ضمن مقبرة جماعية بمدينة زليتن (50 كلم غربي مصراتة)، وُجدت بقايا جثة عبد الباسط الزواوي، صحبة جثث أولاد جيرانه الذين اُختطفوا في ذات اليوم من شهر آذار/ مارس 2011، إثر هجوم لكتائب القذافي على الحي الذي يسكنون فيه، وتم التحقق من هويته بعد تعرف أهله مبدئياً عليه، من قبل معمل البصمة الوراثية.

ضمن مقبرة جماعية بمدينة زليتن (50 كلم غربي مصراتة)، وُجدت بقايا جثة عبد الباسط الزواوي، صحبة جثث أولاد جيرانه الذين اُختطفوا في ذات اليوم من شهر آذار/ مارس 2011، إثر هجوم لكتائب القذافي على الحي الذي يسكنون فيه، وتم التحقق من هويته بعد تعرف أهله مبدئياً عليه، من قبل معمل البصمة الوراثية.

فعلى الرغم من صعوبات الوصول إلى المقابر الجماعية التي خلّفتها كتائب القذافي دون أي علامات دالة، والتعرف على هُويات المدفونين فيها، فإن معمل البصمة الوراثية الذي جرى تأسيسه في شباط/ فبراير العام الماضي في طرابلس، تمكّن من تحديد هوية سبعة عشر مفقوداً، تم اكتشاف جثامينهم في مقابر متفرقة.

هذه الجهود التي تُبذل للبحث عن مفقودين لقوا حتفهم وغُيِّبت جثامينهم في أمكنة مجهولة، تتكلل من حين لآخر بالنجاح بسبب تظافر مساعي الأهالي والمجالس المحلية للمدن، في ظل غياب تام لوزارة رعاية أسر الشهداء والمفقودين التي لم تعلن حتى اليوم عن التعرف على هوية مفقود واحد.

ذهب ولم يعد

يقول عبد العزيز الحسين الزواوي (19 عاماً)، وهو شقيق عبدالباسط أن آخر مرة شاهد فيها أخاه الذي يكبره بخمس سنوات، كانت في الساعة السابعة من صبيحة يوم الأربعاء 16 آذار/ مارس 2011، حيث شنت كتائب القذافي في ذلك اليوم هجوماً على المدينة من محاورها الثلاثة، “واختطفت عشرات الشباب من بينهم عبدالباسط ورفاقه” يروي عبد العزيز.

ويضيف موضحاً أن أخاه كان يُرابط قبيل اختطافه في نقطة تفتيش على الطريق الساحلي، وذلك بغية ضبط المندسين وترقب أي تحرك قد يحدث، ويشكل خطراً على المدينة، “وكان في ذلك اليوم يرتدي بنطلوناً وقميصاً قماشيين” يستذكر عبد العزيز.

أمل عبد العزيز وأسرته لم ينقطع من عودة ابنهم الذي تأخر به الوقت ولم يعد، حيث توقعوا أن يكون عند الجيران الذين اعتاد التردد عليهم، خاصة وأن الوصول إلى بيت جيرانهم الذي لا يبعد عنهم سوى مسافة 200 متر أو الاتصال بهم كان مستحيلاً يومها، لأن إحدى كتائب القذافي كانت تتحصن في منزل مجاور!.

انقضى ذلك اليوم على العائلة ومرت بعده شهور وسنوات، حُرِّر الشارع، والمدينة أيضاً، ومن ثم البلاد بكاملها، وفشلت كل محاولات أسرة عبد الباسط في العثور على ابنها المختطف.

سمعت العائلة الكثير من الشائعات التي تحدثت عن وجود ابنها داخل أحد السجون في طرابلس، ولكن هذا الأمل الأخير تبدد أيضاً بعد تحرير طرابلس وسُجونها التي كانت تضم عشرات المختطفين، لكن عبد الباسط لم يكن واحداً منهم.

اعتراف بالدفن

إلى أن جاء يوم الأول من تشرين أول/ نوفمبر 2012 الذي أقرّ فيه أحد سكان مدينة زليطن، في شهادة أدلى بها أمام المجلس المحلي مصراتة، بأنه تم استخدامه من طرف كتائب القذافي، لدفن عشرة قتلى من شباب المدينة تم خطفهم في منتصف مارس 2011، وأكد أنه تم قتلهم جميعاً ودفنهم معاً في العشرين من ذات الشهر.

يقول عبد العزيز”مرّت الأيام ولم يفارقنا الأمل، إلى أن بلغنا خبر الكشف عن مقبرة زليطن، لقد عثرنا عليه أخيراً، عظاماً نخرة، في الملابس ذاتها التي لمحتُه يرتديها آخر مرة”.

يروي الدكتور عثمان عبدالجليل مُشرف معمل البصمة الوراثية في حديثه لـ “مراسلون”: “أخبرنا المجلس المحلي لمدينة مصراتة بوجود مقبرة جماعية في زليتن تضم عشرة جثامين، عندها أرسلنا فريقاً من المعمل، قام بأخذ عينات من الجثامين وعينات من العائلات التي شكَّت في انتماء هؤلاء القتلى إليها، وبعد تحليل نتائج العينات اكتشفنا أن ثمانية من هذه الجثت ترجع لبعض تلك العائلات”.

شقيق عبد الباسط ووالدته كانوا من ضمن الأشخاص الذين أُخذت منهم عينات اللعاب، وذلك لمقارنتها بعينات تم أخذها من عظام الجثث المكتشفة.

يقول عبد العزيز “في غضون أيام معدودة، أعلمونا بأن النتائج مطابقة، وأن شقيقي هو فعلاً من ضمن الأشخاص الذين احتوتهم المقبرة”.

أمل ضعيف

كان عبد العزيز قبل اكتشاف جثة أخيه يذهب صحبة أحد أفراد أسرته إلى كل مقبرة جماعية يسمعون بها، لعل عبد الباسط يكون في أحدها، وكانوا يعولون على التعرف عليه من ملابسه أو أي أغراض خاصة تدل عليه، لأن البلاغات التي تقدمت بها الأسرة لوزارة رعاية أسر الشهداء والمفقودين لم تفضِ إلى شيء.

وكان قد تأكد لديه أن أخاه موجود في مقبرة زليتن، بمجرد سماعه قصة الشخص الذي دفنهم والتي أكد فيها أن هؤلاء الشباب اختطفوا معاً في ذات اليوم من شهر مارس، وتم دفنهم معاً. 

يضيف “وجدنا في جيب سرواله أشياء خاصة ومميزة كانت معه، هو ما أكد لي بشكل أكبر أنه فعلا أخي، لكن ذلك لم يتأكد لنا قطعياً”، “كان لدينا أمل ضعيف بعودته” يعلق بحزن.

وزارة غائبة

يعتقد مدير معمل البصمة الوراثية الذي تأسس بعد أشهر من سقوط نظام القذافي أن “عمل المعمل لم يكن لينجح لولا تعاون المجالس المحلية والأهالي، في ظل تقاعس وزارة رعاية أسر الشهداء والمفقودين”.

فبحسب عثمان لم تكن الوزارة متعاونة معه، إذ تقتصر المعلومات الواردة إلى المعمل بشأن اكتشاف مقابر جديدة، على جهود بعض سكان المناطق الذين يباشرون بالإبلاغ عنها فور العثور عليها، “في غياب تام للوزارة” كما يصفه.

وهو ما يعكس بحسب مدير المعمل “إهمال الدولة لملف المفقودين”، مشيراً إلى أنه “يجهل أسباب ذلك”، ولكن رغم هذا الوضع يقول عثمان “يواصل المعمل استقبال البلاغات، ونشرع في العمل وعرض النتائج في أسرع وقت ممكن”.

وقت قياسي

طرائق البحث والكشف عن هويات المفقودين الذين يتم انتشال رفاتهم من مقابر جماعية عشوائية، تستدعي حزمة من الإجراءات الواجب تأمينها للخروج بنتائج مطابقة.

يقول الدكتور عثمان، أن هذه الجثث التي تم تحليل عيناتها من مقبرة زليطن تعتبر قديمة، “حيث لم نصل إليها إلا بعد حوالي سنتين، و العينات أُخذت من العظام، وطريقة استخلاص الحمض النووي في هذه الحالة تحتاج وقتاً أطول”، بحسب قوله.

ويضيف “استغرقت تحاليلنا للعينات التي أخذناها من العائلات أربعة أيام، وهو وقت قياسي”، مؤكداً على أن نتائج المعمل مشهودٌ لها بالدقة، وسبق أن خضع المعمل لتجربة اختبار بإشراف منظمات دولية وأشادت بقدراته، حسب قوله.

إلا أن عدد المفقودين الذين تم تحديد هوياتهم حتى هذه اللحظة يبقى قليلاً جداً بالمقارنة مع العدد الكلي للمفقودين في ليبيا والذي يقدر بعشرات الآلاف، وبالكشف عن مقبرة زليطن وتحديد هوية عبد الباسط وأغلب رفاقه الذين قتلوا ودفنوا معه، لم تنته رحلة البحث عن مفقودين آخرين.

فإلى جانب عدد غير قليل من الجثامين التي تم الكشف عنها ولم تحدد هوياتها بعد، ماتزال كثير من الأسر التي تمنِّي نفسها بعودة أبنائها، أو الكشف عن أماكن دفنهم جماعياً، تنتظر عون وزارة رعاية أسر الشهداء والمفقودين في عمليات البحث بشكل جدي وسريع.