المشهد لم يكن مألوفا للمواطن التونسي وهو يشاهد تلك القصور المنهوبة التي تحولت الى متاحف للقطع الأثرية النادرة في تقارير بثتها إحدى القنوات التلفزية التونسية. فالسلطة نفسها التي طالما بدت اليد الأمينة طيلة 23 سنة، تظهر في ثوب السارق. موقف لم يقدر عديد التونسيين على استيعابه من هول الصدمة.

حتى المعهد الوطني للتراث المكلف بحماية المواقع الأثرية لم يفوت بعض مسؤوليه الفرصة للانضمام إلى لائحة الأشخاص المتورطين في قضايا السرقة والنهب.

المشهد لم يكن مألوفا للمواطن التونسي وهو يشاهد تلك القصور المنهوبة التي تحولت الى متاحف للقطع الأثرية النادرة في تقارير بثتها إحدى القنوات التلفزية التونسية. فالسلطة نفسها التي طالما بدت اليد الأمينة طيلة 23 سنة، تظهر في ثوب السارق. موقف لم يقدر عديد التونسيين على استيعابه من هول الصدمة.

حتى المعهد الوطني للتراث المكلف بحماية المواقع الأثرية لم يفوت بعض مسؤوليه الفرصة للانضمام إلى لائحة الأشخاص المتورطين في قضايا السرقة والنهب.

وسجلت محكمة الاستئناف بتونس في موفى في تشرين أول/ أكتوبر 2012 صدور أحكام تراوحت بين خمس سنوات لمدير المعهد الوطني للتراث الباجي بن مامي وسنتين لفاروق حمزة موظف بوزارة الثقافة مع صدور حكم بالسجن بخمس سنوات ونصف وغرامة مالية بـ 15 الف دينار بحق صخر الماطري زوج ابنة الرئيس المخلوع بن علي.

غير أن ذلك لم يمنع العصابات المنظمة من مواصلة مسلسل تهريب ونبش المواقع الأثرية لاسيما في المناطق التي لا تخضع للمراقبة والحراسة.

سليانة والاثار المنهوبة

على بعد كيلومتر واحد من مدينة برقو في الوسط الغربي، يقول العم صالح لـ”مراسلون” بعد أن رفض الحديث في البداية “نبش الأثار أصبح ظاهرة مألوفة والتحف النادرة التي تساوي المليارات نبيعها بحفنة من الدنانير”. 

العم صالح يعيش في وسط اجتماعي ثري استطاعت عصابة محترفة في تهريب القطع الأثرية اقناعه بحفر أحد المواقع الأثرية بأرضه واقتسام الغنائم معها.

يتحدث عن هذه العصابة فيقول إنها مجموعة محترفة في النبش والتهريب لم تترك دليلا على عملها بعد أن قامت بالحفر.

ليس بعيدا عن برقو، تمثل المغاور الأثرية مطمعا للناهبين الحالمين بالثراء السريع. ولم يسلم موقعا “دكانة” و”الخطيفة” من المساس بالصورة التي يعود تاريخها إلى 3000 سنة قبل الميلاد، فتعرضا لعمليات حفر شتى بحثا عن اللقى الأثرية وكنوز الذهب.

عبد الرحمن الهمامي أحد المسؤولين بالمندوبية الجهوية للثقافة بولاية  سليانة أكد لـ “مراسلون” أن جهل الأهالي بما حولهم من مواقع أثرية يعد الطامة الكبرى التي ساهمت في طمس تاريخ الحضارات المتعاقبة.

ويضيف الهمامي بلهجة استياء لما تتعرض له تلك المواقع الأثرية ” أن بصمات الإجرام يصعب حصرها لأنها متعلقة بمافيا العصابات المنظمة”.

إمكانات الإشراف محدودة

وتشير تقارير المعهد الوطني للإحصاء إلى أن ظاهرة النبش والتنقيب على المواقع الأثرية بلغت أكثر من 40 حالة اعتداء وتخريب بعد ثورة 14 جانفي 2011.

ويقول مسؤولو المعهد إن “عدد المواقع الأثرية يتجاوز حدود وإمكانات السلطات المتوفرة للاشراف عليها، والعصابات المنظمة وبعض الأشخاص يستغلون بعض المسائل الظرفية بسبب غياب الأمن والفوضى من أجل السرقة والنهب”.

ويضيف المسؤولون أن القضاء بصدد ملاحقة المجرمين بدءا من بن علي وأصهاره وصولا إلى كل من كانت له مساهمة في سرقة ونهب تاريخ البلاد. فيما كشفت مصادر من المعهد أن وزارة الثقافة بصدد كتابة تقرير وطني حول كل التجاوزات التي سجلت منذ عهد المخلوع بن علي الى اليوم.

آثار معلبة في صناديق 

مدينة القصرين التي تضم ثلث المواقع الأثرية في تونس شاهدة على آثار جريمة المستثمرين المرتبطين بنظام بن علي، والعصابات المنظمة.

فبين الطريق الرابطة بين قفصة والقيروان عبر سبيطلة والقصرين تقع مدينة “تلابت” حيث شيدت معالم حضارات عديدة مثل الحضارة القرطاجنية والرومانية والنوميدية. هناك بنى أحد رجال الأعمال، شريك أصهار الرئيس المخلوع، مصنعه لتحويل الحجارة في قلب المواقع الأثرية التي تزيد مساحتها عن خمسة كيلومترات مربعة، وعلى مرأى الأهالي ومسمعهم كان العمال ينقلون الكنوز الأثرية ويعلبوها في الصناديق.

ويقول باحث مطلع على الوضع الآثاري في المنطقة متألما لهول ما حصل: “للأسف سلطة المال وأسياد القصر ورجال الأعمال وعصابات المنظمة نهبت كل ذاكرة الوطن”. 

ويشير الباحث الذي رفض ذكر اسمه إلى أن “عروس ثورة تكفاريناس أو رأس الهوري “تلابت” وتاريخها الممتد عبر الحضارات جرى تعليبهم في أكياس ونقلوا إلى الخارج”. 

التغيير السياسي الذي أسقط نظام بن علي وأتباعه يمنع تكرار هكذا عمليات سرقة منظمة على مستوى عالٍ. لكن الباحث التونسي يؤكد أن عمليات على مستوى أصغر ما زالت تجري، تقودها عصابات من الحالمين بالثراء، يستفيدون من ضعف جهاز الدولة وعجزه عن ملاحقة المجرمين.