على عكس الصورة النمطية التي رسمت لهم، يحاول الداعون إلى تطبيق النظام الفيدرالي في شرق ليبيا أن يجددوا حراكهم على الساحة السياسية، بخطاب أكثر هدوءاً وبشعارات أقل استفززاً.

ففي الثاني من نوفمبر العام الحالي خرج الفيدراليون أو (الاتحاديون) كما أصبحوا يطلقون على أنفسهم – رداً على من يتهمهم بأنهم دعاة انفصال –، في مظاهرة هي الأولى بعد انتخاب المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، للمطالبة بإنهاء المركزية، وتأييد حكومة الدكتور علي زيدان الوليدة.

على عكس الصورة النمطية التي رسمت لهم، يحاول الداعون إلى تطبيق النظام الفيدرالي في شرق ليبيا أن يجددوا حراكهم على الساحة السياسية، بخطاب أكثر هدوءاً وبشعارات أقل استفززاً.

ففي الثاني من نوفمبر العام الحالي خرج الفيدراليون أو (الاتحاديون) كما أصبحوا يطلقون على أنفسهم – رداً على من يتهمهم بأنهم دعاة انفصال –، في مظاهرة هي الأولى بعد انتخاب المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، للمطالبة بإنهاء المركزية، وتأييد حكومة الدكتور علي زيدان الوليدة.

لم تكن المظاهرة التي خرجت في بنغازي (معقل الفيدراليين الرئيس) كسابقاتها، فبحسب الصحفية انتصار البرعصي “خفت نبرة المتظاهرين وغاب عن شعاراتهم التي  نددت بالمركزية الكثير مما اعتُبر دعوة إلى انفصال إقليم برقة”.

حلة جديدة

[ibimage==3729==Small_Image==none==self==null]

علم برقة مع العلم الأمازيغي

وفي حين رفرف علم الاستقلال الليبي وسط ساحة التظاهر، حمل بعض المتظاهرين أعلام الأمازيغية، جنباً إلى جنب مع علم برقة – ذي اللون الأسود الموشى بنجمة وهلال أبيضي اللون –. 

أثارت الأعلام الأمازيغية المرفرفة في المظاهرة استغراباً لدى المتابعين، بدده تصريح بلقاسم النمر رئيس اللجنة التأسيسية بالتكتل الوطني الاتحادي لـ”مراسلون” عن افتتاح فرع للتكتل في مدينة زوارة (أقصى غرب البلاد)، ذات الأغلبية الأمازيغية.

النمر أكد أيضا أنه تم استبدال كلمة (الفيدرالي) التي “أخافت الناس” بحسب قوله، بكلمة (الاتحادي) في اسم التكتل ، معبراً عن عزم التكتل فتح مزيد من الفروع في مدن أخرى من البلاد.

من جانبها رأت الكاتبة الصحفية جميلة فلاق التي كانت من أوائل من انتقدوا إعلان برقة أن “مطالب مظاهرة الثاني من نوفمبر ترتقي إلى الممتاز، وهي حقوق لابد من الوصول إليها” ، إلا أنها استدركت قائلة “الاتحادية هي فيدرالية بحلة جديدة والتفاف على  الموضوع”.

طرح خاطئ

يُجمع الكثير من المهتمين بالشأن الليبي أن الطرح الفيدرالي الذي جاء به “إعلان برقة”، والذي أُعلنت بموجبه في 6 مارس الماضي منطقة برقة إقليماً فيدرالياً، حاول فرض الأمر بقوة الأمر الواقع، ودون انتظار صدور دستور يُستفتى عليه الشعب الليبي. 

يقول الناشط السياسي عاطف الأطرش “شرعوا بالإعلان عن فيدراليتهم بشكل استفز عموم أطياف الشعب الليبي رغم عدالة مطالبهم”.

ويبدو أن أصحاب الطرح أنفسهم قد بدؤوا في مراجعة مواقفهم من الإعلان، حيث حرص بلقاسم النمر رئيس اللجنة التأسيسية للتكتل الفيدرالي، على الفصل بين تكتله باعتباره منظمة مجتمع مدني وإعلان برقة.

ليُعلَن بعد ذلك  بمدينة بنغازي في 15 من نوفمبر 2012 عن “حزب الاتحاد الوطني” ذو التوجه الفيدرالي، والذي شكل خطوة يحاول فيها دعاة الفيدرالية كسب التصويت على أن يكون شكل الدولة في ليبيا فيدرالياً.

يقول أبوبكر بعيرة رئيس حزب الاتحاد الوطني لـ”مراسلون”، بأن مجلس برقة “ساده نوعٌ من الجمود والركود الإداري، وتباطأ كثيراً في التعريف بالنظام الفيدرالي”.

بعيرة الذي شغل رئاسة المكتب السياسي لمجلس إقليم برقة لينسحب منه لاحقاً، اعتبر تأسيس حزب الاتحاد الوطني “خروجاً إدارياً عن مجلس برقة”، مضيفاً أنهم يخططون للدخول في الانتخابات القادمة.

يُذكر أن حزب الاتحاد الوطني أول (الأحزاب الفيدرالية)، يدعو للامركزية السياسية والتنمية المستدامة وترشيد الإدارة، وفقاً لما ورد في بيانه التأسيسي.

جيل جديد

“كنت رافضاً للفيدرالية، لكنني بدأت أقتنع بها”، عبارة رددها عدد من المواطنين عبروا لـ”مراسلون” عن امتعاضهم من معاناتهم بسبب المركزية وبيروقراطية الإجراءات الإدارية، وذلك بعد أكثر من سنة على إسقاط نظام القذافي. 

قد يُعد ذلك تغيراً في مواقف جزء من الشارع تجاه الطرح الفيدرالي، إلا أن الكاتبة جميلة فلاق تقول “بالنسبة لمدينة بنغازي فأهلها منقسمون حولها – الفيدرالية –، وينقصهم الكثير من الوعي بما يحدث”.

وإذ يحتاج الجزم بظهور جيل جديد من دعاة الفيدرالية إلى مزيد من التمحيص، فإن بنغازي تشهد حراكاً مناهضاً للمركزية تقوده اتحادات عمالية شابة، تسعى إلى جلب إداراتها الرئيسية من العاصمة، ويلقى خطابها قبولاً لدى طيف واسع من الشارع.

يقول يوسف الغرياني رئيس اتحاد عمال النفط “هناك 262 مؤسسة حكومية توجد كلها بالعاصمة، كيف يستقيم أن تكون بنغازي عاصمة اقتصادية – بحسب قرار المجلس الوطني الانتقالي المنتهية ولايته في 12 ديسمبر 2011–، ولا توجد بها مؤسسات اقتصادية؟”.

لجنة الستين 

الفيدراليون الذين نجحوا في جعل المؤتمر الوطني يعدل المادة 30 من الإعلان الدستوري قبل انتخابات المؤتمر الوطني العام بيومين، لازالت بعض مطالبهم التي تحققت بفضل هذا التعديل محل نقاش داخل أروقة المؤتمر الوطني العام (البرلمان).

حيث لازال الخلاف قائماً حول تغيير نص تلك المادة بما يسمح لأعضاء المؤتمر بتعيين أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور المكونة من 60 عضواً، في حين يصر الفيدراليون على أن يتم انتخابهم مباشرة من قبل الشعب.

وتتجه الأمور داخل المؤتمر الوطني إلى البدء في حوار مع مختلف الكتل والتيارات السياسية داخل البلاد قبل اتخاذ قرار بشأن التعديل من عدمه، يرحب أبوبكر بعيرة بذلك – فعلى حد تعبيره– “الحوار الوسيلة الوحيدة لحل هذه الإشكالات”.

ويُعوِّل مراقبون على الحوار المرتقب في منع التصعيد، محذرين في حال وصوله إلى طريق مسدود من تكرار مسلسل اعتصام الوادي الأحمر – الذي تم قبل انتخابات المؤتمر الوطني العام في 7 يوليو 2011 –، وإغلاق طريق النوفلية الفاصل بين شرق البلاد وغربها.

يستبعد عاطف الأطرش أن تصل الأمور بالفيدراليين إلى التهديد أو السيطرة على الأرض بالقوة، لأنه وبحسب رأيه “الليبيون لا يستسيغون مثل هذه الأفعال مهما كانت مبرراتها”.

ويلقى هذا الكلام قبولاً لدى بعيرة، وبحسب تعبيره “الفيدراليون مسالمون وهم من تعرضوا لإطلاق النار حين تظاهروا في السادس عشر من مارس – 2011 –”.

هي معركة سياسية يدخلها الفيدراليون بأفق مفتوح على احتمالات الربح والخسارة، وتحضيراً لها يحاولون شرح وجهات نظرهم حول تصورهم عن شكل الحكم في ليبيا، ومطالباتهم بانتخاب تأسيسية الدستور لا تخرج عن هذا الإطار، فالحسم المبدئي في المعركة ستظهر نتائجه مع اعتماد الدستور القادم للبلاد.