يقترب علي بن سلامة اليوم من عقده التاسع الا انه لا يزال يانع الافكار وفي حماس بالغ من أجل ترسيخ المبادئ الكونية لحقوق الإنسان في تونس. يعتبره التونسيون رمزا من رموز النضال ضدّ الاستعمار الفرنسي ومن ثم ضدّ الدّكتاتوريّة في عهدي بورقيبة وبن علي. وهو لا يزال بعد ثورة 14 جانفي 2011، ينشط من أجل الحريات والحقوق بحيث يصفه الكثيرون بـ “شيخ المناضلين”.
أحكام بالإعدام
يقترب علي بن سلامة اليوم من عقده التاسع الا انه لا يزال يانع الافكار وفي حماس بالغ من أجل ترسيخ المبادئ الكونية لحقوق الإنسان في تونس. يعتبره التونسيون رمزا من رموز النضال ضدّ الاستعمار الفرنسي ومن ثم ضدّ الدّكتاتوريّة في عهدي بورقيبة وبن علي. وهو لا يزال بعد ثورة 14 جانفي 2011، ينشط من أجل الحريات والحقوق بحيث يصفه الكثيرون بـ “شيخ المناضلين”.
أحكام بالإعدام
ولد “عم علي” كما يطلق عليه أهالي مدينته بنزرت يوم 15 حزيران/جوان 1932، كان الثّالث في إخوته، ترعرع في عائلة متديّنة ومتواضعة، مات أباه سنة 1939 على إثر تعفّن ساقه جرّاء رصاصة “طائشة” من المستعمر الفرنسي.
ويعلق “عم علي” أنّ والده كان مواطنا بسيطا لم يشارك ولا مرّة في المظاهرات والمسيرات المناهضة للمستعمر، ومع ذلك فقد اعتبره “شهيدا”.
كانت أوّل شرارة في مسيرة “العم علي” وهو تلميذ، بمشاركته في مظاهرة مناهضة لوصول باخرة إسرائيليّة إلى ميناء بنزرت لنقل اليهود من الجهة إلى أرض فلسطين المحتلّة وذلك سنة 1947. وفي سنة 1950 طرد من المعهد بسبب مشاركته بالمسيرات المعادية للمستعمر الفرنسي.
قام “علي بن سالم” بتنفيذ عمليّات تفجير ضد مصالح الاستعمار الفرنسي في بنزرت بقنابل محليّة الصنع بمساعدة “الحبيب حنيني” الّذي كان يقوم بصنع هذه القنابل بالإمكانيّات المتواضعة الّتي كانت لديهم ويقوم “عم علي” بتنفيذ التّفجير في مواقع العسكر والبوليس الفرنسي “دون استهداف المدنيين”.
عندما كشف أمره وأمر رفاقه حكم عليه بالإعدام فلاذ بالفرار مع رفيقه المطلوب هو الآخر “محمد الصّالح البراطلي” وانتهى به الأمر إلى اللجوء إلى ليبيا حيث تلقّى تدريبا عسكريّا مع زملائه لمدّة ثلاث سنوات تحت إشراف “علي الزليطي”.
في سنة 1955 دخل بن سالم ورفاقه إلى تونس والتحق بعد ذلك بالمقاومة المسلّحة في الجبال التّونسيّة وكان ضدّ الاتّفاقيّات المبرمة حول الاستقلال الدّاخلي حاله كحال المناضل “صالح يوسف” الّذي كان لاجئا في أندونيسيا في تلك الفترة واعتبر أنّ الاستقلال الدّاخلي خطوة إلى الوراء ورفضه رفضا تامّا. ورغم توافق وجهات نظر عم علي والمناضل “صالح يوسف” إلاّ أنّه لم يكن يوما يوسفيّا كما أكّد لنا.
وفي 1956 جاء الاستقلال التّام وأصبح “الحبيب بورقيبة” أوّل رئيس للجمهورية التّونسيّة حيث عمل في تلك الفترة على تصفية أتباع “صالح بن يوسف”، أو من يعرفون بــ “اليوسفيين”، بالقتل والسّجن والنّفي وقام باغتيال المناضل “صالح بن يوسف” وقد طالت هذه الحملة “عمّ علي” نفسه باختطافه واغتيال زملائه.
سنوات السجن المظلمة
في سنة 1962 شارك عم علي وزملائه منهم “الزهر الشرايطي” -وجميع الأسماء الواردة من رموز الكفاح الوطني- في محاول انقلابيّة فاشلة ضدّ نظام حكم بورقيبة.
فحاول الهروب إلى الجزائر عبر المنطقة الحدوديّة الجزائريّة “ببّوش” إلاّ أنّه لم ينجح وفي 17 شباط/فيفري 1963 حكم عليه 20 سنة سجنا ودخل سجن “كرّاكة غار الملح” أو ما يعرف “بالزندالة” هو وزملائه مكبّلين إلى الحائط بالأصفاد.
في زنزانة “عنق الجمل” مات أحد رفاقه “الصحبي فرحات” وبعد ذلك نقل إلى سجن “برج الرّومي”، حيث قضّى 6 سنوات و8 أشهر في الظّلام الحالك تحت عمق 100 قدم مقيّدا بالسلاسل. وبعد مرور 8 سنوات في السّجن، يقول عم علي “وصلتني أوّل رسالة من عائلتي وتأثّرت جدّا عند سماع خبر وفاة زوجتي الأولى “منجية” الّتي كنت أحبّها كثيرا”. ويضف “كنت معتقلا بين أربعة جدران غير قادر على الإتيان بأي فعل”.
بعد مرور 11 سنة خرج عم علي من السّجن يوم 1 حزيران/جوان 1973 مع المراقبة الإداريّة لمدّة 10 سنوات. وبالرّغم من معاناته الكبيرة في السّجن إلاّ أنّه يعتبر عدوه السابق الحبيب بورقيبة “زعيما عظيما لم تنجب تونس مثله”، يقول في هذا الصدد “ليس هناك زعيم صالح وعظيم مثل بورقيبة إلى حدّ الآن” .
وبعد خروجه، واصل بن سالم العمل النّضالي والحقوقي بمشاركته في تأسيس فرع بنزرت للرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان سنة 1981 الّذي سخّر منزله كمقرّ لها.
محــــاولات اغتـــيال
في سنة 1987 انقلب الرئيس السابق بن علي على الزّعيم “الحبيب بورقيبة”، ونصب نفسه رئيسا للبلاد التّونسيّة بعد أن كان مديرا للأمن، وقد وصفه عم علي بـ “القاسي والمجرم” وبأنّه “إنسان لا يعترف بحقوق الإنسان”.
ضيق بن علي على رابطة حقوق الانسان، وفرض البوليس السّياسي حصار لصيق على منزل “عم علي”، “البوليس كان يحاصر منزلي بالتّناوب، ومنعت من الزّيارة إلاّ من قبل أبنائي”. رغم ذلك واصل عمّ علي نشاطه الحقوقي بدفاعه على الإسلاميّين فترة اضطهادهم وظلمهم في فترة التّسعيناتّ، كما دافع على اليساريّين المضطهدين: “كنت أدافع عن حقوق الإنسان بغضّ النّظر على انتماءاته السّياسيّة”.
وفي 26 نيسان/أفريل سنة 2000 تعرض الرجل وهو على مشارف الثمانين من العمر إلى محاولة اغتيال وذلك بخطفه والإعداء عليه بالضّرب الشّديد، إذ لم يشفع له تقدّم سنّه، فألقاه الخاطفون في غابة في حالة غيبوبة. وفي سنة 2005 تكرّرت محاولة اغتياله بمحاولة دهسه بالسّيّارة أمام منزله، لكنها لم تنجح.
وبالرّغم ممّا عاناه “عمّ علي” من سنوات سجن وقمع واعتداءات مختلفة إلاّ أنّ ذلك زاده إصرارا على متابعة عمله الحقوقي إلى حدّ الآن وذلك بالمشاركة في تأسيس الجمعيّة التّونسيّة لمناهضة التّعذيب مع “راضية النّصراوي” زوجة “حمّة الهمّامي” رئيس حزب العمّال.
أطاحت ثورة 14 كانون الثاني/جانفي 2011 بالدّكتاتور بن علي، إلاّ أنّ “عمّ علي” قال “لا أعتبرها ثورة بل هي انتفاضة شعب ساهم في تنحي بن علي ولا تزال أتباعه وأزلامه قائمة إلى حدّ الآن”. وهو يصرّ على وجوب “التّصدّي للظالمين” والدّفاع عن المظلومين “فالنّضال لم ينتهي فهو يتغيّر فقط حسب متطلّبات المرحلة”.
ربّما ما يقصده عمّ علي بن سالم هو آلة القمع الّتي عانى منها طويلا فــ “شيخ المناضلين” لا يزال مستعدّا للنّضال في أيّ زمان أو مكان.