حتى قبل أن يذهب المصريون إلى لجان الاقتراع على الدستور الجديد، كانت الحقائق التالية واضحة: الدستور لم تكتبه جمعية متوازنة سياسيا أو اجتماعيا، الموافقة على مواد الدستور تمت من خلال تصويت أعضاء تيار سياسي واحد، النسبة المطلوبة للموافقة الشعبية في الاستفتاء هي فقط 50 بالمئة زائد واحد، ولا يشترط الاستفتاء حدا أدنى من مشاركة من لهم حق التصويت.


حتى قبل أن يذهب المصريون إلى لجان الاقتراع على الدستور الجديد، كانت الحقائق التالية واضحة: الدستور لم تكتبه جمعية متوازنة سياسيا أو اجتماعيا، الموافقة على مواد الدستور تمت من خلال تصويت أعضاء تيار سياسي واحد، النسبة المطلوبة للموافقة الشعبية في الاستفتاء هي فقط 50 بالمئة زائد واحد، ولا يشترط الاستفتاء حدا أدنى من مشاركة من لهم حق التصويت.
لم يعن ذلك سوى التالي: جماعة الإخوان المسلمين كتبت الدستور، الجماعة نفسها صوتت على مواد الدستور، الجماعة حشدت أنصارها للموافقة الشعبية على الدستور، ومن ثم فإن “دستور الإخوان” كما أطلقت عليه الصحافة المصرية هو اسم على مسمى.
على الرغم من كل ما سبق، فإن نتيجة المرحلة الأولى للاستفتاء، 56 بالمئة “نعم” مقابل 44 بالمئة “لا”، جاءت صدمة حقيقية للجماعة كما بدا في  إعلامها وردود أفعال قياداتها، خيّم الصمت على مقرات الجماعة بدلا من الاحتفالات المعهودة التي تقيمها كلما حققت نصرا في “غزوة” انتخابية، تبخرت الوعود الواثقة التي استبقت الاستفتاء بأن الشعب سيوافق بنسبة تفوق السبعين في المئة على الأقل “من أجل الاستقرار” و “تحديا للفلول”، بدلا من ذلك استدعى أنصار الجماعة من سياسيين وإعلاميين نتائج استفتاءات أجنبية وافق أصحابها على الدستور بنسب طفيفة، لكن ذلك سرعان ما ارتد على الجماعة نفسها لأن الخبراء اكتشفوا أن النماذج المعنية هي لاستفتاءات سرعان ما سقطت شعبيا، وأخرى تبين أنها مزيفة تماما.
الفارق الطفيف بين “نعم” و”لا” في نتيجة المرحلة الأولى، ساهم في منح المصداقية للمعارضة التي طالبت أولا بإيقاف الاستفتاء، ثم بمقاطعته شعبيا، قبل أن تقرر في آخر لحظة الحشد لرفض الدستور بعدما تبينت أن الجماعة ماضية في طريقها لإقراره، النتيجة الطفيفة ونسبة المشاركة المنخفضة (30 بالمئة ) ساهمت أيضًا في دعم اتهامات التزوير والانتهاكات والتعطيل العمدي لمراكز الاقتراع المعروفة بدعمها للمعارضة، خاصة في ظل غياب الإشراف القضائي الكامل بعد مقاطعة “نادي قضاة مصر” ومعظم وكلاء النيابة للرقابة على الاستفتاء، فضلا عن حصار المحكمة الدستورية العليا من قبل أنصار جماعة الإخوان المسلمين، أكدت النتائج صدق زعم المعارضة بأن الدستور غير توافقي ولا يعبر عن المصريين، لأن النتيجة المنقسمة بالنصف تقريبا تعني أن الدستور المقترح لا يحقق الغرض الأساسي من أي دستور، أي التوافق الشعبي.
ضربة معنوية أخرى تلقتها الجماعة بأن خسرت الاستفتاء في القاهرة، الخسارة في العاصمة بفارق حوالي 14 نقطة مئوية : 57 % ( لا) مقابل   43 % (نعم)، تعني أن الجماعة ستواجه وقتا عصيبا في معقل الحكم بالمدينة الأكبر في الشرق الأوسط، ومركز السياسة والإعلام والقضاء، ويعني أن الاعتصامات عند قصر الاتحادية سوف تستمر، فضلا عن خسارة “نعم” في محافظة الغربية، حيث تقع مدينة المحلة صاحبة الدور المحوري في الثورة المصرية، كما أن النتائج المتقاربة في بقية مدن الدلتا المعقل التاريخي للجماعة، لم تترك لها سوى أن تحقق فوزها في الصعيد، أفقر مناطق الجمهورية وأقلها تمتعا بالرعاية وأكثرها معاناة من الأمية والصراعات الطائفية وانتشار الجماعات المتشددة، ما ساهم إجمالا في أن تبدو الجماعة وقد خسرت على مستويين: الأول “جغرافي” بتراجعها في معاقلها في ريف الدلتا، والثاني “طبقي بفقدانها” نفوذها لدى الطبقة الوسطى.
وكان المتابعون قد لاحظوا أن مظاهرات المعارضة خصوصا عند قصر الإتحادية في مصر الجديدة، تكاد تمثل تعريفًا منهجيا لمصطلح “الطبقة الوسطى المدينية”، التي يبدو أنها شعرت لأول مرة أن نمط حياتها معرض لتهديد حقيقي، وهو ما عبر عنه آخرون بـ “حرب الريف ضد المدينة”، وحاول البعض أن يجد تأصيلا ماركسيا تبدو فيه الجماعة ممثلة للفقراء ضد البرجوازية، لكنه تفسير يتجاهل أمرين أساسيين، فهو يستبعد غلبة الطابع الهوياتي للصراع، ويتجاهل ما يبدو واضحا من كون الجماعة لا تمثل الفقراء، بل تستغلهم لمصلحة برجوازيتها الخاصة التي تعتنق أشد درجات النيوليبرالية الاقتصادية تطرفا، لدرجة أنها بادرت بخطوات رفع الدعم والضرائب على السلع بصورة – وسرعة-  لم يجرؤ عليها نظام مبارك نفسه.
إجمالا، ووفقا لحساب بسيط لنتائج المرحلة الأولى، فإن “دستور الإخوان” لن يمر بأغلبية كبرى إلا لو حققت الجماعة انتصارا ساحقا يلامس المئة في المئة في الجولة الثانية، وهو أمر شبه مستحيل إلا بتزوير هائل، ويعني ذلك أن “الاستقرار” الذي تنشده الجماعة لن يأتي قريبا في جميع الأحوال، وهو فشل إضافي سوف يضاف فورا إلى الحساب المتثاقل الرئيس مرسي.