مصر إلى أين؟

يبدو السؤال أيقونة لا مجرد طلب للتحليل السياسي أو تعليقات على سياسة حكم الرئيس المرسي. ايقونة القلق حاكمة لتجعل الأسبوع وحدة الزمن السياسي في مصر، وكل شيء متوقع حيث اختفي القانون وحلت محله تربيطات الغرف المغلقة، ولم يعد الظاهر علي السطح في مؤسسة يمثل الا واجهة لهيراركية الجماعة السرية.  

القلق يزداد لأن الهيراركية الراسخة لا تعني أكثر من قدرتها علي ربط مفاصل تنظيم يقوم علي عزلة افتراضية لعضويته بعد تربية تتصور الحياة اختبارا في الوصول إلى مثالية، تتدرج في الوصول اليها كلما اقتربت من الكتالوج الموضوع في رسائل حسن البنا.

مصر إلى أين؟

يبدو السؤال أيقونة لا مجرد طلب للتحليل السياسي أو تعليقات على سياسة حكم الرئيس المرسي. ايقونة القلق حاكمة لتجعل الأسبوع وحدة الزمن السياسي في مصر، وكل شيء متوقع حيث اختفي القانون وحلت محله تربيطات الغرف المغلقة، ولم يعد الظاهر علي السطح في مؤسسة يمثل الا واجهة لهيراركية الجماعة السرية.  

القلق يزداد لأن الهيراركية الراسخة لا تعني أكثر من قدرتها علي ربط مفاصل تنظيم يقوم علي عزلة افتراضية لعضويته بعد تربية تتصور الحياة اختبارا في الوصول إلى مثالية، تتدرج في الوصول اليها كلما اقتربت من الكتالوج الموضوع في رسائل حسن البنا.

هذه الإقامة خلف سور افتراضي، فوجئت بان الحياة أكثر اتساعا من التنظيم، وهم ليسوا سوى ماكينات كلام مسجل في كتب المحفوظات، فماذا يفعلون في حكم دولة معقدة تاريخيا وسياسيا و جغرافيا و إنسانيا مثل مصر؟

ماذا يفعلون وهم المدربون ككائنات انتخابية، تنتظر مواسم الصناديق؟

انهم يريدون الحكم، لكنهم لا يملكون سوي هذه الرغبة التي تقودهم منذ نجاح المرسي في الرئاسة، إلى تدمير عشوائي لمؤسسات الدولة العصية على الطاعة، أو التي ترهن طاعتها بالحفاظ علي مصلحتها.

القضاء كان المؤسسة الأولى التي تدخل في إطار الدفاع عن المهنة امام هجوم الجماعة الحاكمة، وهم الأكثر خسارة من ناحية النتائج. فقد دُمرت المحكمة الدستورية (بوضع مواد في الدستور) بعد حكمها الذي حرم الاخوان من “غنيمة” البرلمان، كما تم الاستيلاء علي منصب النائب العام أخطر مفاصل الحكم في أي دولة استبدادية.  

في المقابل بدت روح الثورة وبحثها عن المعني محفزة لقطاعات قاومت هجوم الجماعة. وبينما كان شباب النيابة أكثر صدامية وتهديدا لسيطرة النائب العام المعين من الرئيس، بدت الأجيال الاكبر سنا أكثر اقترابا من الطبيعة المحافظة للقضاء، فلم يغامر قضاة المحكمة الدستورية بالصدام مع الرئاسة بعد حصار أنصار المرسي وجماعته للمحكمة، كما انتشر مزاج التردد على محاكم القضاء الاداري انتظارا لنتيجة الصراع أو تخوفا من القبضة الغاشمة.

انتصارات هذه القبضة تمثل عبئا علي الجماعة الحاكمة، فكلما تورطت في تدمير مؤسسات الدولة، سيصعب ان تكون الحرب ضد هذه المؤسسات محدودة او قصيرة الاجل، فهي حرب تستفز ما يمكن وصفه بالدفاع عن “المهنة”… وهي أحد ملامح الثورة المتجولة في المجتمع منذ ٢٥ يناير، فبعد سقوط مبارك من قمة الدولة المسيطرة، تسرب الشك في قدرة احد، مهما كانت قوته، على هذه السيطرة، وهو ما يوقظ غريزة الدفاع عن الذات الكبيرة…بعد تحطيم الديكتاتور محطم كل الذوات ومذيبها في ذاته الضخمة.

يحدث هذا بشكل أقل في مؤسسة الأمن، حيث تنتشر فكرة “لن ندفع فواتير أحد بعد الان” بين ضباط الشرطة  الذين واجهوا أزمات اجتماعية ووجودية منذ هروبهم الكبير ليلة ٢٨ يناير ٢٠١١…وهم الآن في مفترق طرق جديد، تتسرب منه غريزة الدفاع عن المهنة، كأمل اخير في مواجهة ضغوط الجماعة و مندوبها في الرئاسة لتعود الشرطة جهاز قمع كامل.

هذا الصراع حول “المهنة ” غالبا هو سر إزاحة احمد جمال الدين من منصب وزير الداخلية، فهو كان أول تعبير عن وعي الدفاع عن المهنة رغم انه لم يكن بعيدا عن دائرة حبيب العادلي وزير داخلية مبارك، بل انه متهم بالمشاركة في قتل الثوار خلال موقعة محمد محمود الاولي.

الوزير المقال أراد تحت الضغط تعاملا مهنيا مختلفا، فطلب أن تصدر الأوامر كتابية، واختار الحياد بين السلطة والمتظاهرين. وكان قتل “جيكا” في محمد محمود الثانية، نقطة فاصلة في الوعي أثرت علي الوزير ودفعته إلى خيار “البيروقراطية” لا “الالتحام الكامل مع السلطة”. وبدت الشرطة في أحداث الاتحادية “متفرجة” أو “عنصر الحياد البارد” الذي يتعامل على أن الرئاسة طرف في الصراع.

هذا التغير ليس ثوريا بالمعني الكامل، لكنه يؤرق الجماعة التي تريد احتلال مواقع مبارك، وإدارة البلاد وهندسة قمع تبدو المعارضة فيها مقيمة دائمة في الهامش أو تضع الشرطة في قبضة الرئاسة لتصبح أداة حكم.

يخوض المرسي اذن حربا مزدوجة، يربط بينهما شعوره هو جماعته بالرعب، فلم يعد لديهم الا الاستمرار حفاظا علي الحياة، وربما من أجل دفع عملية الثورة إلى الأمام.

الجماعة لم يعد لديها إلا التقدم للأمام، كما لم يعد للثورة سوى دفع الجماعة لإكمال فرصتها إلى النهاية. فوجودها في السلطة يكمل الثورة من ناحية، ويدمر أساسيات الشبكة التي يقوم عليها الاستبداد عندما تنهار مؤسسات الدولة أمام الحاكم، كما أن هذا الوجود دافع كبير لتسييس المجال العام وتقوية آليات المجتمع في الدفاع عن مكتسبات الدولة الحديثة، لا انتظار أن تحميها مؤسسات الاستبداد كما كانت في الستين سنة الاخيرة. انها لحظة يختلط فيها اليأس بالأمل في خلطة مؤلمة تجعل من سؤال المستقبل رهينة المغامرة و المقامرة معا.