يقف الشيخ الشريف موجها نظره نحو جبل سيدي عيش (وسط غرب) مستحضرا ذكريات أليمة. يقول إنه فخور بالواجب الذي كان يقوم به تجاه وطنه صحبة رفاقه الذين نقشت أسماؤهم على نصب تذكارية تسجل تضحياتهم منذ “الحماية الفرنسية” سنة 1881 وصولا إلى معركة الجلاء ببنزرت التي قضى خلالها عدد كبير من التونسيين سنة 1961.

ذكريات مؤلمة 

هو يدرك أن الحرب ضد  المستعمر انتهت منذ إعلان الاستقلال سنة 1956 لكن صورته مسحولا خلف دبابة المستعمر ومقيد القدمين بعد اعتقاله إبان غارة للجيش الفرنسي لا تفارق مخيلته.

يقف الشيخ الشريف موجها نظره نحو جبل سيدي عيش (وسط غرب) مستحضرا ذكريات أليمة. يقول إنه فخور بالواجب الذي كان يقوم به تجاه وطنه صحبة رفاقه الذين نقشت أسماؤهم على نصب تذكارية تسجل تضحياتهم منذ “الحماية الفرنسية” سنة 1881 وصولا إلى معركة الجلاء ببنزرت التي قضى خلالها عدد كبير من التونسيين سنة 1961.

ذكريات مؤلمة 

هو يدرك أن الحرب ضد  المستعمر انتهت منذ إعلان الاستقلال سنة 1956 لكن صورته مسحولا خلف دبابة المستعمر ومقيد القدمين بعد اعتقاله إبان غارة للجيش الفرنسي لا تفارق مخيلته.

كان ذلك في الليلة الفاصلة بين 20 و21 تشرين الثاني/نوفمبر 1954 حين قبض عليه جنود فرنسيون داخل الغار الذي لجأ إليه بعد وابل من قذائف المدفعية وقصف الطائرات على كتيبة من الثوار. وقد عرفت تلك الفترة انتشار المقاومة المسلحة في جبال الوسط والجنوب التونسي. 

حادثة لم تمحها السنوات، فآثار التعذيب لا تزال بادية على جسده النحيل، بدأ بالضرب والتجويع ووصل إلى الصعق بالكهرباء حد الإغماء، مما تسبب له في فقدان جزئي للذاكرة.

يجلس الشيخ الشريف وعكازه يكاد يسقط من بين يديه المرتعشتين لم يبق من صبره الطويل وقدرته على الوقوف سوى القليل. فكل ذلك ولى زمن التعذيب من أجل الدفع على الاعتراف بأسماء الثوار ومن يمدهم بالغذاء والسلاح.

رحلة ألم وعذاب طويلة بين جدران السجون المظلمة لم ينبس فيها الشيخ الشريف ببنت شفة إلى أن تدهورت حالته الصحية فتم نقله إلى مستشفى صفاقس .

وعن تلك الفترة يقول لـ”مراسلون” : “اعتقد الاهالي انني مت فقاموا بتقبل عزائي في حين تم نقلي من المستشفى إلى السجن العسكري بتطاوين (أقصى الجنوب) بقرار من المحكمة العسكرية بتونس حيث وقعت محاكمتي ولم يطلق سراحي الا بعد امضاء اتفاق الاستقلال الداخلي”(حزيران/ يونيو 1955).

يتدخل حمزة أحد أقاربه ليذكره ببعض التفاصيل “لقد كان الاهالي ينبشون القبور الجماعية للبحث عن علامة كانت تميز الرجل اذ كان له إصبعين في رجله ملتصقين” وقد اعتمد الأهالي هذه الطريقة للتعرف على المجاهدين نظرا لصعوبة التعرف على المجاهدين نتيجة تشوه وجوههم.

وعند استحضار الشيخ لعذابات السجون كانت صوته يختنق فلا يقدر على مواصلة الكلام وتختلط بحّته مع دموع بناته اللاتي يستمعن بكل ألم لما حصل لوالدهم  كلما أعاد سرد ما جرى خلال ليالي السمر.

يمسك الشيخ الشريف بعكازه ويخط بها بضع خطوط على التراب وهو يتمتم بأسماء بعض الرموز الذين استشهدوا في معارك التحرر الوطني على غرار مصباح الجربوعي وفرحات حشاد والبشير بن سديرة وغيرهم من آلاف الشهداء.

ويضيف “نطالب فرنسا بالاعتذار والتعويض عن جرائمها وباسترجاع الأرشيف المتعلق بتونس وكشف مقابر المجاهدين المفقودين في الصحراء والجبال”.

الاعتذار والتعويض 

ينتمي الشيخ الشريف الى جمعية “المقاومون اليوسفيون” (نسبة الى الزعيم التونسي الراحل صالح بن يوسف) وهي جمعية تسعى الى التنسيق مع عديد الجمعيات في المغرب العربي لمطالبة الحكومة الفرنسية بالاعتذار عن الجرائم التي اقترفتها ضد الانسانية والتعويض للشعوب التي نهبتها لسنوات طويلة .

ويقول محمد الأسود المستشار القانوني ورئيس جمعية “المقاومون اليوسفيون “فرنسا التي تطالب تركيا بالاعتذار (عن المجازر بحق الأرمن) هي مطالبة أولا بالاعتذار للشعب التونسي  وما اقترفته من نهب وسلب وقتل واضطهاد”. 

ويضيف “أقل ما يمكن لفرنسا اليوم هو التعويض والاعتذار علما ان علاقتنا معها ستبقي قوية لكن ذلك يجب  أن لا يلغي الذاكرة” .

ويعتبر الأسود أن الأمر يتعلق بأكثر من 70 سنة قام خلالها جيش الاستعمار الفرنسي بإعدام الثوار في الساحات العامة لتخويف وترهيب التونسيين واشهار السلاح في وجه المناضل مسعود الشرياط وأمره بحفر قبره بيده، فضلا عن احتجاز المجاهدين والتفنن في تعذيبهم ومعاقبة أقاربهم الى جانب نهب الثروات المنجمية والفلاحية.

وينتقد رئيس الجمعية الحكومة التونسية الحالية قائلا “لقد تناست النهضة (الحزب الحاكم ذو المرجعية الاسلامية) الثوار الحققيقين وبدل أن تنصف من حمل السلاح وقاوم الاستعمار تطالب الشعب التونسي بالتعويض لمناضليها”.

ونتيجة كثرة التحركات اعربت رئاسة الحكومة التونسية عن استعدادها لطرح هذه الأفكار وتبنيها من أجل عرضها على الحكومة الفرنسية .

لكن في انتظار ذلك ما زال جرح الشيخ الشريف لم يندمل على امل تقديم مبادرة جدية لمطالبة الحكومة الفرنسية بالتعويض عن سنوات التعذيب والجمر والمعاناة الطويلة التي عاشها.