في إحدى الصيدليات التي تطلّ على شارع الحرية بتونس العاصمة، تعمّدت أن أرفع صوتي وأنا أسأل الصيدلي المنهمك في شرح وصفة دواء لأحد الزبائن الذي يبدو عليه الاستعجال: “أريد علبة فياغرا”. 

قبل أن أكمل السؤال كنت أتفرّس بدقة في وجوه وملامح الزبائن الذين يعجّ بهم المكان في مساء ذلك اليوم. كانت علامات الدهشة والتحرّج تعلو محياهم، في استنكار بادي للعيان لما طلبت. المرأة البدينة التي تقف أمامي مباشرة اكتفت بتنكيس رأسها وهي تتمتم “لم يعد هناك حياء في هذا البلد!”.

في إحدى الصيدليات التي تطلّ على شارع الحرية بتونس العاصمة، تعمّدت أن أرفع صوتي وأنا أسأل الصيدلي المنهمك في شرح وصفة دواء لأحد الزبائن الذي يبدو عليه الاستعجال: “أريد علبة فياغرا”. 

قبل أن أكمل السؤال كنت أتفرّس بدقة في وجوه وملامح الزبائن الذين يعجّ بهم المكان في مساء ذلك اليوم. كانت علامات الدهشة والتحرّج تعلو محياهم، في استنكار بادي للعيان لما طلبت. المرأة البدينة التي تقف أمامي مباشرة اكتفت بتنكيس رأسها وهي تتمتم “لم يعد هناك حياء في هذا البلد!”.

أماّ الصيدلي فقد بدا كمن صعق من طلبي وهزّ رأسه بطريقة مبهمة تدلّ على عدم استساغته سؤالي الذي أحرجه على ما يبدو أمام زبائنه، ولم يجد طريقة للخروج من المأزق الذي حشرته فيه، إلّا أن قال بلهجة حادّة “لا نبيع الفياغرا”. رّد بحسم وغضب وكأنه يبعد “تهمة” بيع الفياغرا عن نفسه.

 الحلم “الأزرق” يتحقق 

في 4  أيلول/ سبتمبر 2012  أعلنت  مخابر”فايزر” العالمية للأبحاث وصناعة الأدوية، فرع تونس، عن حصولها على موافقة رسمية تخولها الشروع في توزيع وتسويق “الفياغرا” في مختلف الصيدليات التونسية، بعد أكثر من 13 سنة من انتظار ردّ الحكومة التونسية حول الملف الذي قدم بتاريخ 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 1998. 

وبالرغم من السماح ببيعه حاليا، إلا أن الكثير من التونسيين يتعاملون مع المستحضر الدوائي المقوي جنسيا، وكأنه مادة خطرة يتعاطوها بالسرّ. 

غادرنا صيدلية شارع الحرية، الذي رفض صاحبها “الاعتراف” ببيعه للفياغرا، خوفا من ردّة فعل زبائنه والذين بدا محرجا أمامهم وتوجهنا الى صيدلية أخرى توجد بالحي الأولمبي المتاخم للعاصمة.

الصيدلانية الشابة استقبلتني ببشاشة، لكن سرعان ما اعتلى ملامحها تعبير ساخر ومستغرب مشوب بابتسامة تحاول إخفاءها، وأنا أسألها بكل ثقة “أريد علبة فياغرا”.سألتني “وصفة الطبيب من فضلك.” وأضافت سريعا “أي حجم تريدين؟..”.

تعمدّت تجاهل سؤالها حول وصفة الطبيب التي لا أملكها بالطبع وسألتها وأنا أبدي استغرابي لجرّها للشرح أكثر “هل هناك أحجام مختلفة”. هزّت رأسها موافقة وهي تشرح لي قائلة “نعم هناك عبوة ذات 25 مليغرام تحتوي على 4 حبات زرقاء بسعر 18 دينار (حوالي 12 دولار أمريكي)، وعبوة ذات 50 مليغرام تحتوي على 4 حبات زرقاء بسعر 20 دينار، وعبوة ذات 100 مليغرام غرام تحتوي كذلك على 4 حبات زرقاء بسعر 24  دينار”، فأجبتها “أريد علبة صغيرة”.

ثم أضافت وأنا أحاول فتح حقيبة يدي، بحثا عن النقود وفي لهجة تعمّدت أن تكون لا مبالية  “هل هناك إقبال على هذا الدواء من التونسيين”، فأجابت مبتسمة “نعم إلى حدّ ما ..خاصّة وإن الفياغرا كدواء لم تمض عليه إلا أشهر قليلة من طرحه رسميا في الصيدليات”. 

ثم أضافت في لهجة ساخرة” الرجال هم عادة من يشترون هذا الدواء ..عموما لم تصنع بعد فياغرا للنساء”.

تجاهلت تلميحاتها، وأنا أبدي امتعاضا مفتعلا حول نسياني لحافظة النقود التي تضم أيضا الوصفة الطبية المزعومة في المنزل وذلك طبعا للتملّص من عملية الشراء دون أن أثير الشك، وغادرت الصيدلية مع وعد بالعودة في المساء لشراء عبوة الفياغرا.

رواج قياسي .. للفياغرا

 بعد جولتنا هذه حاولنا الاتصال بالمدير العام لمخابر “فايزر” العالمية فرع  تونس، لكنه كان في مهمة بالخارج، وقد أكّد لنا أحد مساعديه عندما سألناه ما اذا كانت عملية توزيع أقراص الفياغرا في تونس بعد حوالي 5 أشهر من بداية تسويقها الرسمي ناجحة فأكّد أن الفياغرا تباع بإنتظام ولا تشهد نقصا رغم الإقبال الكثيف عليها، والذي تجاوز منذ شهر أيلول/ سبتمبر الماضي ولغاية نشر هذا التحقيق استهلاك أكثر من 25 ألف حبّة فياغرا. 

وتذكر تقارير إحصائية  صادرة عن مخابر “فايزر” أنه تم  توزيع أكثر من 2.8 مليار حبة فياغرا في العالم بمعدل 6 حبات في الثانية. كما عالج أكثر من 41 مليون حالة وتم تسجيل أكثر من 311 مليون وصفة طبية باستعمال الفياغرا في العالم.

ويعتبر السواد الأعظم أن “الفياغرا” تستعمل  كمثير للشهوة الجنسية في حين يرى أطباء الصحة الجنسية أنه دواء كسائر الأدوية، لا بدّ من استشارة طبيب عند استهلاكه لأنه قد ينتج عنه اضطرابات في عمل الأعضاء الحيوية في جسم الانسان تصل حدّ السكتة القلبية.

ولم تسجّل الى اليوم أي حالة وفاة بفعل الفياغرا الناتجة عنها سكتة قلبية في تونس حسب مصدر من وزارة الصحة.

40 بالمائة من التونسيين يعانون خللا جنسيا!

وكانت الجمعية التونسية للبحوث الجنسية والخلل الجنسي دعت إلى ضرورة إدخال عقار “الفياغرا” للسوق الدوائية التونسية “بعد أن أثبتت الدراسات أن 40 بالمائة من الرجال التونسيين يعانون خللا جنسيا ويحتاجون هذا الدواء”، وذلك وفقا لتصريحات أدلى بها رئيس الجمعية د.حبيب بوجناح إلى جريدة الصباح التونسية، خاصّة.

وتشير تقارير الجمعية إلى أن بعض الرجال لجأ في السابق الى الفياغرا المقلّدة والمهربة، علما أن الفياغرا من أكثر الأدوية المقلدة في العالم إذ تحتوي الحبات المزيفة على أصول فعالة مزيفة مجهولة المنشأ قد تتسبب في انفعالات حساسية أو مضاعفات خطيرة قد تكون مهلكة.

ولئن تباينت مواقف التونسيين تجاه “الحبة الزرقاء”، إلا أن الأكيد أن الحبّة التي كانت محظورة صارت اليوم من بين أكثر المنتجات الدوائية رواجا حيث نفذت المدّخرات التى وفّرتها الصيدليّة المركزيّة فى غضون بضعة أشهر وفي زمن قياسيّ، على ما أكده – ولو بصوت خافت- العديد من أصحاب الصيدليات الذين التقيناهم في هذا التحقيق.