أدوار تميزت بجدليتها، هكذا يمكن وصف الأدوار التي تؤديها التونسية سوسن معالج، التي امتهنت التمثيل بعد أن درست الحقوق. ابنة الستة والثلاثين ربيعاً، أم لطفلتين وزوجة لمقدم برامج تلفزيونية معروف، رسمت لنفسها طريق مخالف عن الآخريات. لها تجربة طويلة في مجال التمثيل لأكثر من 14 عاماً لخصتها في أعمال قليلة، كانت محيرة ومثيرة للنقاد، كما للجمهور العادي.

أدوار تميزت بجدليتها، هكذا يمكن وصف الأدوار التي تؤديها التونسية سوسن معالج، التي امتهنت التمثيل بعد أن درست الحقوق. ابنة الستة والثلاثين ربيعاً، أم لطفلتين وزوجة لمقدم برامج تلفزيونية معروف، رسمت لنفسها طريق مخالف عن الآخريات. لها تجربة طويلة في مجال التمثيل لأكثر من 14 عاماً لخصتها في أعمال قليلة، كانت محيرة ومثيرة للنقاد، كما للجمهور العادي.

[ibimage==3355==Small_Image==none==self==null]

سوسن معالج في مشهد من الفيلم “9 أفريل 1938”

“9 أفريل 1938” هو أحد الأفلام القليلة التي أحدثت ضجة وجدلاً في الدورة الحالية لمهرجان قرطاج السينمائي. وفي ختام فعاليات المهرجان المرموق في 24 نوفمبر/تشرين ثان حصد الفيلم جائزة التانيت الذهبي عن فئة الأفلام السينمائية القصيرة. وفيه تلعب سوسن معالج دور البطولة مجسدةً شخصية “مومس مناضلة ضد الاستعمار”، قالت عنها سوسن “إنها ساهمت في الحركة الوطنية التونسية.”

التاسع من أبريل/نيسان من عام 1938 تاريخ له رمزيته الخاصة لدى التونسيين، ففي هذا التاريخ قامت الثورة التونسية الأولى على المستعمر الفرنسي، إذ خرجت مظاهرات بالعاصمة تونس للمطالبة بالحرية للتخلص من نير الاستعمار. وفي هذا التاريخ، الذي خرجت فيه المرأة التونسية لأول مرة إلى الشارع للتظاهر، سقط عشرات الشهداء. وأصبحت تلك المناسبة، ذكرى سنوية للاحتفال بالشهداء لدى التونسيين.

يروي الفيلم القصير “9 أفريل 1938” أحداثاً عن الحركة الوطنية التي قاومت المستعمر الفرنسي. وتدور هذه الأحداث في مسكن نساء جمعتهن الظروف في منزل دعارة.

مومس تقاوم المستعمر

تضحك سوسن معالج إلى حد الدموع، حينما تتحدث بأسلوب ساخر عن محيطها، ملامحها ووجهها الدائري وعيناها الحالمتان وجسدها الصغير، توحي وكأنك تتحدث إلى طفلة. لكن حينما تتحدث عن التاريخ ودور المرأة فيه، تتحول إلى امرأة من صوان. تقول سوسن: “يجب أن لا نعيد كتابة التاريخ على هوانا، ثم إنه لا يسيء إلى تاريخ الحركة الوطنية أن تكون هناك مومس قد قاومت الاستعمار.”

والمومس في الفيلم، كما عرّفتها سوسن، هي “امرأة تونسية، ومن واجبي الدفاع عنها، لأن النساء شاركن في الحركة الوطنية وساعدن الفلاقة (المقاومين) في تحرير البلاد.”

ليست هذه المرة الأولى التي تلعب فيها سوسن معالج دور البطولة في فيلم يثار حوله زوبعة من الجدل، وأيضاً كثير من الهجوم عليها من معسكر المحافظين. فقبل عامين، وفي آخر دورة لمهرجان قرطاج السينمائي في حقبة الرئيس المخلوع بن علي، شاركت سوسن في فيلم “حيرة” للمخرجة نجوى سلامة ليمام، والذي تناول قصة الشابة “ليليا” المتحررة التي تعيش حالة من الضياع، وأختها “زينب” المحافظة والمنغلقة والمتحجبة التي ترفض التواصل مع الآخرين. حينها اعتُبر موضوع الفيلم جديداً، فلأول مرة في عهد بن علي تتم معالجة موضوع الحجاب. كما قدم الفيلم حالة الحيرة التي يعيشها الشاب التونسي في الزواج، فهو يحب الفتاة المتحررة ويتزوج بفتاة المحافظة.

من يخاف الحقيقة يلجأ إلى الشتم!

وإثر تقديمها لهذا الفيلم تداولت المواقع الإلكترونية صوراً شخصية لسوسن، وتعرضت الفنانة إلى حملة من التشويه. كما صورها البعض في المواقع الاجتماعية أنها تسيء إلى الأخلاق العامة وإلى الإسلام.

ليس من الصدف، كما قالت سوسن معالج أن يثير فيلمان قامت بدور البطولة فيهما، ضجة إعلامية وحرب شعواء دارت رحاها بالأساس في منتديات الإنترنت وعلى صفحات الفيسبوك والتويتر، وشُتمت بسببهما بأبشع النعوت.

من ناحيتها ترى سوسن معالج أن منتقديها “يخافون من الحقيقة، خصوصاً عندما تصدر من امرأة. وهذا لا يقلقني ولا يثني جهودي للعمل أكثر، فمن واجبي أن أكشف المستور.” هكذا ردت معالج على من هاجموها. فالفيلمان لامسا الخطوط الحمراء وداعبا المحظور وأنطقا المسكوت عنه.

خرجت سوسن بعد فترة التأمل التي عاشتها مع الساحة الثقافية التونسية بعد “الثورة” بنتيجة عبثية، فكل يوم يمر يثبت أن حدود الإبداع، الذي كان مسطراً بصرامة قبل الثورة، وكان معروفاً للكل ولا أحد يجرأ على تجاوزه، أصبح هلاميا اليوم. تقول سوسن: “مع كل معركة بين الإبداع وأولئك الذين نصبوا أنفسهم حراساً للأخلاق والفضيلة، يضيق الخط الفاصل أو يتسع. إنها عملية كر وفر،و مازلنا لم نتفق على دور كل طرف في هذه البلاد بعد. لكن الفن والإبداع لا يمكن أن يكون لصالح طرف دون آخر إنه للإنسان وحسب.”

“التونسي لم يتدرب على الاختلاف”

ويبقى أمل سوسن في بناء تونس جديدة حياً لم يمت، وبرأيها أن ما تعيشه تونس من شد وجذب، ومحاولات هيمنة وتمرد شيء عادي، بل صحي. المشكلة الوحيدة – حسب رأيها – أن التونسي مازال لم يتدرب بعد على الاختلاف.

أما تونس التي تريدها سوسن، فيجب أن تتسع للجميع، وأن تجمع تحت السماء ذاتها العربي والأمازيغي، المسلم واليهودي، والإسلامي والعلماني، فكلهم تونس، وكلٌ له الحق في حياة حرة تضمن له حرية الرأي والتعبير. أما الفنان، فهو برأيها ذلك الكائن الذي يستوعب بشكل خلاق كل هذا الاختلاف والتنوع. وهو مطالب بالحديث عن هموم الكل والحديث عما يصمت عنه الكل.