كمال الجندوبي، اسم لمع في الساحة السياسية التونسية، فهو رئيس الهيئة العليا السابقة للانتخابات اكتوبر/تشرين أول 2011، والمرشح الأبرز لترأس الهيئة القادمة، ويحظى بإجماع جميع الفرقاء، لكنه اليوم يتعرض لحملة تشكيك بلغت حد التلويح برفع قضية ضده بتهمة إهدار المال العام. هذه الحملة التي تزامنت مع مناقشة المجلس التأسيسي للقانون المحدث للهيئة اعتبرت بالنسبة للبعض مؤشراً على تراجع الائتلاف الحاكم عن التوافق على شخصية الجندوبي كرئيس للهيئة الدائمة للانتخابات.

في هذا الحوار مع موقع “مراسلون” يدحض كمال الجندوبي التهم الموجهة ضده ويبيّن موقفه منها.

كمال الجندوبي، اسم لمع في الساحة السياسية التونسية، فهو رئيس الهيئة العليا السابقة للانتخابات اكتوبر/تشرين أول 2011، والمرشح الأبرز لترأس الهيئة القادمة، ويحظى بإجماع جميع الفرقاء، لكنه اليوم يتعرض لحملة تشكيك بلغت حد التلويح برفع قضية ضده بتهمة إهدار المال العام. هذه الحملة التي تزامنت مع مناقشة المجلس التأسيسي للقانون المحدث للهيئة اعتبرت بالنسبة للبعض مؤشراً على تراجع الائتلاف الحاكم عن التوافق على شخصية الجندوبي كرئيس للهيئة الدائمة للانتخابات.

في هذا الحوار مع موقع “مراسلون” يدحض كمال الجندوبي التهم الموجهة ضده ويبيّن موقفه منها.

س: هناك حملة متواصلة ضدك وضد الهيئة تتهمك بإهدار المال العام. ما تعليقك على ذلك؟

ج: أولاً ليست هناك قضية ضدنا، ولا علم لي، ولا لمحامي الهيئة بأن هناك قضية أثيرت ضدنا. كل ما هنالك، مجرد إشاعات لخلق نوع من الشكوك بغية تهديدي؛ ولكن هذا لن يؤثر علي ولا على الهيئة، فتوجيه الاتهامات والقدح للهيئة ومسؤوليها يعدان تشهيراً سنواجهها قانونيا. وسنرفع قضية ضد كل من يشهّر ويقدح في نزاهة الهيئة باطلاً وبُهتانا دون أن يمتلك دليلاً.

س: ما هو الهدف من هذه الحملة؟

ج: هو التشكيك بنزاهة الهيئة ورئيسها وأعضائها، وإذا وضعناها في إطارها المتمثل في مناقشة المجلس الوطني التأسيسي لقانون الهيئة الدائمة للانتخابات، نفهم انعكاسات هذه الحملة الموجهة ضدنا بعد أن تم بث أخبار كاذبة ومفبركة مستندة إلى وثيقة، ضمن تقرير أولي أعدته دائرة المحاسبات (هيئة رقابية) سُمح بتسريبها في فترة معينة.

س: من سرّب هذه الوثيقة؟

ج: ليس بإمكاني الجزم بمن كان وراء ذلك، ولكن ما أعلمه أن هذه الوثيقة عرضت للنقاش في مجلس وزاري، وفي لقاء لتنسيقية الترويكا الحاكمة أيضاً. وبالنسبة إلى الهيئة فإن هذه الوثيقة لم تسلم لنا بصفة رسمية، بحيث تم وضع نسخة منها على مكتبي دون اتباع الإجراءات المتعارف عليها.

س: ألا ينعكس التشكيك بنزاهة تسيير الانتخابات على نزاهة نتائجها؟

ج: هذه المفارقات ومناخ التشكيك الافتراضي ضدنا تجعل من المنطقي التساؤل عن الأغراض الخفية لمثل هذه الاتهامات، فإن كانت إدارة الانتخابات فاسدة وكانت الهيئة التي أشرفت على هذه الانتخابات فاسدة وأهدرت المال العام ولم تحترم القانون وتصرفت بطريقة يعاقب عليها القانون، فكيف يمكن لها أن تدير عملية انتخابية نزيهة وشفافة من قبل هيئة ورئيس يتهم بالفساد؟ رغم أن كل الأطراف الدولية والوطنية، بما فيها أحزاب هي اليوم في السلطة، اعترفت أنها انتخابات نزيهة وشفافة. إن هذا يثير شكوك الناس. وأنا أظن أن الهدف من هذه الحملة ضدنا ليس التشكيك بمسؤولي الهيئة وأعضائها، بل هو تشكيك وقدح في نتائج الانتخابات وفي الثقة التي منحها التونسيون للهيئة، وهذا أمر واضح؛ إلا أن بعض من يشن هذه الحملة غير واعٍ لذلك.

س: هل تعتبر إقحامك في التجاذبات السياسية هو هدف من أهداف هذه الحملة؟

ج: إن الفخ الذي يريدون أن يضعوا فيه الهيئة هو التجاذبات السياسية والمزايدات، يريدون أن يقحمونا في جدل بخصوص قضايا هي بالأساس بعيدة عن انشغالات التونسيين. أنا أعتبر أن هذه الحملة هي من أجل إلهاء التونسيين. ولست أقول هذا من منطلق رفض المحاسبة والمساءلة، نحن نرفض توظيف الوثيقة المسربة لإثارة شبهة وتوجيه اتهامات دون سند. وعكس ما أوحى به البعض ليست هناك سرقة، وهذا ما قاله المقرر العام لهيئة الخبراء الذي نفى حدوث سرقات.

س: تضمنت الوثيقة المسربة عدداً من الملاحظات، هل أعددتم تقريراً للإجابة عنها؟

ج: أولاً: عندي قناعة بأن التقرير النهائي لهيئة الخبراء لن يتضمن الكثير من الملاحظات الواردة في الوثيقة، ونحن سنقدم إجابتنا عن فحوى الملاحظات المذكورة في الوثيقة، خصوصاً أن جزءاً منها يتضمن معطيات خاطئة وغير سليمة. كما أننا سنعتمد على مبدأ المواجهة في تقويم تلك الملاحظات، خصوصاً تلك التي تتسم بصبغة إجرائية، ولم يؤخذ بعين الاعتبار الظرف العام للبلاد لدى استخلاصها.

كما أننا سنجيب عن بعض الملاحظات الشكلية المقدمة، ومنها المتعلقة بحفل تكريم عائلات الشهداء والجرحى، فإن كان هناك من يعتبر أن تكريم أسر شهداء وجرحى الثورة ليس من مهام الهيئة، فنحن نعتبر أنه من مهامنا، وسنقدم بياناً لبعض المصاريف. وهو ما أخذه المشرع بعين الاعتبار، بأن أعفانا من إجراءات الصفقات العمومية، نظراً للظرف الذي فرض علينا أن نسرّع في نسق عملنا، ولكن رغم هذا فقد حاولنا أن نلتزم بمبادئ حسن التصرف والاقتصاد.

س: هل سيتمكن الائتلاف الحاكم من إجراء انتخابات في موعدها المحدد (23 يونيو/حزيران 2013)؟

ج: نظرياً هناك الكثير من الأشياء الممكنة، ولكن عملياً لا يمكن أن تجرى الانتخابات في الموعد المحدد من قبل الترويكا. ويجب أن نعرف ماهية الانتخابات القادمة ونحدد طبيعتها إن كانت رئاسية أو تشريعية. ثانياً يجب أن يكون هناك قانون انتخابي يحدّد الرزنامة الانتخابية والآليات التي ستعتمد في الانتخابات، إضافة إلى ضبط قواعد اللعبة الانتخابية، ونحن اليوم ليس لدينا قانون انتخابي، ولا نعلم متى سيكون لنا قانون انتخابي. الكل يعلم جيداً أن صياغته تستوجب مدة زمنية طويلة، لأن القانون يعالج رهانات ومشاكل كبرى متعلقة بصيغة التصويت وبتقسيم الدوائر الانتخابية وبشروط الترشح وغيرها من التفاصيل.

هذا دون أن نغفل عن ضرورة توفير بنية تحتية للانتخابات، من إرساء الهيئة وتحديد مراكز التصويت، نحن مجبرون نتيجة لإفراغ الهيئة الحالية على إعادة تركيزها من نقطة البداية، عكس ما يقال ويظنه البعض لا يمكن أن تعود الهيئة بكبسة زر؛ فهي اليوم تحتوي على نواة صغيرة جداً أبقينا عليها. ورغم أن هذه الحكومة لم تقدم ولو مليماً واحداً لتمويلنا، حافظنا على المقرات بما تبقى لنا من الميزانية السابقة. علماً أن كل أعضاء الهيئة عادوا إلى مراكز عملهم السابقة ومن تبقى هم متطوعون مثلي، منذ 01/01/2012 ونحن قبلنا ذلك. ولك أن تتخيل أن هيئة عمومية يترأسها متطوع ويُراد منها أن تكون هيئة تقليدية تخضع للقواعد التقليدية، أنا لست ضد التقييم، ولكن يجب أن يكون التقييم لاستخلاص الدروس وليس لتوجيه التهم.

س: ما هي المدة الزمنية وفق تصوركم؟

ج: نحن نتصور أن هذا يتطلب ما بين 8 و10 أشهر على أقل تقدير، فقد خسرنا بعض المكاسب المحققة ومنها موظفي الهيئة، الذين لن تكون عملية انتدابهم سهلة في هذه الظروف التي تعتبر أصعب من ظروف الانتخابات السابقة.

س: ما هي الملاحظات التي قدمتموها للقائمين على صياغة القانون المحدث للهيئة؟

ج: قدمنا للمجلس التأسيسي ملاحظاتنا إثر مرور 10 أشهر على الانتخابات، وقدمنا في جلسة استماع مقترحاتنا التي يمكن أن نلخصها في ثلاثة عناصر: الأول هو العمل بمبدأ التواصل، وليس فيما يتعلق بالنص والتوصيات فحسب، بل كذلك من ناحية الموارد البشرية، دون أن نحدد درجة هذا التواصل وتركناه مفتوحاً للنقاش، إضافة إلى التواصل في صلاحيات الهيئة ومهامها. والمقترح الثاني يتعلق بالمسائل التنظيمية للهيئة، وضبط صلاحيات كل هيكل بوضوح، التي على أساسها ستتم المساءلة والمحاسبة. فضلاً عن ضرورة تحديد شكل التنظيم المحلي للهيئة وخلق إطار للهيئات المحلية، إضافة إلى النقاط المتعلقة باستقلالية الهيئة المالية والإدارية.

س: هل ستحول هذه الصعوبات دون إجراء الانتخابات في سنة 2013؟

ج: إذا تمكنا من سن قانون انتخابي يضبط رزنامة انتخابية سينعكس ذلك على الموعد المقترح من قبل الترويكا، التي كان عليها ألا تعلن عن تحديدها موعداً انتخابياً دون الإعداد المسبق له. وهو ما يعني وجود رؤية مغايرة للانتخابات تخالف رؤيتنا نحن لها، والتي نريدها أن تكون على الأقل في مستوى انتخابات 23 اكتوبر/تشرين أول.

باختصار لا نستطيع الحديث عن إجراء انتخابات دون توفر المثلث الانتخابي المتكون من قانون انتخابي يحدد قواعد اللعبة، وقانون أحزاب يضبط آليات تمويل الأحزاب والاطار الإعلامي، إضافة إلى شرط الأمن.

س: بالحديث عن التوافق هل سيكون للحملة ضدك انعكاس سلبي على الرزنامة، خصوصاً وأنك كنت محل توافق جميع الأطراف السياسية؟

ج: إن نجح الفاعلون السياسيون في الحكومة وفي المعارضة في إيجاد توافق حول شخصي، فلا أظن أنه سيؤثر. أما بخصوص الحملة الموجهة ضدي فإن كانت تستهدفني للتراجع عن ترشيحي لرئاسة الهيئة فهذا ما سنكتشفه، وشخصياً لم أطلب أن أكون الرئيس الدائم للهيئة، وإن كنت مستعداً لتحمل هذه المسؤولية، فإني لن أقبلها في ظل أية ظروف، فأنا لي تقديري للأشياء ولي رأيي بخصوصها. وإذا لم تتوفر الشروط التي تضمن الحفاظ على ثقة التونسيين في الهيئة الانتخابية فلن أتفاعل معها.