في ساعة متأخرة من ليلة مضنية، اضطرت “عائشة” للإنجاب داخل سيارة زوجها، بعد رحلة طويلة طرقت فيها أبواب معظم مستشفيات طرابلس التي رفضت إيواءها، بحجّة عدم توفر “حاضنة” شاغرة لوليدها الذي قد لا يولد بصحة جيدة.

“عائشة عبد الرحمن” التي تقطن وسط طرابلس، لم تكن أقل حظاً من زوجة “عبدالله محمد” التي فقدت مولودها بعد مضي ساعات قليلة على ولادته، عندما استجابت لطلب الأطباء بترك مستشفى “الجلاء” للأطفال الذي يعاني نقصاً في حاضنات المواليد، وتوجهت إلى “مركز طرابلس الطبي”، حيث قضت ساعات طويلة رفقة زوجها، يترقّبان خبر الحصول على حاضنة، حتى مات طفلهما بين يديها.

في ساعة متأخرة من ليلة مضنية، اضطرت “عائشة” للإنجاب داخل سيارة زوجها، بعد رحلة طويلة طرقت فيها أبواب معظم مستشفيات طرابلس التي رفضت إيواءها، بحجّة عدم توفر “حاضنة” شاغرة لوليدها الذي قد لا يولد بصحة جيدة.

“عائشة عبد الرحمن” التي تقطن وسط طرابلس، لم تكن أقل حظاً من زوجة “عبدالله محمد” التي فقدت مولودها بعد مضي ساعات قليلة على ولادته، عندما استجابت لطلب الأطباء بترك مستشفى “الجلاء” للأطفال الذي يعاني نقصاً في حاضنات المواليد، وتوجهت إلى “مركز طرابلس الطبي”، حيث قضت ساعات طويلة رفقة زوجها، يترقّبان خبر الحصول على حاضنة، حتى مات طفلهما بين يديها.

يروي “عبدالله محمد” لـ”مراسلون” ماحدث لزوجته قائلاً “أنجبت زوجتي في مستشفى “الجلاء” للأطفال، إلا أن الأطباء طلبوا منا نقل المولود إلى مركز طرابلس الطبي، لحاجته إلى تنفس اصطناعي”، وبعد مضي وقت غير قصير أمام غرفة العناية المكتظة بعشرات الحالات المماثلة، حسب “عبدالله”، فارق الطفل الحياة على مرأى أمه المكلومة.

واقع مرير

واقع المستشفيات الليبية الآن كما تؤكده الشواهد، ليس وليد المرحلة، فبحسب روايات العاملين في قطاع الصحة عموماً، هو ميراث سنين طويلة من الإهمال والتسيب الذي أجبر الليبيين منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي على السفر إلى “تونس” كلما دعتهم الحاجة، يقصدون مستشفياتها بحثاً عن أجواء صحية تضمن لهم ما يكفي من العناية في ظروف آمنة.

يقول “عادل المشري”، المناوب الإداري بقسم الولادة في “مركز طرابلس الطبي” في حديثه لـ”مراسلون”، إن المركز الطبي ليس بأفضل حالاً من بقية مستشفيات ليبيا، ويؤكد أن قسم الولادة بالمركز يشكو قلة حاضنات الأطفال، واصفاً مايتوفر منها بـ”القديم، منتهي العمر الافتراضي”.

 كما يوضح أن العجز في الإمكانيات كبير داخل المستشفى الذي يستقبل الأطفال حديثي الولادة من مستشفيات أخرى داخل وخارج العاصمة، و”الاطباء يعانون الأمرّين لإنقاذ حياة مولود”، حسب قوله، وذلك بسبب نقص حاضنات الأطفال، وعدم توفر المعدات والتجهيزات اللازمة داخل أقسام المستشفى.

ولهذا، إلى جانب ارتفاع أسعار العيادات الخاصة بالنساء والولادة التي تضاعفت تكاليفها، كما يقول “المشري”، وعدم توفر أخصائيي أطفال ضمن أطقم المستشفيات، تضطر العائلات الليبية، للتوجّه إلى عيادات تونس. 

أهالي غاضبون

أثناء جولة “مراسلون” داخل قسم الولادة بمركز طرابلس الطبي، شرحت الطبيبة “ابتسام” الظروف السيئة التي تعكس مرارة واقع الصحة في ليبيا عموماً، حيث روت أن الغرفة المجهّزة لعناية المواليد الجدد لا تحتمل سوى عدد قليل من الحاضنات، بينما يستقبل المستشفى عدداً هائلاً من الحالات القادمة من طرابلس وخارجها.

 مما يضطر الطبيب المناوب لاستغلال المسافة الفاصلة بين حاضنة وأخرى، لوضع واحدة إضافية، مؤكدة أن هذا الإجراء من شأنه أن يعرِّض الأطفال لخطر نقص الأكسجين.

تقول “ابتسام” لـ”مراسلون”، إن قلة التجهيزات والحاضنات تحديداً، تعرض العاملين في المستشفى للكثير من المشاكل مع ذوي الأطفال، حيث تروي حادثة تعرضها شخصياً للاعتداء من قِبل عائلة لم يقتنع أفرادها بأن جميع الحاضنات مشغولة بحالات مشابهة لحالة مولودهم، الذي تصفه بالقول “لا ذنب له سوى أنه وُلد في ظروف سيئة”.

حاضنة لمولودين

ومن جهتها تقول الطبيبة “فاطمة” من نفس القسم، “نضطر في أحيان كثيرة، لوضع أكثر من مولود في ذات الحاضنة”، مشيرة إلى أن  قسم النساء والولادة يشهد ازدحاما كبيراً كل يوم، وخصوصاً في فترة المساء.

وتوضِّح “فاطمة” لـ”مراسلون” أن القائمين على هذا القسم يحاولون من خلال زيادة عدد الحاضنات داخل الغرفة الواحدة إنقاذ عدد أكبر من الأطفال المحتاجين لعناية خاصة، إلا أن هذا الإجراء كما تؤكد “ينْجُم عنه نقص كمية الأكسجين داخل الصمّامات المقسّمة على عدد محدد من الحاضنات”.

وتضيف “ما يُقلق حقيقةً هو انتهاء العمر الافتراضي للحاضنات داخل مركز طرابلس الطبي، فهي قديمة وتفتقر في أحيان كثيرة للتعقيم الصحيح نتيجة لكثرة الطلب عليها”.

كما تلفت “فاطمة” إلى عدم صلاحية صمامات الأكسجين المجهزة لاحتمال قدرة استيعابية محددة، وبالرغم من ذلك، كما تؤكد “فاطمة”، فقد بلغ عدد الحاضنات في  حجرة العناية الفائقة 17 حاضنة،  في حين أنها مجهّزة لاستقبال 12 حاضنة فقط.

حلول سريعة

عقب سماعنا لهذه الحقائق حملناها معنا متوجهين إلى “وزارة الصحة”، التي لم يُنكر وكيلها “عادل بوشوفة” حقيقة سوء الوضع، بل أكد بأن هذا هو حال الوزارة بشكل عام.

يقول”أبو شوفة” لـ”مراسلون” إن وزيرة الصحة السابقة “فاطمة الحمروش” كانت على اطلاع بكل المشاكل التي تعاني منها المستشفيات في طرابلس وغيرها، وإنه يحتفظ بنسخ من المراسلات العديدة التي وجهها إليها بهذا الخصوص.

وفيما يتحسر على ما آل إليه وضع قطاع الصحة الليبي مقارنة بالإمكانيات المتاحة، ينفي أن تكون هناك أي إجراءات اتخذت في الوقت الحالي لوضع حلول حقيقية لمشكلة نقص حاضنات الأطفال بأقسام الولادة.

وذلك باستثناء اتفاقات عقدت مع بعض الشركات لتجهيز حاضنات داخل مركز طرابلس الطبي، والتي سيتم توفيرها بشكل مؤقت، في محاولة لوضع حلول سريعة لحل هذه الأزمة القائمة .

“عائشة” التي أنجبت مولودتها البكر داخل سيارة زوجها، قررت اليوم فتح حساب خاص لتوفير تكاليف عمليات الإنجاب في المستقبل، خوفاً من تكرار المحنة ذاتها، وحرصاً منها إذ لم تعد تثق في حرص الدولة، على سلامتها وسلامة أطفالها.