عامان مرا على اندلاع الشرارة الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني التي أطاحت بالرئيس المصري السابق، حسني مبارك ونظامه، تخللهما أحداثٌ جسام وقعت في العاصمة دفع ثمنها سكان مدينة الأقصر الأثرية، التي تبعد عن القاهرة نحو 670 كيلو مترا جنوبا.
عامان مرا على اندلاع الشرارة الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني التي أطاحت بالرئيس المصري السابق، حسني مبارك ونظامه، تخللهما أحداثٌ جسام وقعت في العاصمة دفع ثمنها سكان مدينة الأقصر الأثرية، التي تبعد عن القاهرة نحو 670 كيلو مترا جنوبا.
مدينة الشمس كما يحلو للبعض أن يسميها تضم في جنباتها ثلث أثار مصر الفرعونية تقريبا، ويبلغ عدد سكانها نحو نصف مليون نسمة وذلك حسب إحصاءات عام 2010، يعمل ما يزيد عن 75 % منهم بالسياحة بشكل مباشر أو غير مباشر، والـ 25 % الباقون يشتغلون بالزراعة. وفي ظل تراجع معدلات تدفق السياح لأقل من 10% مما كانت عليه قبل الثورة بحسب ثروت عجمي، رئيس غرفة الشركات السياحية بالأقصر، فإن الأحوال المعيشية لغالبية سكان الأقصر قد تأثرت سلبا، فعلى سبيل المثال لجأت الشركات السياحية لتسريح قرابة الخمسين ألف عامل خلال العامين الماضيين، لعدم قدرتها علي دفع رواتبهم.
أصحاب البازارات السياحية
كان لأزمة تراجع الإقبال السياحي بالأقصر تداعياتها علي تجار البازارات السياحية، التي يبلغ عددها نحو ألفي بازار يعمل بها قرابة الـ 14 ألف عامل، منتشرون في المناطق الأثرية كوادي الملوك والملكات وحتشبسوت بالبر الغربي. وتراكمت مديونيات أصحاب تلك البازارات بسبب عجزهم عن دفع رواتب العاملين أو متأخرات الإيجارات المستحقة لوزارة الآثار ومحافظة الأقصر.
بكري عبدالجليل نقيب العاملين بالبازارات السياحية بالأقصر، يشكو إهمال وزارة السياحة والحكومة لمستغلي البازارات السياحية الصغيرة، الذين يئنون تحت وطأة ضعف الإقبال السياحي الذي دفع بعضهم لإغلاق بازاراتهم، في الوقت الذي ذهب فيه دعم الحكومة لكبار رجال الأعمال على حد قوله.
وطالب عبدالجليل الحكومة المصرية بتعويض أصحاب البازارات عن الكساد المفضي إلى الإفلاس على حد تعبيره، كما ناشد سلطات محافظة الأقصر لإعفائهم من دفع قيمة الإيجارات المستحقة عن العامين الماضيين.
صراع على السياح
واضطر سيد أبو الحجاج، صاحب إحدى البازارات السياحية بمنطقة السوق السياحي، إلى تغيير نشاطه ليبيع الطرح والعبايات الحريمي “كساء عربي” للسيدات المصريات، بدلا من التحف والقطع الأثرية المقلدة التي كانت تثير شغف السياح.
يحكي سيد عن الرواج السياحي التي شهدته الأقصر قبل الثورة قائلا “لقد كانت معدلات الإقبال السياحي بالأقصر خلال الفترة التي سبقت 25 يناير/كانون الثاني من العام قبل الماضي تشهد أعلى مستوياتها والسياح كانوا يتدفقون إلى البازارات السياحية بشغف شديد”، “أما الآن فالحال سيئ للغاية والكساد هو العنوان الرئيسي لكل بازارات الأقصر” .
ويروي سيد إحدى الوقائع التي شهدها في منطقة السوق السياحي، قبل شهرين، عندما اشتبك اثنان من أصحاب البازارات السياحية عقب رؤيتهم لأحد السياح، وكلا منهما يريد اصطحابه إلى البازار الذي يملكه.
معاناة المرشدين السياحيين
وكان من بين الفئات التي تضررت بشكل مباشر جراء تراجع معدلات التدفق السياحي إلى الأقصر، المرشدون السياحيون، البالغ عددهم 4300 مرشد في الأقصر وحدها. وبلغ متوسط عدد الذين يعملون منهم الآن نحو الـ 200 مرشد فقط، وذلك بحسب وائل إبراهيم، نقيب المرشدين السياحيين بالأقصر، الذي وصف العامين الأخيرين بأسوء الأعوام التي مرت على القطاع السياحي في مصر بعد حادث عام 1997 الإرهابي، الذي وقع في محيط معبد حتشبسوت بالدير البحري، وراح ضحيته 58 سائحا من مختلفي الجنسيات فضلا عن أربعة مصريين بينهم شرطي ومرشد سياحي.
عقب اندلاع الثورة بأربعة أسابيع فقط ساد التفاؤل بين العاملين في قطاع السياحة مع بدء ارتفاع معدلاتها، ولكن سرعان ما تبدد هذا التفاؤل حيث انخفضت المعدلات لأدنى مستوياتها مع تصاعد وتيرة الأحداث السياسية، يقول وائل إبراهيم كانت الـ 17 % هي أعلى نسبة منتظمة سجلت خلال العامين الماضيين لإشغال المنشآت الفندقية الثابتة والنيلية بالأقصر .
“نعم للاستقرار“
المزاج السياسي للأقصر متقلب، فقد ظهر واضحاً خلال الانتخابات الأولى بعد الثورة أن الأقصر تمثل أحد معاقل معارضة التيار الإسلامي خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد الثورة، حيث لم ينجح التيار الإسلامي في الحصول سوى على 55% من الأصوات في انتخابات مجلس الشعب، كما انحازت المحافظة السياحية للفريق أحمد شفيق في الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية. وهي نتيجة منطقية لشكوك العاملين في السياحة في مدى اهتمام الإسلاميين بقطاع السياحة.
لكن كانت المفارقة عندما صوت الأقصريون بـ ” نعم ” في الاستفتاء على الدستور، وذلك بنسبة تجاوزت الـ 76 % استجابة لدعوات التيار الإسلامي، في الوقت الذي يمثل العاملون في السياحة والصوفيون والأقباط الكتل الرئيسية للتصويت فيها.
وأرجع محمد عثمان، الخبير السياحي، السبب في ذلك إلى أن سكان الأقصر يرغبون في الاستقرار السياسي حتي تعود السياحة، وكانت تلك هي أيقونة دعوة الإسلاميين للتصويت بـ ” نعم ” على الدستور، فضلا عن فشل القوى المدنية في توجيه الناخبين للتصويت بـ ” لا “، بسبب انقسامهم وعدم قدرتهم على الوصول للمواطنين في المناطق النائية عن العاصمة.
جبهة الإنقاذ السياحي
على صعيد حل مشكلة كساد السياحة المتفاقمة قام العاملون في السياحة بالأقصر مؤخرا بتشكيل جبهة فيما بينهم عرفت بجبهة الإنقاذ السياحي علي غرار جبهة الإنقاذ الوطني التي شكلها سياسيون بالقاهرة. الجبهة ضمت ممثلين لنقابات مهنية عدة كالمرشدين السياحيين وأصحاب البازرات وسائقي التاكسي والحنطور والمراكبية وغيرهم من الفئات الدنيا بقطاع السياحة، حيث اشترط هؤلاء أن لا يكون بينهم أيا من أصحاب رؤوس الأموال الذين يحظون بالدعم الحكومي علي حد قولهم. ويأملون من خلال الجبهة تنسيق الجهود من أجل دفع حركة السياحة.
محافظ الأقصر عزت سعد من ناحيته أكد أن سلطات المحافظة بالتعاون مع الحكومة وهيئة تنشيط السياحة، نظمت العديد من الفعاليات بهدف جذب السياح خلال العاميين الماضيين، كان من بينها تنظيم مهرجانيين سينمائيين، إحداهما للسينما الأوروبية، والآخر للسينما الأفريقية، فضلا عن الاحتفال بالذكرى التسعون لإكتشاف مقبرة الملك الفرعوني توت عنخ آمون، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، مشيرا إلى أن أعمال الترويج هذه ستبقى بلا قيمة فعلية في غياب الأمن والاستقرار السياسي.
واستدرك إبراهيم أن السياحة الثقافية في الأقصر وأسوان تعاني بسبب غياب الأمن، حيث أن شركات التسويق السياحي تتجه نحو المدن والمناطق الساحلية لأنها أكثر أمانا، حيث أن تنقلات السائحين تكون منحصرة في حركتهم من أماكن إقامتهم بالفنادق والقرى السياحية حتى الشواطئ، على خلاف السياحة الثقافية التي تمتاز بكثرة الحركة المستوجبة قدرات أمنية أعلى ليست متوفرة في المدن الأثرية.