جرى العرف الاجتماعي في الأوساط الريفية التونسية أن يكون الرجال قوامون على النساء. وذلك انطلاقا من وازع ديني وأحكام قانونية ومجتمعية. حيث تقتضي الأعراف أن يتحمل الرجل المسؤولية الاقتصادية في العائلة تدبيرا وتسييرا على أن تتولى المرأة شؤون البيت والمشاركة نسبيا في الأعمال التي قد توفر للأسرة دخلا إضافيا.

هذا العرف ينقلب إلى الضد في مناطق الشمال الغربي التونسي. نعم النساء، هنا، قوامات على الرجال لأنهن المسؤولات على تدبير الشؤون الاقتصادية في عائلاتهن. العائلة قد تفوق العشرة أفراد في بعض الأحيان.

انقلاب الادوار 

جرى العرف الاجتماعي في الأوساط الريفية التونسية أن يكون الرجال قوامون على النساء. وذلك انطلاقا من وازع ديني وأحكام قانونية ومجتمعية. حيث تقتضي الأعراف أن يتحمل الرجل المسؤولية الاقتصادية في العائلة تدبيرا وتسييرا على أن تتولى المرأة شؤون البيت والمشاركة نسبيا في الأعمال التي قد توفر للأسرة دخلا إضافيا.

هذا العرف ينقلب إلى الضد في مناطق الشمال الغربي التونسي. نعم النساء، هنا، قوامات على الرجال لأنهن المسؤولات على تدبير الشؤون الاقتصادية في عائلاتهن. العائلة قد تفوق العشرة أفراد في بعض الأحيان.

انقلاب الادوار 

النساء في أرياف باجة، في مناطق مثل السخونة والمخشبية ومغراوة والقوصة وجبل الشعرة وغيرها مطالبات بالعمل لإعالة العائلة بما فيها الزوج، حيث تتبدل الادوار. 

وتحافظ المرأة في ذات الوقت على دورها في القيام بالأعمال المنزلية من طهي وتنظيف وتربية الأطفال، في حين ينشغل الرجال بلعب الورق أو “الخربقة”، وهي من الألعاب التقليدية، وشرب الشاي في تجمعات صغيرة بالدكاكين شتاء أو تحت الأشجار صيفا .

قد نرى في الأمر غرابة في بادئ الأمر لكن بالعودة إلى النمط المجتمعي في هذه القرى الصغيرة نكتشف أن هذا النموذج يعد عرفا اجتماعيا تتوارثه الأجيال. 

هناء شابة في السادسة والعشرين من العمر متزوجة منذ سنتين لها طفل تقول أنها انقطعت عن التعليم في المرحلة الابتدائية  وهي لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها، عوّدتها والدتها من الصغر على الاعمال المنزلية، وقد امتهنت واتقنت كل الأعمال الفلاحية من جني الزيتون والرعي بالأغنام وازالة الأعشاب الطفيلية من مزارع الثوم وعباد الشمس وغيرها .

وضع هناء ليس شاذا في قريتها، حيث قلة قليلة فقط من الفتيات يواصلن التعليم أما البقية فيلتحقن بمصاف من سبقنهن من الأقارب والأتراب في العمل الفلاحي الموسمي، ويشاركن أمهاتهن في توفير متطلبات العيش.

وتتقاضى هناء عن عملها أجرا يختلف حسب المواسم لكنه لا يتجاوز على أقصى تقدير 15 دينارا  يوميا أي ما يقارب 10 دولارات.

هناء تقول أنها تبدأ يومها منذ الخامسة صباحا باعتبار أن مشغّلها ينقلها يوميا هي وزميلاتها من مكان سكنهم إلى ضيعته في حدود السادسة والنصف في الجرار، لتعود إلى البيت مع الساعة الخامسة بعد الزوال، أي عندما تبدأ مرحلتها الثانية مع الشغل في البيت.

في المقابل تؤكد الشابة  أن زوجها يقضي يومه متنقلا بين الضيعات إما للقيام بأعمال خفيفة مقابل أجر زهيد يدخره لنفقاته الخاصة أو في الحديث مع أترابه بدكان الحي.

 لكنها لا ترى في الأمر غرابة لأنها تربت على هذه العادات منذ نعومة أظفارها، رغم أنها مقتنعة أن الوقت قد حان لتتغير هذه العقلية، “لأن غلاء المعيشة صار يفرض مشاركة الرجل في إعالة ذويه”.

 حياة بلا عطل

فاطمة التي خطت السنين على وجهها خارطة من التجاعيد وهي لم تتجاوز الأربعين، تقول لـ”مراسلون” أنها بدأت حياتها ” المهنية” في سن مبكرة  فقد كانت منذ الصغر تساعد والدتها على تمليس الطين وصنع أواني الفخار التقليدية في الوقت الذي كان أترابها من أهل المدينة يتمتعون بطفولتهم.

تواصل فاطمة رواية رحلتها مع العمل مؤكدة أنها لم تتمتع بيوم راحة واحدة فقد كانت هي وأمها وأختها تعيلان عائلة تتكون من ثمانية أفراد بعد أن تمسكت بأن تواصل بقية شقيقاتها دراستهن. في المقابل تقول “كان والدي يكتفي إما بجلب الطين الذي تستعمله والدتي من الجبل أو ببيع المنتوج في السوق الأسبوعية كل يوم ثلاثاء”.

وتشير فاطمة إلى أنها ليست استثناء وأنها واحدة من مئات النساء اللاتي كتبت عليهن أن تكن في الصفوف الأمامية “للشقاء” سواء في ريفهم أو في المدينة. وتقول أن صديقاتها اللواتي انتقلن إلى العاصمة عملن خادمات في المنازل.

والمؤلم بحسب هذه السيدة أن المرأة الريفية تتعرض للاستغلال في كل الحالات، لأن ما تتقاضاه من راتب يومي أو أسبوعي لا يتناسب بالمرة وطبيعة العمل المطلوب منها. كما أن قلة قليلة من المؤجرين يلتزمون بقوانين التغطية الاجتماعية، وهو ما يجعل النساء مجبرات على العمل إلى آخر رمق في حياتهن في غياب الضمانات التي تسمح لهن بالتمتع بمنحة شيخوخة أو بنظام التأمين على المرض.

وهنا تتدخل والدتها الحاجة عائشة التي تختزل تجربتها تاريخ المنطقة التي تعيش فيها، وتقول لـ”مراسلون” أنها عايشت ثلاثة أجيال واكبت خلالها تطور الحياة الاجتماعية في الأرياف ، فعلى عهدها كان معظم النساء يشاركن الرجال في الأعمال الفلاحية ويقضين في المقابل بقية الوقت في الأعمال المنزلية لكن منذ سبعينات القرن الماضي ومع بداية تجربة التعاضد في تونس (تجربة اشتراكية اعتمدت بعد الاستقلال ولم تعمر طويلا) تغير الهرم الاجتماعي في الأرياف لينقلب رأسا على عقب.

وخلال السبعينات، هجر الرجال العمل الفلاحي ونزحوا إلى المدن الصناعية والساحلية بحثا عن الكسب الوفير، لتجد المرأة نفسها مجبرة على أخذ مكانه للمحافظة على الأرض فتحولت تدريجيا على مدى الأربعين عاما الماضية من شريكة إلى فاعلة حقيقية وكان في المقابل دور الرجل يتراجع فأصبحت بفضل ما اكتسبته من خبرة في كل الميادين تعيله ولا يعيلها.

ضحايا منوال التنمية 

يفسر المختص في علم النفس الاجتماعي الاستاذ سنيم بن عبد الله هذه “الظاهرة” بأنها نتاج منوال التنمية الخاطئ الذي أفرغ الأرياف من محتواها وهمش القطاع الفلاحي مما جعل الذكور يهجرون الأرياف إما لطلب الرزق في المدن الصناعية والساحلية أو التقاعس عن العمل بسبب ضعف المردودية المادية للأعمال الفلاحية التي قد يعتبرها “الذكر” استنقاصا من رجولته وحطا من قيمته .

وأمام التخلي عن الأعمال التي تستنقص من قيمة ورجولة ذكور بعض الأوساط الريفية تجد النساء أنفسهن حسب الخبير في علم النفس الاجتماعي مجبرات على القيام بالمهام الرجالية لتدخل هذه الاعمال تدريجيا في خانة اختصاصات المرأة، وهو ما يجعل النساء يكتسبن استقلاليتهن المادية وبالتالي استقلالية القرار رغم العادات الريفية التي تفرض عليها تبعية الرجل في أدق تفاصيل حياتهن.

هذه الظاهرة يعزوها أيضا الباحث سنيم بن عبد الله إلى تشجيع الجمعيات التنموية التي تسند قروضا صغيرة للنساء دون غيرهم باعتبارهنّ “أكثر جدية في العمل وأكثر التزاما في تسديد أقساط القروض مما يجعلهن في مراتب متقدمة على الرجل في المشاركة الاقتصادية”.