبوب، وهذا التفريق في رأيه تمارسه الحكومة كما تمارسه وسائل الإعلام المختلفة.
وذلك على الرغم من أن كميات ونوعيات المواد التي تهرب عبر الجغبوب تفوق بمراحل ما يحدث من تجاوزات على معبر امساعد، الذي تؤمنه اثنتان من أقوى الكتائب في المنطقة الشرقية هما (درع طبرق – كتيبة علي حسن الجابر)، وفي الجهة المقابلة حرس الحدود المصري في السلوم.
قبيلة مهربين
بعد جولتنا في واحة الجغبوب عدنا إلى مدينة طبرق وتوجهنا إلى مقر اللجنة الأمنية العليا في المدينة، حيث كان في استقبالنا مدير مكتب رئيس اللجنة الأمنية العليا ملازم أول نورالدين الصويدق.
يقول الملازم الشاب أن نشاط التهريب في منطقة الجغبوب كان مقتصراً على أفراد قبيلة بعينها – لم يشأ الملازم ذكر اسم القبيلة إلا أن “مراسلون” تحقق من سكان المنطقة الذين أكدوا أنها قبيلة الشهيبي –، وهي قبيلة تقطن المنطقة ولها امتداد كبير في مصر وتحديداً في واحة سيوه، وبدأت نشاطها في عهد القذافي بتهريب السجائر بأنواعها.
إلا أن نشاط هذه القبيلة بحسب الصويدق تطور كثيراً وأصبح لديها مستودعات تحتفظ فيها بالمهاجرين كمركز انطلاق، وذلك في منطقة تقع في الصحراء بين طبرق والجغبوب (هي منطقة الشعبة بحسب ما تم تأكيده لـ “مراسلون”)، بالإضافة لمناطق الوتر وبئر الأشهب في ضواحي طبرق.
افتكاك بالقوة
نفس الشكوى من قلة الإمكانيات التي سمعها “مراسلون” من أفراد اللجنة الأمنية بالجغبوب تكررت هنا في طبرق، بل إن الوضع أشد خطورة بحسب الصويدق الذي يؤكد أنه “حتى الخمور والمخدرات التي يتم ضبطها في الجغبوب بمجرد تحويلها إلى طبرق تُداهم في الطريق الصحراوي من قبل المهربين وتؤخذ بقوة السلاح، قلة الامكانيات لم تمكنا من مداهمة هذه المناطق فقد سبق وأن اشتبكنا مع مسلحين عند مطاردتنا سيارة تحمل مهاجرين لمنطقة الوتر”.
يقول الصويدق أنه بعد إحكام السيطرة على منفذ امساعد البري والقضاء على التهريب بنسبة تصل إلى 80%، انتقل كل مهربي طبرق إلى منطقة الجغبوب فصارت المنفذ الوحيد والحيوي للمهربين، الذين أصبحوا يهربون الأسلحة وخاصة الخفيفة، على متن سيارات تعود من الأراضي المصرية محملة بالخمور والمسكرات والمهاجرين غير الشرعيين.
يدافع الملازم عن نفسه وزملاءه بالقول إن الأسلحة التي يقاومون بها كل تلك العصابات المنظمة هي أسلحة شخصية يشترون ذخيرتها على نفقتهم الخاصة، حيث لا يوجد دعم ولا ميزانيات كافية تصرف لهم من الحكومة أوالمجلس المحلي بطبرق.
هجرة غير شرعية
وبرغم ذلك يقول الصويدق تمكنت إدارة طبرق من ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات والخمور والمسكرات وحبوب الهلوسة، وشكلت عدة لجان دوريات لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
استطاعت هذه اللجان بحسب الملازم منذ تشكيلها ضبط أكثر من 15000 مهاجر غير شرعي، أغلبهم مصريون ومنهم سودانيون وفلسطينيون و جنسيات أفريقية مختلفة، ويؤكد أن تهريب المهاجرين لم يقتصر على المهربين الليبيين، حيث قبضت لجان المكافحة أكثر من مرة على مهربين مصريين بسيارات مصرية.
حلول الحكومة
يعتقد الصويدق أن الحل الأمثل لهذا الوضع هو في التسريع بعملية ضم اللجنة الأمنية العليا لوزارة الداخلية وتوفير الإمكانيات والعتاد، “لخلق أجهزة أمنية قوية قادرة على حماية البلاد مما يعصف بها من مخاطر” على حد تعبيره.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت في وقت سابق عن بدء حل اللجنة الأمنية العليا التي تضم كتائب الثوار، ودمج جميع عناصرها بأجهزة الشرطة التابعة لها، الأمر الذي أكده الصويدق موضحاً في الوقت نفسه أنه يتطلب وقتاً قدره بستة أشهر على الأقل.
يؤكد مراقبون – وهو ما يتفق معه الزوي – أن حركة التهريب بدأت تشهد انخفاضاً مستمراً بعد أن أعطت حكومة علي زيدان (في كانون الثاني/ ديسمبر العام الماضي) الضوء الأخضر لسلاح الجو الليبي بشن غارات جوية وقصف قوافل تهريب الأسلحة الثقيلة والمخدرات في حال دخولها الأراضي الليبية.
وفي انتظار أن تؤتي قرارات الحكومة الحالية على طريق استعادة الأمن وضبط الحدود نتائجها المرجوة منها، يبقى أفراد اللجنة الأمنية العليا في مناطق التوتر والتماس عُرضة لكل المخاطر التي يتطلبها الدفاع عن حدود البلاد وسيادتها، في مواجهة عصابات المهربين والتجار ومن يساندهم داخل أجهزة السلطة نفسها.