“الكثير انزعج من التصريحات التي أدليتُ بها أثناء الثورة وعن الكلام الذي بدر مني.. ومن حق الجميع أن ينزعج، لكن والله الذي لا إله إلا هو إن كان أي أحد من ليبيا في مكاني لفعل مثل ما فعلت.. كانت تأتيني تهديدات وتلميحات بشأن الأسرة ومن هذا القبيل”.
بهذه الكلمات أراد طارق التائب، 35 عاماً، ابن نادي “الأهلي طرابلس” الليبي العريق، الاعتذار عن انحيازه أيام الثورة الليبية إلى صف القذافي ومؤيديه، مؤكداً في معرض اعتذاره استعداده “لتمثيل منتخب ليبيا في أي وقت” بحسب قوله.
اعتذار مستفز
“الكثير انزعج من التصريحات التي أدليتُ بها أثناء الثورة وعن الكلام الذي بدر مني.. ومن حق الجميع أن ينزعج، لكن والله الذي لا إله إلا هو إن كان أي أحد من ليبيا في مكاني لفعل مثل ما فعلت.. كانت تأتيني تهديدات وتلميحات بشأن الأسرة ومن هذا القبيل”.
بهذه الكلمات أراد طارق التائب، 35 عاماً، ابن نادي “الأهلي طرابلس” الليبي العريق، الاعتذار عن انحيازه أيام الثورة الليبية إلى صف القذافي ومؤيديه، مؤكداً في معرض اعتذاره استعداده “لتمثيل منتخب ليبيا في أي وقت” بحسب قوله.
اعتذار مستفز
إلا أن تصريحات لاعب الوسط الشهير بتمريراته الفنية الماكرة، لم تزد الرافضين لعودته إلا إصراراً على موقفهم، حيث اعتبروا هذا الاعتذار “استفزازاً” لمشاعر الجماهير التي كانت تؤمن به، مشددين على أن موهبته المتميزة لن تشفع له عند تلك جماهير التي اختار أن يقف في الصف المناهض لثورتها.
انحاز التائب إلى صف المؤيدين للقذافي باكراً، على الرغم مما لاقاه من غيرة “الساعدي” نجل “القذافي” الذي ترأس اتحاد الكرة الليبي، إلى جانب لعبه في صفوف المنتخب الوطني، فكان بحكم موقعيه، قريباً منه، يرصُد بروزه اللافت يوماً بعد يوم، ويسعى لإفشال مسيرته التي كانت تبشر بالخير منذ انطلاقها.
صدمة للجمهور
كان خروج “التائب” على القناة الليبية الرسمية “قناة الجماهيرية” بداية الثورة، وتصريحاته المناهضة للثورة على القذافي، صدمة كبيرة لعشاقه وجمهوره.
ومنذ ذلك الوقت وهو يمارس لعبة كرة القدم خارج ليبيا، في ذات الوقت الذي يتحيّن فيه فرصة العودة إلى الملاعب وإلى جماهير الكرة التي خسرها عندما هاجم الثورة، بعد سنين من الإجماع على وطنيته قبل موهبته المتميزة.
التائب الذي عبر عن حزنه الشديد لمقتل “القذافي” على يد الثوار الليبيين، وصف ما حدث في ليبيا بأنه “مؤامرة” على سيادة الدولة، واتهم الثوار بأنهم هم من دمروا البنية التحتية للبلاد، وتسببّوا في فقدان الشعور بالأمن والأمان فيها.
حظ سيء
بعد رحلة قاربت خمس عشرة سنة من الاحتراف في البرتغال وإيطاليا وتركيا وتونس والسعودية، عاد التائب قبل أشهر من قيام الثورة إلى صفوف ناديه الذي شهد بدايات انطلاقته الرياضية.
ولسوء حظ طارق الذي أراد أن يختم حياته الرياضية في صفوف فريقه الذي انطلق منه، ما أن استقر به الحال حتى قامت الثورة الليبية، لتضعه في امتحان صعب، مر به كغيره من فئات الشعب المختلفة، إلا أنه لم يتمكن من النجاح فيه.
فأوقفه هذا الفشل في قفص الاتهام “الشعبي الرياضي”، ينتظر حكماً لن يصدر عن “قاض ومستشارين” فللجميع في هذه المحاكمة صوت ورأي بمن فيهم غفير المحكمة.
اللاعب والمواطن
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا انقسم جمهور الرياضة حول التائب؟، هل ثمة فرق بين التائب لاعب الكرة والتائب المواطن؟، هل يدفع التائب ضريبة شهرته؟، ألا يشمل العفو على “من لم يقتل أويختلس” الجميع؟، أليست هذه روح الثورة؟.
أسئلة يطرحها الشارع الليبي المعروف بولعه بكرة القدم، ولهذا فقد انقسمت آراؤه، أثناء الثورة وبعدها، بين عاشق للتائب مؤيد لعودته، ومعارض ناقم يُنكر كل مايعلنه من اعتذار وتوبة.
البعض الذي تطغى عليه روح التسامح يرى أن “التائب” وبالرغم من تصريحاته الصادمة في حق ثورة فبراير، لم يكن يوما منحازاً للنظام السابق، فقد ذاق مرارة الضغط النفسي، والملاحقة من وحدة “مكافحة النجومية” بإيعازمن غريمه “الساعدي القذافي”، الذي لم يتوان عن الأمر بسجنه لأسبوعين إثر عودته من “البرتغال” حين كان يلعب في صفوف فريق ” بريمار” أحد فرق الدرجة الثانية سنة 1997، وتكرر السجن معه أكثر من مرة.
ومابدر من التائب من تصريحات في الأيام الأولى للثورة، بحسب البعض من هؤلاء، لا يعدو أن يكون احترازاً يقيه قسوة العقاب الذي قد تتعرض له عائلته في ليبيا إذا ماجهر بتأييده للثورة.
ولم يستبعد هؤلاء أن يلقى التائب ما لاقاه المدرب الراحل “بشير الرياني” الذي وُجِد “مقتولا” إثر خلاف حاد نشب بينه وبين “الساعدي” دفع حياته ثمناً له في عام 2005.
توبة غير مقبولة
على الطرف المقابل يقف البعض الآخر من جمهور الكرة، موقف المستنكر لتصريحات التائب مؤخراً، والتي جاءت في صورة اعتذار يهلِّل فيه بنجاح الثورة في قضائها على نظام “الدكتاتور” حسب وصفه.
فالرافضون لعودته يضعون نصب أعينهم أن “التائب” لاعب وطني، وشخصية عامة لها ثقلها الشعبي، كان من المفترض عليها أن تكون ضمن المؤيدين للثورة وللجماهيرالعريضة التي انساقت خلفها لا أن يتنصل من واجبه وينتصر للفئة الباغية.
توبة التائب التي أعلنها عبر عدة لقاءات مع فضائيات عربية وليبية، حاول من خلالها تبرير موقفه متفانيا في الاعتذار الذي لم يُقبل رسمياً من طرف مسؤولي الرياضة في البلاد.
رفض رسمي
“عبد الحفيظ اربيش” المدرب الحالي للمنتخب الذي كان يشغل منصب مساعد مدرب في عهد المدرب البرازيلي ماركوس باكيتا، كان قد صرح بعد التحرير مباشرة بأن تمثيل المنتخب الوطني سيكون على أساس الولاء لثورة السابع عشر من فبراير قبل كل شئ.
إلا أن اربيش ناقض نفسه في ذات الوقت حينما أكد أن القرار النهائي في التشكيلة يعود لباكيتا مدرب المنتخب في ذلك الوقت، وبحسب تصريحات التائب عبر وسائل إعلامية عدة فإن باكيتا هاتفه و استدعاه رسمياً للمنتخب ولكن الجهاز الفني والإداري رفض عودته.
أما قائد المنتخب “أحمد سعد” فقد صرح في لقاء بتلفزيون (Libya TV) بأنه سيعتزل اللعب مع المنتخب في حال عاد التائب إلى صفوفه.
ولم يختلف عن هذا الرأي مهاجم المنتخب “أحمد الزوي”، الذي قال إن طارق التائب لاعب من طراز نادر على المستوى الفني، ولكنه خائن لشعبه.
لكن وبالقدر نفسه يجب الإقرار بأن اعتذار التائب لقي ترحيبا شعبياً وجماهيرياً ليس بالقليل، لا سيما من عشاقه ومناصريه ممن يفضّلون الفصل بين التائب لاعب كرة القدم والتائب صاحب المواقف السياسية.
ويتضح ذلك من مواقف شخصيات رياضية مثل “عبدالرؤف بالنور”، أحد المدربين الليبيين الذين طالبوا عبر قناة ليبيا الرياضية بشكل صريح بعودة التائب لحاجة المنتخب الماسة إليه، وشدد على ضرورة المصالحة الوطنية.
وبعد محاولات التائب المتكررة لتقديم الأسف والاعتذار، بدأ بالدفاع عن نفسه مؤخراً بطريقة أخرى، حين بدأ يكشف عن بعض الحقائق التي تؤكد تضرره شخصياً من النظام السابق، مستعرضاً واقعة سجنه الشهيرة، وحادثة قيام “الساعدي” بدفع مليون دولار لنادي “بيروجيا” الايطالي مقابل فض التعاقد مع “التائب”، بحسب تصريحاته.
اليوم تقف الجماهير الليبية العاشقة للكرة ولمنتخبها الوطني مستنكرة لكل ما جاء في تصريحات التائب ضد ثورتها وتأييده لنظام القذافي، وحائرة في ذات الوقت أمام اعتذاره وإعلانه التوبة المتأخرة.
فإذا ما صحّت “توبة التائب” مسنودة بالإعتذار والأسف الصادق، فلماذا لم تُقبل؟ ومن يملك الحق في الصفح والغفران من عدمهما؟
أسئلة تظل معلقة إلى حين يبت الجمهور في مصير لاعب الكرة المميز. جمهور لا يتواجد هذه المرة في الملعب المستطيل، بل على امتداد ليبيا.