ليبيا بلد لم يذق طعم الاستقرار بعد، إذ بثورة السابع عشر من فبراير سقطت الدولة والنظام معا. كما أن البلد بعد عامين من سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي لم تحدد نخبه هويته السياسية أو الاقتصادية، أي مستقبله.

في ظل هذا المشهد ليس ثمة فرق بين الديكتاتورية والديمقراطية في انعكاسهما على الإعلام، إذ زالت خطوط حمراء لتحل محلها خطوط أخرى، جماعات مسلحة، أيدولوجيات دينية، مدن فوق النقد، رأسمال سياسي له حساباته السياسية الجديدة.

النظام الجديد

ليبيا بلد لم يذق طعم الاستقرار بعد، إذ بثورة السابع عشر من فبراير سقطت الدولة والنظام معا. كما أن البلد بعد عامين من سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي لم تحدد نخبه هويته السياسية أو الاقتصادية، أي مستقبله.

في ظل هذا المشهد ليس ثمة فرق بين الديكتاتورية والديمقراطية في انعكاسهما على الإعلام، إذ زالت خطوط حمراء لتحل محلها خطوط أخرى، جماعات مسلحة، أيدولوجيات دينية، مدن فوق النقد، رأسمال سياسي له حساباته السياسية الجديدة.

النظام الجديد

قال بعض العالمين إن الإعلام في ليبيا لم يحبو بعد أولى خطواته، ولم يحدد بوصلته، كون البلد لم يتبن بعد نظاما سياسيا واقتصاديا واضح المعالم، إذ بظنهم، الإعلام هو جزء من فضاء متكامل المعالم والرؤى.

ضاربين مثلا بالدول الاسكندنافية والتي يكفل نظامها الديمقراطي الاجتماعي حرية الوصول للمعلومات مع حماية دستورية وقانونية لمؤسسات العمل الصحفي والإعلامي، وبذا تحتل تلك الدول المراتب الأولى في تقارير المنظمات غير الحكومية المعنية بحرية الإعلام.

وهكذا في اعتقاد هذا البعض أن الحديث عن إعلام ليبي له أدبياته الخاصة ما زال مبكرا في ظل مرحلة انتقالية أسمى مميزاتها عدم الاتفاق بعد على عقد اجتماعي جديد يؤطر لمرحلة ما بعد الثورة.

المهنية على المحك

على مدى اثنين وأربعين عاما كان الإعلام الليبي رسميا بامتياز، احتكر فيها النظام كل صنوف وسائل الإعلام، وهكذا عُزل الإعلاميون الليبيون عن أية إمكانية للتطوير أو حتى الإبداع.

وفجأة بعد سقوط النظام اكتشف الإعلاميون والصحفيون أنهم كانوا معزولين عما يجري حولهم في العالم، هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى لم يعد ظهور أغلب من كان يعمل بمنظومة إعلام القذافي السابقة ممكنا، في واقع ثوري لغة الشجب الاجتماعي فيه أميل للعنف منها لأية لغة أخرى. هكذا اضطرت وسائل الإعلام الجديدة وعلى رأسها التلفزيون أن تفتح ابوابها لشباب جديد لا يملك من قواعد المهنية إلا القليل.. القليل.

أدلجة الإعلام

منذ الأيام الأولى للثورة الليبية تفسططت وسائل الإعلام الليبية وخاصة التلفزة منها، إلى إعلام  قيل أنه ليبرالي وآخر إسلامي، فقناة ليبيا الحرة والتي تبث برامجها من بنغازي تكاد أن تكون الناطق الرسمي بإسم التيار الإسلامي وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين الليبية.

بينما قناة ليبيا لكل الأحرار التي تبث من دولة قطر تبرز عبر برامجها رموز التيار الليبرالي، أو ممن كانوا يساريين وتلبروا بعد سقوط دعوى اليسار في معاقلها.

قناة ليبيا تي في رغم دعواها الانفتاحية على الجميع، وظهور مذيعات بدون غطاء رأس متأنقات ببعض برامجها، إلا أنها اقرب للتيار الإسلامي منها لليبرالي، إذ أن أحد داعميها الكبار د علي الصلابي المفكر الإسلامي الليبي المعروف.

قناة ليبيا الوطنية لم يعرها الشارع حتى الآن اهتمامه، إلا إذا نقلت بعض وقائع جلسات المؤتمر الوطني العام، أو أجرت حوارا مع شخصية رسمية من العيار الثقيل، لفقدانها على حد تعبير البعض الطعم واللون، مع شكوى إعلامييها من ضعف التمويل والاهتمام معا من قبل الحكومة.

قناة العاصمة مثيرة للجدل بالأوساط الليبية، وهي الناطقة بإسم تحالف القوى الوطنية الذي يتزعمه د محمود جبريل، وسبب إثارتها للجدل نشرها لكثير من الأخبار التي يتم نفيها من قبل مصادر الخبر، بل وصل الحد ببعض الشخصيات أن رفعت دعاوى قضائية ضد القناة.

كما أن سياسة القناة التحريرية تثير هي الأخرى شكوكا لدى بعض الإعلاميين الليبيين، فمثلا في شريطها الإخباري تعمد إدارة التحرير بها إلى قص مقتطفات من مقالات رأي لبعض الكتاب وتنشرها تمشيا مع توجهها العام المساند لقوى التحالف الوطني.

فقدت قناة ليبيا أولا المدعومة من المليونير الليبي حسني ططناكي شعبيتها لدى كثير من متابعيها بعد فشل اعتبار الشرق الليبي فيدرالية ضمن نظام سياسي فيدرالي، إذ دعمت القناة المشروع الفيدرالي وأبرزت رموزه عبر كثير من برامجها.

إعلام المدن 

لم تمض أيام طويلة على سقوط نظام القذافي حتى ظهرت وسائل إعلام متلفزة ناطقة بإسم بعض المدن الليبية وعلى رأسها مصراتة، التي قال عنها الرئيس باراك أوباما، لم نشهد حصارا للمدن منذ العصور الوسطى إلا بمصراتة أثناء حرب التحرير الليبية.

وكما قيل، إن الإعلام يتبع رأس المال أينما حل وارتحل، وبحكم تركز قدر لا بأس به من المال الليبي بمدينة عُرف عن أهلها ولعهم بالتجارة، لم يكن مفاجئا أن تكون مصراتة من أوائل المدن الليبية التي دشنت قنوات متلفزة كقناة “مصراتة” وقناة ” توباكتس” وهو إسم إغريقي قديم للمدينة. إلا أن إعلام مصراتة لم يستطع بعد أن يخرج من عباءة الثورة، تلك الحالة التي تسيطر على جل برامج القناتين، لإبراز مآسي وكفاح المدينة ضد الآلة العسكرية لنظام القذافي. كما أنهما لم يبديا اهتماما واضحا بقضايا ليبيا الحساسة سواء على مستوى التغطية الإخبارية أو على مستوى تحليل الخبر.

فحادثة اغتيال السفير الأمريكي بالقنصلية الأمريكية ببنغازي على سبيل المثال لم تنل القسط الوافر من التعليق أو التحليل في ساعات بث القناتين، وإنما انصرف اهتمامهما لما له صلة بالمدينة، ولا أدل على ذلك من التغطية شبه الدائمة لحادثة اغتيال عمران شعبان الذي ينحدر من مصراته، والذي قبض على القذافي بسرت، في مدينة بني وليد.

ماذا بعد؟

رغم أن الإعلان الدستوري المؤقت نص في مادته الرابعة عشر على منح الحرية للصحافة والإعلام، إلا أن القوانين التفصيلية لم تظهر بعد. وجاء انتخاب المجلس الأعلى للإعلام في ظل ظروف صعبة وعصيبة بعد محاولة إفشاله من قبل المجلس المعين بقرار من المجلس الوطني الانتقالي السابق بليبيا، إلا أن آليات عمل المجلس الأعلى المنتخب لم تتضح بعد انتخابه لأكثر من ستة أشهر، فالمجلس لم يعلن عن تفاصيل خططه المستقبلية، ولا مواقفه مما يجري، أو نظرته لما هو آت. كما قال البعض وُلد ميتا.

ويتعرض الصحفيون الليبيون إلى ضغوطات ومخاطر كثيرة، في ظل ضعف الحكومة المركزية عن فرض سلطتها على الأرض، من بينها الخطف والتعذيب أو حتى القتل على يد جماعات مسلحة لا ترغب بإبراز تجاوزاتها القانونية والأمنية. ولا فرق هنا بين أن تكون هذه الجماعات موالية للنظام السابق أو مؤيدة للثورة الليبية، فالخطر قائم في كلا الحالتين.

سيولة الدولة وضعفها، وهيمنة السلاح على القرار السياسي، والولاء للعقيدة أو المدينة أو المصلحة الشخصية على حساب تنوع الآراء وتعددها، وغياب أرضية قانونية تحتضن الجميع، تبقي جميعها مصير الإعلام الليبي والعاملين فيه مفتوحا على احتمالات كثيرة، قد لا يكون أسوؤها ما شهدناه إلى اليوم.