الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة يناير/كانون الثاني، تتخذ طابعا خاصا، فمن مطالب بأن تكون مناسبة لثورة ثالثة على اعتبار أن الثورة الأولى كانت في يناير 2011 والثانية كانت مع أحداث محمد محمود التي أجبرت المجلس العسكري على تحديد موعد لتسليم السلطة للمدنيين، إلى قائل إن الثورة استكملت أهدافها في إحداث تغيير في النخبة الحاكمة، وإن باقي مطالبها وأهدافها سوف تتحقق مع مرور الزمن وعلى أيدي النخبة الجديدة.

الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة يناير/كانون الثاني، تتخذ طابعا خاصا، فمن مطالب بأن تكون مناسبة لثورة ثالثة على اعتبار أن الثورة الأولى كانت في يناير 2011 والثانية كانت مع أحداث محمد محمود التي أجبرت المجلس العسكري على تحديد موعد لتسليم السلطة للمدنيين، إلى قائل إن الثورة استكملت أهدافها في إحداث تغيير في النخبة الحاكمة، وإن باقي مطالبها وأهدافها سوف تتحقق مع مرور الزمن وعلى أيدي النخبة الجديدة.

والحاصل أن وجهتي النظر لا تملكان قدرا من الواقع أو الحقيقة، لأنهما تفترضان أن الثورات يجب أن تسير في خط مستقيم، فالواقع أن الثورة المصرية مازالت مستمرة وكل الأحداث التي ذكرناها هي حلقات في ثورة واحدة مازلت تعتمل في المجتمع المصري، ولن تتوقف إلا باستكمال الثورة وتحقيق كامل أهدافها التي تتمثل في تغيير النخبة الحاكمة ومنظومة القيم في المجتمع والتشكيلة الاجتماعية السائدة في المجتمع ومجمل علاقات القوى بين أطيافه وطبقاته وفئاته.

وأعتقد أن جزءا كبيرا من اللبس الذي نعيش فيه، يعود إلى عدم فهم طبيعة الثورات، فالغالبية العظمى تعتقد أن الثورة لابد وأن تسير فى خط مستقيم صاعد إلى الأمام. فى الوقت الذي تؤكد تجارب الثورات الناجحة التي أحدثت تغييرا سياسيا واجتماعيا، أن الثورات يمكن أن تسير فى خط متعرج، لأنها تواجه تحديات دائمة، وقوى مضادة تعبر عن مصالح اجتماعية وتدافع عنها. فالثورة الفرنسية التي يضرب بها المثل دائما ظلت مدة  100 عام تواجه ثورات مضادة لكنها انتصرت عليها فى النهاية وحققت شعارها في العدالة والحرية والمساواة.

وإدراك طبيعة الثورة المضادة، وهى تتمثل فى محاولات استنساخ نظام مبارك حتى ولو كان ملتحيا، والقوى المشاركة فى هذه المحاولات، وأيضا طبيعة تعرجات الثورة، بدلا من السير فى خط مستقيم، تتطلب مواجهة مضادة، وذلك يبدأ بادراك أن هذه هي طبيعة الثورات لأن اليأس قد تسرب إلى نفوس بعض القوى الثورية التي ظنت أن الثورة قد سرقت منها، وأن الجماهير لم تعد متحمسة لاستكمالها خاصة أن الجماهير بدأت تترحم على أيام النظام السابق لأنها لم تحقق أية مكاسب حتى الآن بعد مرور عامين كاملين من الثورة وللأسف فإن هذا الجمهور هو الوقود الذي تسعى الثورة المضادة إلى استقطابه، بل ونجحت بصورة جزئية فى تحقيق هذا الهدف، عبر الانفلات الأمنى المصطنع، والفوضى التي يعج بها المجتمع المصري، وهى فوضى مقصودة، ولكن الفشل الواضح لهذه القوى وفى مقدمتها القوى الإسلامية أعطى زخما جديدا للثورة، ولفرص استكمالها.

والأمر المؤكد الذي لا مفر منه هو أن الثورة سوف تنجح في النهاية، فهذا هو ما تنبئنا به التجارب السابقة، ولكنها سوف تتخذ مسارا متعرجا، يستلزم وقتا طويلا، لكي تتحقق مجمل الأهداف. وحالة عدم الرضا التي تجتاح معظم فئات المجتمع، تؤكد أن الجماهير مازالت تريد استكمال الثورة وتحقيق كافة أهدافها، وتؤكد أن طورا منها أو مرحلة على وشك أن تنتهي وهى سيطرة الجناح الوحيد المنظم على مقاليد الأمور، وذلك بعد أن تأكدت الجماهير من إفلاس هذا الجناح تماما وعدم امتلاكه رؤية للتغيير وتحقيق مطالب الناس، وتآمره مع القوى الغربية من أجل تحويل الثورة إلى انتفاضة، يتم بموجبها الحفاظ على الهيكل الاقتصادي القائم والتشكيلة الاجتماعية الراهنة، وكل تطورات الأوضاع منذ فبراير/شباط 2011 وحتى الآن أكدت استحالة رضوخ الناس لهذا التصور وهذا في حد ذاته انتصار للثورة على الرغم من كل انتكاساتها.

لقد أسقطت ثورة 25 يناير حاجز الخوف لدى المصريين، وأكدت لهم أن إرادة الشعوب تستطيع أن تحقق المستحيل، وهذا أمر مهم فى المواجهة الراهنة، لأن الأنظمة الاستبدادية تراهن دائما على سلبية الناس وتوقف محاولاتهم لتغيير الأوضاع السائدة، وما يحدث في مصر بصورة يومية من احتجاجات اجتماعية ومقاومة لعمليات تدجين المجتمع وأخونته، ورفض للدستور الذي صاغته قوة واحدة ظنت أنها مسيطرة يؤكد أن المصريين تركوا السلبية إلى الأبد وإنهم مستمرون في ثورتهم حتى وإن ظنوا غير ذلك، والثورات الحقيقية، كتلك التي نعيشها في مصر مثل الطوفان لا يستطيع أحد أن يوقفها أو يحولها عن مسارها.