انطلقت مبادرة “كلام الشارع” مع مجد مستورة وأمين الغربي، وهما شابان يجمعهما عشق كبير للّهجة العامية التونسية، وللموروث الثقافي التونسي الذي يتهدده الاندثار.
يقول مستورة في حديث لـ “مراسلون” إن “القطع مع مركزية المكان” هي الدافع الأساسي وراء الفكرة، فالفن، بحسب رأيه، لا يمكن أن يبقى حبيس جدران المعارض والصالونات “ولا بد له من الانفتاح على الفضاء الخارجي وعلى الآخر المختلف”.
انطلقت مبادرة “كلام الشارع” مع مجد مستورة وأمين الغربي، وهما شابان يجمعهما عشق كبير للّهجة العامية التونسية، وللموروث الثقافي التونسي الذي يتهدده الاندثار.
يقول مستورة في حديث لـ “مراسلون” إن “القطع مع مركزية المكان” هي الدافع الأساسي وراء الفكرة، فالفن، بحسب رأيه، لا يمكن أن يبقى حبيس جدران المعارض والصالونات “ولا بد له من الانفتاح على الفضاء الخارجي وعلى الآخر المختلف”.
كسر الحاجز الذي يفصل المواطن التونسي عن ممارسة فن الكتابة والإنتاج الثقافي أو ما يسميه مستورة “دمقرطة الفن”، وحث الشباب على الكتابة باللهجة الدارجة التونسية، رهانان تعاهد مؤسسا “كلام شارع” على تحقيقهما من خلال هذه التظاهرة الفريدة من نوعها والطريفة في الٱن نفسه.
انطلقت أولى حلقات “كلام شارع” في صيف العام الماضي بعد دعوة وجهها أمين الغربي للشباب التونسي عبر موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”. يومها توافد إلى ساحة “باستور” في العاصمة تونس عشرات الشبان والشابات، يحملون بأيديهم نصوص بعضها كُتب منذ أشهر خلت وبعضها جهّزوه للمناسبة، وشبان ٱخرون يدفعهم الفضول وحب الاكتشاف.
أشعار تتلى تحت إضاءة خافتة، موسيقى تعزف بين الفينة والأخرى لتخلق انصهارا بين المكتوب والمسموع، مداخلات ونقاشات بين الشباب الجالسين على الأرصفة، هكذا كانت أجواء اللقاء الأول.
تتالت حلقات “كلام شارع “، وحرص الفريق الذي صار يضم العشرات على أن تتنقل هذه الحلقات إلى أماكن مختلفة من البلاد، حتى يتاح للشباب التونسي من مختلف الشرائح الاجتماعية والثقافية فرصة المشاركة والتفاعل.
سيدي بوزيد، قليبية، منزل عبد الرحمن، مدن استقبلت بحرارة “كلام شارع”، “فهذا النوع من التظاهرات عادة ما تحرم منه المناطق الداخلية والمدن الصغرى رغم ما يحمله شبابها وأطفالها من مواهب وطاقات إبداعية كبيرة”، يوضح مستورة.
لغة أكثر تعبيرا
الكتابة باللهجة التونسية العامية هي شرط من شروط المشاركة في حلقات “كلام شارع”، والخيار ليس اعتباطيا ولا من باب ” تقزيم” اللغة العربية الفصحى أو عدم الاعتراف ببلاغتها وجماليتها، يقول مؤسسو المبادرة، “بل هو نابع من قناعتنا بأن للعامية التونسية طاقة شعرية بديعة تتمازج فيها الألفاظ المحلية والدخيلة، وتعكس تنوع الشعب التونسي وتعدديته وانفتاحه على الثقافات الإنسانية جمعاء”.
ويضيف مستورة أن العامية في بلاده “هي خليط من العربية والبربرية دخلتها لغات أخرى كالفرنسية والتركية والإيطالية والإنكليزية”. وهذا ما يجعل من النصوص المكتوبة بهذه اللهجة “نصوصا ساحرة تذكّر بروايات عبد العزيز العروي و كتابات علي الدوعاجي التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بالواقع التونسي ومنه بالهوية التونسية”.
النصوص التي يقرأها شباب “كلام شارع ” لم تترك موضوعا لم تحك عنه. لا فرق بين مواضيع تتحدث عن الحب والحياة وأخرى تطرح مشاكل البطالة والتهميش والظلم، “ففعل الكتابة مقاومة في حد ذاته، واحتلال الشارع ضرب من ضروب التمرد ومظهر من مظاهر حرية التعبير والمواطنة الفاعلة”، يعلّق مستورة.
الأعمال المقروءة كالمرآة التي تعكس الواقع المعيشي التونسي وتعري خصوصيته بما تحمل من تناقضات، فتطرح بطريقة ساخرة مواضيع الرشوة والنفاق الاجتماعي وفساد الساسة والعلاقة بالدين والتحرر الأخلاقي والجنس.
الغزل أيضا كان حاضرا جنبا إلى جنب مع محاولات نثرية أو شعرية تتحدث عن المحبوب والشوق إلى لقاءه أو مسامرته، جميعها طبعا بالدّارجة التونسية.
لكن المشرفين على اختيار النصوص المخصصة لكل حلقة من “كلام شارع ” يحرصون على انتقاء النصوص “الممتازة” شكلا ومضمونا، ” فالكتابة فعل إبداعي يستوجب الموهبة ويستوجب أيضا إحساسا بالحاجة للكتابة، وحضورا ذهنيا ومعرفيا ونفسيا عميقا”، يقول مستورة.
الشارع يألفنا يوما بعد يوم
رغم أن التظاهرة بالأساس تُعنى بالكتابة وعرض النصوص لكنها منفتحة على نشاطات أخرى كالغناء والرقص والعزف على آلات موسيقية مختلفة.
فنانون معروفون مثل غالية بن علي ، ياسر الجرادي وبنديرمان لم يتخلفوا عن دعوة الشباب التونسي المدمن على حلقات ” كلام شارع”، وهذا ما ساهم نوعا ما في شد انتباه المارة والفضوليين الذين يأتون بغية استطلاع أمر هذه الحلقة الشبابية المليئة بالصخب. “فبعد أن كان المارّة يرمقوننا بكل سخط وغضب لأننا نحتل أحيانا الرصيف أو الحديقة العمومية بل يصل الأمر ببعضهم إلى رشقنا بالقوارير والحجارة، هم الٱن ينضمون إلينا بكل تلقائية” يتابع مستورة.
المستحيل ليس تونسيا
وككل المبادرات الشبابية اليافعة واجه مشروع “كلام شارع” عراقيل عدّة على رأسها الصعوبات المادية، وإن لم تشكل تلك الصعوبات في نهاية المطاف حاجزا أمام تحقيق أهداف التظاهرة، على الأقل كما تصورها القائمون عليها.
ويفكر أعضاء الفريق حاليا بأن نشرية ورقية تضم مختارات من النصوص التي يكتبها شباب “كلام شارع” قد تكون كفيلة بتحقيق تمويل ذاتي يساعد على التنقل بين المدن ولقاء شباب المحافظات والقرى النائية المتعطش للفن والإبداع. كما أن المداخيل قد تساهم أيضا في استئجار المعدات الصوتية اللازمة وفي تغطية مصاريف أخرى متعلقة بالتصوير والتوثيق.
ويحرص منظمو “كلام شارع ” على أن تظل التظاهرة بعيدة عن التجاذبات والصراعات السياسية. بل ويرفضون أن تأخذ المبادرة شكلا جمعياتيا أو تنظيميا معينا، “فالاستقلالية عن الدولة وعن كل أشكال تمويلها واجب”، حسب قولهم.