ينشب عادة صراع بين القوى السياسية داخل المؤتمر الوطني ومن انحاز إليهم من المستقلين على كل قانون يحاول المؤتمر إصداره، إما استجابة لحاجة ملحة أو بموجب دعوات شعبية، كقانون العزل السياسي وقانون الإدارة المحلية.

بل درجت العادة أن يلتهب هذا الصراع على روزنامة قوانين صادرة وواجبة النفاذ، فمثلاً صدر عن المجلس الوطني الانتقالي قانون يجعل من اللجنة التأسيسية المختصة بوضع الدستور منتخبة عن طريق الشعب مباشرة، إلا أن قوى سياسية قدمت مشروع بتعديل هذا القانون بحيث تكون هذه اللجنة معينة.

قانون المحليات

ينشب عادة صراع بين القوى السياسية داخل المؤتمر الوطني ومن انحاز إليهم من المستقلين على كل قانون يحاول المؤتمر إصداره، إما استجابة لحاجة ملحة أو بموجب دعوات شعبية، كقانون العزل السياسي وقانون الإدارة المحلية.

بل درجت العادة أن يلتهب هذا الصراع على روزنامة قوانين صادرة وواجبة النفاذ، فمثلاً صدر عن المجلس الوطني الانتقالي قانون يجعل من اللجنة التأسيسية المختصة بوضع الدستور منتخبة عن طريق الشعب مباشرة، إلا أن قوى سياسية قدمت مشروع بتعديل هذا القانون بحيث تكون هذه اللجنة معينة.

قانون المحليات

وهذا ما حدث تحديداً مع القانون رقم 59 لسنة 2012 بشأن نظام الإدارة المحلية، والذي حددت مادته السادسة والعشرون طريقة اختيار مجالس البلديات والمحافظات بطريق الانتخاب السري المباشر، على أن تقوم هذه المجالس باختيار عميد البلدية والمحافظ من بينها بطريق الانتخاب غير المباشر.

لكن حكومة رئيس الوزراء علي زيدان قدمت مشروع قانون لتعديل نص المادة 26 من القانون رقم 59 ، بحيث يكون أعضاء المجالس البلدية والمحافظات منتخبون بينما يكون عميد البلدية والمحافظ معيناً من قبل رئيس الحكومة.

مؤيدون للتعديل

مبدئيا ساند تحالف القوى الوطنية وبعض المستقلين الدائرين في فلك التحالف مشروع القانون، بينما عارض حزب العدالة والبناء وحزب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا مشروع القانون، وكذلك بعض المستقلين التابعين لأحدهما. وكانت نسبة المعارضة 120 صوتاً مقابل 80 صوتاً.

ساقت الحكومة والقوى السياسية المساندة لها بل وبعض أعضاء لجنة الحكم المحلي بالمؤتمر الوطني بعض الحجج المؤيدة لمشروع تعديل القانون، كالقول إن الشعب حديث عهد بالتجربة الديمقراطية، وهناك مخافة أن يختلط نظام انتخاب عمداء المجالس البلدية والمحافظين بنظام التصعيد الشعبي المعمول به إبان حكم نظام القذافي.

وأيضا هناك شكوك بأن تكون للقبائل المسيطرة بمناطقها الغلبة في عملية الانتخاب، مما يجعل من عملية الانتخاب شكلاً مفرغاً تماماً من موضوعه الرئيس.

وبينت تلك القوى والحكومة أن عملية خضوع العمداء والمحافظين المنتخبين لإشراف ورقابة الحكومة لن يكون بالصورة المثلى إذا كانوا منتخبين، إذ كلما حاولت الحكومة توجيه أي عميد أو محافظ أو إصدار تعليمات له فقد يرفض تنفيذها محتجاً بأنه منتخب مباشرة من البلدية أو المحافظة المشرف عليها.

وفي هذا من وجهة نظرهم تعطيل لسير العمل الحكومي، ودخول في مهاترات من شأنها إهدار مصالح الناس، وظهور مؤسسات الدولة بمظهر الضعيف وغير القادر على توجيه المحليات والتي هي شكل من أشكال السلطة التنفيذية.

سيطرة الحكومة

في الجهة المقابلة لم يخف حزب العدالة والبناء وحزب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا مخاوفهم من سيطرة حكومة علي زيدان على البلديات والمحليات بليبيا. إذ أن سيطرة الحكومة بظنهم ستزيد من معدلات الاحتقان داخل المحافظات والمدن الليبية بسبب المركزية الناجمة عن عملية هيمنة الحكومة على تعيين المحافظين وعمداء البلديات.

جانب آخر من أعضاء المؤتمر الوطني أبدى اعتراضه بسبب تسرب بعض الأسماء والتي تزمع حكومة زيدان تعيينهم كمحافظين، إذ أن هذه الأسماء لا تطمئن بعض أعضاء المؤتمر الوطني بسبب تورطها في قضايا فساد مالي.

مسؤولون بوزارة الحكم المحلي هم أيضا اعترضوا على تعديل القانون، إذ أنهم يرون أن ترك الخيار للناس لتنتخب مسؤوليها وتتحمل نتيجة هذا الاختيار أفضل في جميع الحالات من فرض أشخاص قد لا يرغبون فيهم، أو في حالة فشلهم يحملون الحكومة إثم هذا التعيين.

قديم جديد

الحكومة قالت إنها اعتمدت صيغة مشابهة للقانون رقم 8 لسنة 1964 بشأن الإدارة المحلية والذي نص على أن يقترح وزير الداخلية المحافظ أو عميد البلدية على أن يصدر قرار تعيينه من رئيس الوزراء. وبذا لم تبتدع قانوناً لم تعرفه ليبيا من قبل. بل إن هذه الصيغة وهذا الشكل معروف إبان النظام الملكي السابق لعهد القذافي.

معارضو القانون فندوا حجة الحكومة بأن الزمان والظروف اختلفا بحيث أن مقارنة فترة الستينات بالظروف الحالية غير عادل ومجحف في آن الوقت، ففي فترة الحكم الملكي كانت ليبيا من أفقر بلدان العالم، ولا توجد إمكانية مادية لإجراء انتخابات محلية على مستوى البلد بالكامل، كما أن ليبيا لم تكن فقيرة مادياً فقط بل كانت أيضاً لا توجد بها كوادر متعلمة تستطيع أن تدخل في لعبة انتخابية. ولذا كان واجباً على الحكومة لتحل هذه الإشكاليات أن تتدخل وتقوم بتعيين العمداء والمحافظين. أما الآن فقد اختلف الوضع سواء من ناحية توفر الأموال، أوالكوادر القادرة على دخول الخط الانتخابي وإقناع هيئة الناخبين بمؤهلاتهم وإمكانياتهم العلمية.

المؤيدون للتعديل يقولون بضرورة الإسراع بتفعيل مؤسسات الدولة وإثبات وجودها على أرض الواقع، المعارضون للتعديل يؤكدون أن الانتخاب ومنح البلديات والمحافظات صلاحيات أوسع لإدارة شأنها وميزانيات أوفر سيسهل كثيراً على الناس ويقضي تدريجياً على المركزية.

الجبهة الوطنية

الجبهة الوطنية رغم معارضتها للتعديل، إلا أن حججها غير تلك التي روج لها حزب العدالة والبناء، إذ أن الجبهة الوطنية ترى أن الظرف الاستثنائي الذي تمر به ليبيا هو الذي حتم عليها اتخاذ هذا الموقف، فلو كانت مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية في وضعها الطبيعي وبليبيا دستور لكان الأفضل طريق التعيين، لأن الإدارة المحلية جزء من عمل السلطة التنفيذية وعلى رأسها الحكومة.

اللافت للانتباه أن كل قانون صدر أو مشروع قانون يراد له الخروج للحياة هو محل صراع بين القوى الليبرالية وعلى رأسها تحالف القوى الوطنية، والتيار الإسلامي بزعامة حزب العدالة والبناء. مما يؤشر لدى بعض المحللين السياسيين بأن هذا السلوك السياسي على معارضة التيارين لبعضهما البعض داخل المؤتمر الوطني هو القدر المحتوم لمجمل اللعبة السياسية القادمة على الأقل ما دام المؤتمر الوطني العام قائماً، وقد يكون هذا التعارض الذي بدأ وراء الكواليس ثم ظهر أمام الناس وعلى شاشات التلفزة سبباً لتفاقم الأزمات.