جنباً إلى جنب يجلس محمد صديق وشيرلي، صيون وفائزة وباقي تلامذة الفصل الرابع بمدرسة السواني بجزيرة جربة التونسية. تدب الوشوشات والهمسات بين الصفوف، فقط دقائق قليلة تفصلهم عن موعد الفسحة، بعد قليل سيحولون الساحة التي يخيم عليها الصمت إلى ملعب للركض، وسيتقاسمون السندويتشات فيما بينهم. 

وحدهما صيون ومحمد عزيز سيضطران لقضاء جزء من الفسحة داخل الفصل، في حصة من نوع خاص، حصة الحوار لفض الخلافات. 

جنباً إلى جنب يجلس محمد صديق وشيرلي، صيون وفائزة وباقي تلامذة الفصل الرابع بمدرسة السواني بجزيرة جربة التونسية. تدب الوشوشات والهمسات بين الصفوف، فقط دقائق قليلة تفصلهم عن موعد الفسحة، بعد قليل سيحولون الساحة التي يخيم عليها الصمت إلى ملعب للركض، وسيتقاسمون السندويتشات فيما بينهم. 

وحدهما صيون ومحمد عزيز سيضطران لقضاء جزء من الفسحة داخل الفصل، في حصة من نوع خاص، حصة الحوار لفض الخلافات. 

وإذا عجز الطفلان عن حل خلافاتهما بمفردهما، فستضطر السيدة فريدة الرجباني مديرة المدرسة، للتدخل ونقل الحوار إلى مكتبها الخاص. وبذلك قد يخسر الولدان كامل زمن الفسحة.

حتى لا تنتقل للأولياء

تقول السيدة الرجبي إن الخلافات التي تنشأ بين الأطفال هي خلافات عادية مثل تلك التي تنشأ في كل المدارس التونسية. لكن المختلف هنا أن مدرسة السواني يؤمها تلامذة مسلمون ويهود. وحتى لا تنتقل الخلافات الصغيرة إلى الأولياء، تسعى مديرة المدرسة لحلها في مهدها باعتبارها مشاكل أطفال.

والأهم من كل ذلك، برأي مديرة مدرسة السواني، هو غرس ثقافة الحوار لدى الأطفال ونشر ثقافة التعايش. “من المهم أن يدرك الاطفال أن الاختلاف في الدين والثقافة هو أمر إنساني يجب أن لا يمثل عائقا للتعايش والتحابب، وأن التنوع ظاهرة صحية”. وتضيف أن مدرسة السواني “نجحت إلى حد كبير في تعليم الأطفال احترام الاختلاف والتسامح وأيضا الحوار لحل الخلافات التي قد تطرأ”.

لم تدم حصة الحوار طويلا، فلهفة الطفلين للركض في الساحة ولتناول ما لذ من الطعام أكبر من خلافاتهما. لم يضطرا للذهاب إلى مكتب السيدة المديرة. وبعد دقائق من النقاش خرجا ويديهما متشابكتين تعبيرا عن الصداقة.

يقول صيون إنه يحب صديقه محمد عزيز وكافة أترابه بالمدرسة. ويضيف “لا خلاف بيننا..سنتقاسم أكلنا في الفسحة”. أما محمد عزيز فقال “اتفقت مع صيون على إعداد بحث مشترك في مادة العلوم الطبيعية”.

ويتقاسم التلامذة المسلمون واليهود مقاعد الدراسة جنبا إلى جنب كامل أيام الأسبوع، يتلقون نفس الدروس وفي نفس الاوقات. ولا يفترقون إلا يوم السبت حيث يلتحق التلاميذ اليهود بمدرسة مخصصة لدراسة اللغة العبرية، و تقع هذه المدرسة خلف مدرسة السواني.

 ويتمتع التلاميذ اليهود بأوقات للراحة عند تلقي التلاميذ المسلمين دروس تعليم القرآن. وفي الأعياد الدينية، سواء كانت يهودية أو إسلامية، يخلد جميع التلاميذ إلى الراحة.

كلهم تونسيون

ويعتبر السيد عمر مدرس تربية تشكيلية، أن مدرسة السواني هي المدرسة الوحيدة  في الجزيرة وفي تونس التي تحتضن تلاميذ يهود و تلاميذ مسلمين بحيث لا يمثل الاختلاف في الديانة عائقا خلال تلقيهم الدروس. وأضاف “نحن نتعامل مع التلامذة على قدم المساواة باعتبارهم تونسيين بغض النظر عن ديانتهم”.

من جهة أخرى أفادت السيدة فريدة الرجباني مديرة المدرسة أن عدد التلاميذ تقلص خاصة بعد الثورة، كما أكدت أن الخصومات التي تقع أحيانا بين التلاميذ اليهود والتلاميذ المسلمين والتي يقع تهويلها أحيانا في السابق أصبحت اليوم عادية وتكاد تكون غائبة تماما “فجميعهم تونسيون و تجمعهم نفس البراءة”.

وتأسست مدرسة السواني بجربة سنة 1947 وتضم 445 تلميذ وتلميذة من كلا الديانتين. وتحتوي المدرسة على تسع قاعات من بينهم قاعة للإعلامية وقاعة معلمين وأخرى للأقسام التحضيرية.  ويتكون الإطار التربوي من مدير ومساعد مدير و25 معلما. 

الصغار يعلمون الكبار

السيدة هاجر هي أم لطفلين يزاولان تعليمهما بمدرسة السواني، قالت إنها معجبة بطريقة المسؤولين على المدرسة في التعامل مع التلامذة وخاصة في طريقة إدارة الخلافات التي قد تنشأ فيما بينهم. وأضافت “نتعلم نحن الكبار من أبنائنا وخاصة قدرتهم على التواصل والتسامح، فهذه النفوس البريئة تركز دائما على ما يجمعها لا على ما يفرقها ولديها طاقة كبيرة للمحبة”.

وتلاحظ السيدة هاجر أنه في بعض الاحيان يتم إبلاغ الاولياء ببعض المشاكل التي تحدث بين التلامذة وذلك لتمكين العائلة من مواصلة جهد المدرسة لحل الخلافات وتعويد الصغار على النقاش والتفهم، بل أن عديد الصداقات بين الكبار كانت بسبب الصغار على حد قولها.

نغادر مدرسة السواني بكثير من الإعجاب لتجربة أطفال أكبر بكثير من أعمارهم. تجربة لا تحتاجها مدارس تونس فقط لإضافة مادة الحوار لمناهج الدراسة، وإنما يحتاجها البلد بأكمله، بلد تشقه عديد الصراعات السياسية ويتلمس خطواته الاولى للتعايش والديمقراطية.