مع اقتراب الذكرى الثانية لثورة السابع عشر من فبراير، وفي خضم استعدادات الحكومة لتأمين الاحتفالات بهذه المناسبة، تتعالى أصوات منادية بالتظاهر لـ “تصحيح مسار الثورة”، نداءات شابها الكثير من الغموض والخلط وتضارب الأهداف.
لا تُعرف جهة بعينها تدعم هذا الحراك الذي سينطلق يوم 15 فبراير وتعبر عن مطالبه، بل هي مواقف من مجموعات غير منظمة ومستقلين يشكلون طيفاً واسعاً ومتنوعاً من الشعب الليبي.
مع اقتراب الذكرى الثانية لثورة السابع عشر من فبراير، وفي خضم استعدادات الحكومة لتأمين الاحتفالات بهذه المناسبة، تتعالى أصوات منادية بالتظاهر لـ “تصحيح مسار الثورة”، نداءات شابها الكثير من الغموض والخلط وتضارب الأهداف.
لا تُعرف جهة بعينها تدعم هذا الحراك الذي سينطلق يوم 15 فبراير وتعبر عن مطالبه، بل هي مواقف من مجموعات غير منظمة ومستقلين يشكلون طيفاً واسعاً ومتنوعاً من الشعب الليبي.
بعض هذه الدعوات تقف عند حد تصحيح أداء المؤتمر الوطني العام والحكومة، وبعضها يطالب بتطبيق النظام الفيدرالي – وهذه بالذات قد تكون مدعومة بقوة عسكرية تتمثل في المجلس العسكري لإقليم برقة بقيادة العميد حامد الحاسي –، أما الأكثر تشدداً فتطالب بالإطاحة بهما معاً.
للحديث عن هذا الموضوع وغيره، التقى “مراسلون” المحامي جمعة عتيقة النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العام، ابن مصراتة وممثلها، والسجين السياسي السابق الناجي من مذبحة سجن أبو سليم الشهيرة عام 1996.
عتيقة الذي كان له موقف مسبق من أداء المؤتمر الوطني العام، عبَّر عنه في مذكرة حولها إلى رئيس المؤتمر وتسربت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقد فيها أداء رئيس المؤتمر محمد المقريف واتهمه بالتفرد بالصلاحيات، وطالب بتصحيح مسار المؤتمر، خص موقع “مراسلون” بالحوار التالي:
مراسلون: هل تعتبر نفسك مسؤولاً ولو بشكل غير مباشر عن ظهور الدعوات لثورة “تصحيح المسار” وهو التعبير الذي تستخدمه مؤخراً في تصريحاتك؟
عتيقة: لا.. أنا لا علم لي بمجموعات أو أسماء محددة تطالب بهذا الحراك. هناك مجموعة نداءات والمطالب تختلف فيما بينها، هناك من يقف عند حد تقديم مطالبه للمؤتمر كمقترحات وهناك من يطالب حتى بالإطاحة بالمؤتمر، لكن هناك مؤشر واحد واضح في جميع النقاشات الدائرة حول الموضوع وهو وجود حالة من الاستياء من أداء المؤتمر ومن الأحوال العامة ومما أنجز بعد الثورة.
طبعاً هذه الحالة إذا أخضعناها للتقييم الموضوعي فسببها هو الفكر الرغبوي السائد، وعدم فهم الناس لطبيعة المرحلة الانتقالية، ومحاولاتهم لاختصار الزمن وهو أمر مستحيل، لا بد أن تاخذ التجربة مداها في الزمن.
وهذا لا يعني عدم السماح بالنقد والتصحيح، بالعكس كلما صححنا كلما أسرعنا في الزمن ولكن دون الغائه، ودون توقع المعجزات، فنحن لا زلنا في بداية مرحلة صعبة، تواجهنا فيها الكثير من التحديات. وهو أمر في رأيي من حيث سياقاته العامة طبيعي، فهذه ثورة وتحول كامل، وما تحقق في سنة ونصف من بعد التحرير لا أحد كان يتوقعه، بالذات في غياب التجربة والمؤسسات والحد الأدنى من التكوين في الدولة، فضلاً عما لحق بالبلاد من دمار في مرحلة التحرير.
س– هل أنت متخوف من نتائج يوم 15 فبراير؟
ج- أنا لست متخوفاً على الإطلاق من هذا اليوم، وهؤلاء الذين يقولون سنقوم بثورة جديدة.. ضد من هذه الثورة؟ إن كانت هناك أخطاء في الممارسة، أو قصورٌ في التجربة لدى المؤتمر الوطني والحكومة نتجت عنه بعض الاستعصاءات، فهذا أمر لا يستحق أن تقوم لأجله ثورة وتطالب بالإطاحة بالشرعية.. الأسهل أن يتم إيجاد البديل الشرعي الذي يلبي مطالب الناس، وأعضاء المؤتمر ليسوا متحصنين في باب العزيزية، الهجوم على المؤتمر واقتحام جلساته هو حالة غير جديدة وتحدث كل يوم.
الإطاحة بالشرعية دون وجود شرعية بديلة جريمة ضد إرادة الناس مهما كان مجموع الذين يدًّعون أنهم يقودون هذا الحراك، ولا بد من العودة إلى الناس وإلى رأيهم، وإيجاد قنوات ديمقراطية شرعية لتكون بديلاً عن الشرعية التي يطالبون بإسقاطها، أما الإطاحة بها فقط ونقف عند هذه الخطوة فهذه جريمة وخيانة وطنية كبيرة.
س– ما موقفك من مطالب المتظاهرين وكيف ترى الطريقة لتلبيتها خاصة وأن المحاولات تكررت وأخذت وقتاً طويلاً دون وجود استجابة حقيقية من الجهات المسؤولة؟
ج- المطالب كثيرة.. والديمقراطية تفتح الباب أمام الناس لتقديم مطالباتهم، بعضها منطقي وبعضها أحياناً يكون غير منطقي، وبعضها مشروع وبعضها غير مشروع، هكذا الأفق مفتوح لكل المطالبات، ولكن كيفية تنفيذها على الأرض هو أمر يحتاج إلى معالجات منطقية وتشريعية.
أنا أختلف معك حقيقة في مسألة قياسات الزمن، وأعتقد أن الناس مستعجلة جداً، ولحد الآن للأسف لم يستشعر المواطنون واجباتهم وهم يطالبون بحقوقهم فقط، في الوقت الذي يجب أن يكونوا عاملاً إيجابياً في بناء الدولة.
المواطن يقوم بواجبه عندما يحترم إشارات المرور ولا يتعدى على غيره أو يستبيح أمواله، ولا يستبيح المباني العامة المملوكة للدولة أو يقبل بتقاضي مرتبه بدون عمل، لا يجوز لمن يتصرف هكذا أن يدعي بأنه ثائر أو مصلح ويطالب بتنفيذ رغباته فوراً.
للأسف هذه نتيجة ثقافة الاتكال التي زرعها النظام السابق، حيث كان جميع الناس يعتمدون على الدولة أن تعطيهم بلا مقابل، وكان النظام السابق يعطيهم الفتات ويقمعهم، لأنه لم يكن يهمه بناء الدولة ولم يؤسس أي شيء، إلا هذه الذهنية التي لازالت سائدة للأسف.
س– في جلسة المؤتمر الوطني العام التي تم فيها تمرير قانون الحكم المحلي كانت هناك تسريبات أن رئيس الوزراء علي زيدان هدد المؤتمر باللجوء إلى الشارع في حال لم يتم إقرار تعديل القانون الذي طرحته حكومته، كيف تعلق على هذا الموقف؟
ج- أنا في الحقيقة لا أوافق على مثل هذه المواقف، فاللجوء إلى الشارع سيخلق دكتاتورية جديدة اسمها دكتاتورية الشارع.
هو عرض الموضوع على المؤتمر باعتباره جهة اختصاص، ونحن تدارسنا الطرح ورأينا أن إقراره سوف يخلق مشاكل، لأن عمدة البلدية إذا كان معيناً لن يتمكن من فرض وجوده على مجلس البلدية الذي يعمل معه، لأن المجلس سيكون منتخبا بحسب اقتراح حكومة زيدان.
مع احترامنا لهذا الرأي إلا أنه قد يخلق إرباكات، ومع احترامنا لأخونا علي زيدان لا بد من التروي في فهم الواقع الليبي.
س– باعتبارك سجيناً سياسياً سابقاً هل أنت راضٍ وضع السجون في ليبيا اليوم؟
ج- وضع السجون في ليبيا سيء جداً.. بعد حرب التحرير دخلنا في وضعية غير طبيعية، فالكثير من السجناء تم القبض عليهم في بعض المناطق في أثناء المواجهات، وتم وضعهم في أماكن لا تتوافر فيها الشروط أو المعايير الصحيحة للسجون التي تحترم حقوق الإنسان.
أيضا حجم الجرائم التي ارتكبها النظام السابق، جعلت ردود الأفعال حيالها حادة جداً، تصل أحيانا إلى حد التشفي، وهذه خلقت الكثير من الخروقات والتجاوزات التي هي محل انتقاد، سواء منا نحن كنشطاء حقوقيين، أو من قبل المنظمات الدولية، ونحن ندفع الآن بقوة لأن يتم تصحيح هذا الوضع لأنه خطير جداً.
س– ماذا عن موضوع تاورغاء باعتبارك ابن مصراتة، إلى أين هذا التعنت في رفض عودة الناس إلى بيوتهم؟
ج- القضية مرتبطة بمدى نجاحنا في تطبيق قواعد العدالة الانتقالية، والآن هناك قانون في المؤتمر جاهز لكي يصدر اسمه “قانون العدالة الانتقالية”، لم يعطل صدوره سوى اقتحام قاعة المؤتمر من قبل الجرحى ومبتوري الأطراف الذي يعتصمون في القاعة ويحتلونها حتى اللحظة، ويربكون جدول الأعمال والجلسات.
القانون المزمع إصداره سينظم كل هذه المسائل في تاورغاء وغير تاورغاء، فيه نصوص تنظم مسائل العدالة والمسائلة وجبر الضرر وصولاً إلى المصالحة الوطنية، لأنه لا يمكن القفز على هذه الخطوات، وأي محاولات للمصالحة دون المرور بهذه المنظومة المتكاملة لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع وربما انتقامات جديدة.
تاورغا لهم الحق في أن يعودوا لا شك في ذلك، وأي إساءة أو تمييز ضدهم هو مصادم لكل المواثيق والأخلاق، لكن لابد من عدم معالجة مشكلة بمشكلة، لا بد أن تدرس الخطوات ويقدم المذنبون للمحاكمة، ويرى الضحايا أن العدل قد تحقق في حق من انتهك عرضه أو بيته أو كرامته، لا بد من كشف الحقائق وتثبيت الجرم، وأن يعرف الليبيون جميعاً وعلناً ماذا جرى بالضبط.