قد لا تضطر إلى تجاوز شعاري تحالف القوى الوطنية (ليبيا بالجميع .. وللجميع) .. وتكتل الاتحاد من أجل الوطن (ليبيا جديدة .. بوجوه جديدة) .. حتى تعلم مدى الخلاف الذي سيظهر حول مشروع قانون العزل السياسي.

فمنذ أن اقترح نزار كعوان عضو المؤتمر الوطني العام والمنتمي لحزب العدالة والبناء، إدراج مشروع قانون العزل السياسي ضمن جدول أعمال المؤتمر، حتى هذه اللحظة، لم يتم حسم الشكل النهائي لقانون تُجمع عليه من حيث المبدأ معظم التيارات السياسية في البلاد. 

قد لا تضطر إلى تجاوز شعاري تحالف القوى الوطنية (ليبيا بالجميع .. وللجميع) .. وتكتل الاتحاد من أجل الوطن (ليبيا جديدة .. بوجوه جديدة) .. حتى تعلم مدى الخلاف الذي سيظهر حول مشروع قانون العزل السياسي.

فمنذ أن اقترح نزار كعوان عضو المؤتمر الوطني العام والمنتمي لحزب العدالة والبناء، إدراج مشروع قانون العزل السياسي ضمن جدول أعمال المؤتمر، حتى هذه اللحظة، لم يتم حسم الشكل النهائي لقانون تُجمع عليه من حيث المبدأ معظم التيارات السياسية في البلاد. 

وبسبب التباين في المسافة التي اتخذها معظم الزعماء السياسيين اليوم من النظام السابق قبل الثورة، وشبح العزل الذي يلاحق بعضهم وشبح فشل العزل الذي يلاحق البعض الآخر، فإن الأمر يبدو أنه لن يحسم ببساطة رغم اتفاق الجميع على العزل كمبدأ. 

وبالرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة تبين مدى تأييد الشارع الليبي لإقرار قانون العزل السياسي ونقاط الخلاف الحقيقية حوله، إلا أن انقسام الشارع حول هذا الموضوع واضح من خلال وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل لا يمكن إنكاره.

“مراسلون” التقى اثنين من أبرز رؤساء الكتل السياسية التي تقف على طرفي نقيض هذا الجدل هما الدكتور محمود جبريل رئيس “تحالف القوى الوطنية”، والدكتور عبد الرحمن السويحلي رئيس تكتل “الاتحاد من أجل الوطن”، وأوضح كل منهما وجهة نظره حول شكل قانون العزل السياسي.

محمود جبريل: المطلوب التخلص من أشخاص بعينهم

“العزل السياسي من ماذا؟”، يتساءل جبريل في بداية  حديثه مع “مراسلون”، فإذا كان الهدف هو حماية الثورة من الانحراف فإن التحالف يرى أن “ثورة 17 فبراير حين قامت لم يكن لها أهداف متفق عليها مسبقاً قبل الثورة، كان الهدف الوحيد الذي نشأ بشكل تلقائي هو إسقاط النظام، ولم يجلس الليبيون ويتفقوا على شكل الدولة أو على النظام السياسي أو النظام الاقتصادي أو فكرة العدالة أو فكرة الحرية أو المشاركة السياسية.. لم يتفق الليبيون عليها مسبقا .. وبالتالي بعد سقوط النظام أصبحت هناك رؤى مختلفة”.

ويتابع “الخطير في الأمر أن كلاً يدعي ملكيته لهذه الثورة، هذه الثورة ليست ملكا لأحد، ملكيتها جماعية للشعب الليبي، لكن الذي حمل السلاح يدعي أنه الأجدر بقيادة هذه الثورة، والذي قام بدور سياسي يدعي أنه الأجدر، والذي قام بدور اقتصادي بجمع الأموال والتبرعات يدعي أنه الأجدر، والذي داوى الجرحى وساهم في علاجهم يدعي أنه الأجدر، والنساء اللواتي كن يطبخن الأكل للثوار يدعين أنهن الأجدر، هذه ثورة شعب كاملة، لابد من الحوار بين كل أطياف الشعب الليبي للتوافق على بديل”. 

ويرى جبريل أن “العزل السياسي الذي يُطرح في غياب الاتفاق على النموذج الجديد يصبح طرحاً ذاتياً، فإذا كان الطرح للتخلص من أفراد يجب أن تسمى الأشياء بمسمياتها”. 

من ينجو من العزل إذاً؟

من وجهة رئيس القيادي الليبرالي، “يمكن للمؤتمر(الوطني العام) أن يخرج – وليس عيباً – فيقول إن محمود جبريل وعبد الرحمن شلقم وإبراهيم الدباشي وفلان الفلاني .. خمسة عشر أو عشرين أو مائة أو مائتان من الذين نراهم خطراً أيا كان المبرر على الثورة الليبية.. يجب عدم مشاركتهم في الحياة السياسية لمدة 10 أو 20 سنة أو إلى الأبد، وهذا من أجل السلام الاجتماعي .. أنا مستعد أن أقبل هذا الأمر وأنفذه . لكن لا يتهم كل من شارك في الحياة السياسية، وهم أكثر من مليون موظف بأنهم أزلام النظام ويجب أن يخرجوا من الصورة”.

ويرمي جبريل إلى أن الهدف من وراء مشروع القانون هو تمكين القوى الإسلامية من حكم البلاد، “لأنك لو حسبت بشكل دقيق ستجد أن الذين كانوا يشتغلون في الدولة الليبية أزلام النظام، والذين كانوا يعيشون في الخارج مزدوجوا الجنسية ويجب أن لا يمكنوا.. إذاً من بقي يصلح لقيادة المشهد السياسي؟ الذين كانوا في السجن حتى قيام الثورة.. والذين كانوا في السجن هم التيارات الإسلامية”.

ويزيد “معنى ذلك أن العزل السياسي مقصود به إزالة أشخاص أيا كان عطاؤهم وإسهامهم في ثورة 17 فبراير، لأن هؤلاء الاشخاص قد يشكلون منافساً بسبب شعبيتهم، ويكونون عقبة في طريق الوصول (وصول التيارات الإسلامية ) إلى قيادة المشهد السياسي”.

لكن، ليس لإسلاميون وحدهم يدافعون عن العزل السياسي، بل كذلك وجوه مهمة من المعارضة التاريخية تقود حملة العزل. يرد جبريل: “طبعاً.. ولكن نحن نرى أن النضال لا يُجزأ .هذا يجب أن يدرس للأجيال.
هناك استحقاق أنا أسميته استحقاق النضال التاريخي أو “استحقاق التاريخ”، المعارضة التي تأسست في الخارج منذ منتصف السبعينات وليس فقط منذ 1979، كثير من الحركات، وصلت إلى أكثر من 13 حركة وإحداها الجبهة (الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا)، وبعض من هذه الحركات كانت محدودة العدد، كان هناك تاريخ طويل، وكان هناك نضال في الداخل ودفع أناس أعمارهم وزهرة شبابهم في السجون من مختلف التيارات السياسية من اليسار إلى اليمين، ثم كان هناك استحقاق آلام السجن، ثم هناك استحقاق إسقاط النظام.  يجب أن نعترف أن الذين شاركوا في استحقاق إسقاط النظام كانوا من جميع الأطياف .. هناك أناس لم يكونوا مشاركين في المعارضة في الخارج ولا كانوا في السجن ولكنهم كانوا فاعلين في إسقاط النظام أكثر من فاعلية الناس التي كانت معارضة في الخارج أو التي كانت في السجن”.

المطلوب عزل سلوك وليس عزل أشخاص

يشير جبريل في حديثه إلى أن “بعض من يتصدر المشهد الآن ويطالب بالعزل السياسي ليس له أي دور يذكر على الإطلاق في الشهر الأول للثورة، حتى بتصريح إعلامي، رغم أن الشهر الأول للثورة كان هو الأخطر، لأنه كانت فيه مجازفة كبرى”.

ويضيف “بعد تدخل “الناتو” أصبحت هناك جرأة أكبر لدى الكثيرين للانضمام للثورة، عندما رأوا أرتال معمر القذافي تُقصَف تولدت لديهم الرغبة في الانضمام للصف الآخر، وبعض الناس انضموا إلى الثورة يوم 20 أغسطس، وبعضهم انضم يوم 23 أكتوبر (2011)، ومنهم من يتصدر الآن المشهد السياسي ويتخذ القرارات بأن يبقى هذا ويذهب هذا .. هذه قضية “سرقة ثورة”، والحقيقة هذا اعتداء كبير جداً على التاريخ الليبي”.

ويطالب القيادي الليبي بأن يكون العزل السياسي عزل سلوك لا عزل أفراد، “السلوك الذي نرغب في عزله حماية للثورة هو أن يدعو أي إنسان إلى التمييز بين الليبيين في حقوقهم، فذلك ضد فكرة المساواة في المواطنة .. كذلك أي إنسان يدعو إلى تهميش منطقة أو قبيلة أو مدينة أو فئة إثنية لحساب فئة أخرى .. لأن هذه مبادئ إنسانية دعا إليها الإسلام ودعا إليها إعلان حقوق الإنسان وكل المواثيق الدولية والتي يجب أن تكون إطارا لثورتنا .. أما الذي يدعو إلى استعمال العنف وإلغاء الآخر من واقع ممارساته في النظام السابق كأن يكون سرق مال الليبيين أو قتل أو تصدى لثوار السابع عشر من فبراير أو انتهك عرضا أو مارس تعذيبا .. هذه ممارسات واضحة وسلوك .. والذي يعزل هو السلوك وليس الأفراد”.

ويختم حديثه مع “مراسلون” قائلا: “ما يتم الحديث عنه – في المشاريع المطروحة – يتم بناء على كلمة “من” شارك في كذا .. وبالتالي أنت تتحدث عن عزل أشخاص لا عن عزل سلوك، بينما يجب الحديث عن عزل سلوكيات بعينها ، وذلك يعني أن الخطر قد يكون موجودا الآن من أناس لم يكونوا في النظام السابق .. ممارسات تتم الآن هي خطر على الثورة .. يجب أن لا نفرق بين الأمرين ..”.

عبد الرحمن السويحلي: “صلّوا معنا لكن لا تؤمّوا بنا الصلاة!”  

رئيس تكتل “اﻻتحاد من أجل الوطن” عبد الرحمن السويحلي يمثل وجهة نظر أخرى. فهو يعتقد أن من حق الجميع المشاركة بشكل أو بآخر في مرحلة إعادة البناء، إلا أن الخلاف برأيه هو حول من يقود المرحلة القادمة لا من يشارك فيها، والمبدأ الذي ينتهجه السويحلي هنا يختصر كالتالي: “من كان جزءا من النظام السابق له أن يصلي معنا ولكن لا يؤم بنا الصلاة.”

السويحلي يؤكد أن مشروع قانون العزل السياسي مازال قيد النقاش ولم يحسم بعد، “نحن بدأنا حوارا واسعا مع كثير من قطاعات الشعب، ومع الكتل السياسية داخل المؤتمر الوطني، وأهمها حزب الجبهة الوطنية، وحزب العدالة والبناء، وأعتقد أننا الآن في طريقنا إلى وضع مسودة لمشروع قانون متكامل سيعرض على المؤتمر في وقت قريب.

وبخصوص أن إصدار القانون من شأنه أن يضر بعضا من أفراد الكتل التي يتشاور السويحلي معها، يقول: “نحن لم نتفق بعد على تفاصيل قانون العزل السياسي الذي أعتقد أنه من الممكن أن تكون له تسميات أخرى.. بعضهم يقترح أن يسمى “قانون تحصين الثورة”.. و أنا شخصيا أفضل تسمية قانون العزل السياسي باسم “قانون الوفاء للشهداء”.. لأننا يجب أن نكون أوفياء لهؤلاء الناس الذين قدموا أرواحهم وضحوا من أجل ليبيا .. وأعتقد أن من أهم مطالبهم ليس فقط التخلص من معمر القذافي وعائلته .. بل تخليص ليبيا بعد معمر القذافي من بقايا هذا النظام حتى تتاح الفرصة لوجوه جديدة تبني ليبيا بشكل جديد”.

إصلاح القضاء يحقق قانون العزل 

وفي رأي السويحلي يجب أن يستهدف العزل القيادات والرموز فقط، وكل من شارك مشاركة فعالة في إفساد الحياة السياسية في ليبيا، “أنا الآن لا أتحدث عن الكلام المروج في الإعلام عمن تلطخت أيديهم بالدماء أو سرقوا أموال الليبيين، فهذه قضايا جنائية ليس لها علاقة بالعزل السياسي مطلقا .. أنا أتكلم عن الذين شاركوا في الفساد السياسي”.

ويتابع “أنا في رأيي – وهذا سؤال مطروح على الشعب الليبي – ألم يشارك الأشخاص الذين كانت لهم مناصب وكانوا رموزا في النظام السابق مشاركة واضحة في إفساد الحياة السياسية وفي إطالة عمر النظام؟  والناس الذين علموا بما يجري في ليبيا من مظالم وجرائم وانتهاك لحقوق الإنسان وكانت لهم مناصب عالية في الدولة الليبية .. أليسوا مشاركين في هذه الجرائم ؟، هؤلاء الناس يجب الآن أن يبتعدوا عن الحياة السياسية لمدة تتراوح بين 5 و 10 سنوات”.

بعد انقضاء فترة العزل، يقول السويحلي أن  من حق المعزولين ممارسة السياسة، “لأننا نكون قد انتهينا من وضع أسس الدولة”.

ويوضح “خطورة هؤلاء الناس تكمن في أن عقلياتهم وممارساتهم وثقافتهم لا زالت مشبعة بعقلية وثقافة وممارسات النظام الدكتاتوري .. والذي اشتغل 30 سنة مع النظام إذا استمر في العمل في الدولة الليبية سيؤثر في القرار السياسي بهذه الثقافة”.

وفي السياق نفسه، يطالب السويحلي بالتعجيل في إصلاح القضاء الليبي، كإحدى السبل التي ستحسم الأمر على المدى الطويل إن لم يتم الاتفاق على مشروع القانون، ذلك أنه سيجعل الكثيرين ممن يخشون نبش الأوراق القديمة ينأون بأنفسهم عن خوض الحياة السياسية تلقائيا”.