على الرغم من الغموض الذي يحيط بعيادات “التداوي بالأعشاب الطبية”، وارتفاع تكاليف العلاج بها، إلا أن إقبال المرضى عليها يزداد يوماً بعد يوم، بخاصة في ظل انهيار النظام الصحي في ليبيا. 

عيادات “طب الأعشاب”، التي تُؤمِن شريحة واسعة من الناس بسحر أدويتها المستخلصَة من أعشاب وخلطات مجهولة، ليست وليدة اليوم. فقد بدأت تنتشر وتتنامى منذ فقد الليبيون الثقة في المستشفيات والمستوصفات العامة، التي طالها الإهمال إثر لجوء طواقمها الطبية إلى العيادات الخاصة في تسعينيات القرن الماضي. 

على الرغم من الغموض الذي يحيط بعيادات “التداوي بالأعشاب الطبية”، وارتفاع تكاليف العلاج بها، إلا أن إقبال المرضى عليها يزداد يوماً بعد يوم، بخاصة في ظل انهيار النظام الصحي في ليبيا. 

عيادات “طب الأعشاب”، التي تُؤمِن شريحة واسعة من الناس بسحر أدويتها المستخلصَة من أعشاب وخلطات مجهولة، ليست وليدة اليوم. فقد بدأت تنتشر وتتنامى منذ فقد الليبيون الثقة في المستشفيات والمستوصفات العامة، التي طالها الإهمال إثر لجوء طواقمها الطبية إلى العيادات الخاصة في تسعينيات القرن الماضي. 

“عبد السلام هارون” ذو الستة والثلاثين عاماً، والذي رضخ منذ قرابة ثلاث سنوات للعلاج بالأعشاب الطبية حتى يحقِّق حلمه في زيادة وزنه، يحيا اليوم بجسد عليل ومتآكل، بعد أن أثبتت التحاليل الطبية، تعرُّض جسده لجرعات زائدة من هرمون “الكورتيزون”.

 كابوس النحافة

يذكر “عبد السلام” أن قرار التداوي لدى طبيب أعشاب جاء بعد إلحاح أسرته المستمر بمراجعة طبيب يكشف أسباب نحله المفرط، فطوله الذي يبلغ المتر وثمانين سنتمترا، لايتناسب مع وزنه الهزيل.

“عبد السلام” يروي لـ”مراسلون” تفاصيل رحلته مع العلاج، فيقول”كثٌر الحديث عن نجاعة الطب البديل، وارتفاع أعداد المتداوين بمستخلصات الأعشاب، مقارنة ببؤس وتردِّي العلاج في مستشفيات الدولة”.

وبحسب روايته، فقد قصد عيادة شهيرة وسط طرابلس، حيث حجز لدى عاملة الاستقبال، وجلس ينتظر موعد الدخول إلى غرفة الكشف، ضمن طابور طويل من المرضى. 

يقول عبد السلام: “داخل الغرفة وجدتُ رجلاً يرتدي لباس الأطباء الأبيض التقليدي، استقبلني وسألني عن اسمي وعمري ومما أشكو، فأجبته بلا مماطلة أنني لا أشكو من شئ، وأنني أرغب فقط في زيادة وزني.”

وعلى الفور وصف “الطبيب” لعبد السلام دواءً اشتراه من الصيدلية الملحقة بالعيادة. “كان الدواء عبارة عن علبة تحتوي 30 كبسولة خضراء، شبيهة إلى حد كبير بكبسولات المضاد الحيوي، إلا أنها تمتاز برائحة عُشبية ذكيّة”، يقول عبد السلام.

كلفت تلك العلبة عبد السلام 60 ديناراً، أي ما يعادل 50 دولاراً، والتزم بتناول حبتين منها يومياً قبل موعد الأكل بساعة، كما وصف له طبيب الأعشاب. 

ويمضي عبد السلام متعجباً “حلمي بزيادة الوزن تحقّق سريعاً، فبمرور أيام على تناولي أول قرصين بدأ وزني يزداد بشكل لافت، ما جعل أمي تقرر الذهاب إلى نفس الطبيب لعلاج ذات العلّة، وبالمثل انضم إلينا ابن خالي “محمد” الذي يشكو النحالة هو الآخر”.

أدوية مجهولة

لم تدم فرحة الثلاثة طويلاً، فبمرور أيام قليلة على تعاطيهم “الكبسولات الخضراء” بدأت تظهر على الوالدة ومحمد علامات طفح جلدي، وبأمر “طبيب الأعشاب” توقفا عن تناول الدواء.

أما “عبد السلام” فقد مضى في علاجه إلى أن ألمّت به وعكة صحية مفاجئة، أجبرته على مراجعة أكثر من عيادة ومستشفى في طرابلس.

الأعراض الجانبية التي صاحبت العلاج كما يصفها “عبد السلام”، كانت عبارة عن طفح جلدي ظهر في صورة “بثور بيضاء” في الوجه والصدر واليدين، مصحوبة بفشل عام وشراهة ورغبة في النوم.

رغم ما حدث مع والدته وابن خاله لم يتوقف عبد السلام عن تناول الدواء، بل استمر إلى أن بدأ يصيبه اضطراب في التنفس، بلغ حد عدم قدرته على الوقوف.

وبعد أن أُجريت له تحاليل داخل مركز طرابلس الطبي، أكدت النتائج تعرضه لجرعات من “الكورتيزون”، حيث كشفت صور الأشعة وجود حالة تآكل بالمفاصل، إلى جانب ارتخاء في عضلة القلب، وانتشار الماء في محيط الرئتين. 

وما أن ظهرت نتائج التحاليل حتى صارح عبد السلام الطبيب الذي قام بإجرائها له بأنه يتردد على طبيب أعشاب، فطلب منه إحضار الدواء الذي يتناوله.

وبتحليل الكبسولة الخضراء في “مركز الرقابة على الأدوية” تبين أنها عبارة عن مستخلصات عُشبة تسمى “الجنسنغ” تحتوي على مادة “الكورتيزون”، يقوم تجار التداوي بالأعشاب بجلبها من الصين.

ورغبة منه في التأكد أكثر سافر عبد السلام إلى تونس لإجراء كشف طبي آخر، عاد بعده محمّلاً بحزمة تقارير تؤكد ما جاء في تحاليل “مركز طرابلس الطبي”.

توجه عبد السلام بعد التأكد من التجاوز الذي ارتُكب في حقه إلى طبيب الأعشاب وواجهه بالنتائج، إلا أن الطبيب “فاجأني بإنكار علاقته بي، ونفى صرفه لهذا الدواء، وبعد نقاش حاد وتهديدات، اتفقتُ مع مسؤولي العيادة على السفر معاً للوقوف على نتائج التحليل من مصدرها في تونس” يروي عبد السلام.

نتيجة التحاليل النهائية كانت صادمة، فقد أثبت التقرير النهائي أنه بحاجة لتركيب مفاصل صناعية بقيمة 385 ألف دينار ليبي، لكن وكما كان متوقعاً رفض مالك العيادة وأبناؤه تحمل مسؤولية ما أصاب عبد السلام، وهو ما أجبره للجوء إلى القضاء.

يقول عبد السلام “بعد فترة تردُّد مستمرعلى المحاكم، وصدور أكثر من أمر قضائي بقفل العيادة، فوجئت قبل الثورة الليبية بيومين بتبرئة أصحاب العيادة من كل ما نُسِب اليهم من تُهم”، وبذلك سقط حقه في المطالبة بأية تعويضات تساعده في دفع تكاليف العلاج الباهضة.

عيادات بلا تراخيص.

الشكوك التي تحيط بعيادات الطب البديل لا تقتصر فقط على طبيعة وتركيبات المواد المستخلصة منها عشرات الأدوية المتداولة في السوق، فالوضع القانوني والرقابي على هذه المراكز وظروف افتتاحها وما يرد إليها أو يخرج منها من مواد تحمل صفة “دواء” ليس بأقل إثارة للشكوك.

كما أن رفض العاملين فيها الإجابة على أسئلة الصحافيين، متعذرين بأسباب مختلفة، هو دليل آخر على وجود تجاوزات يُراد لها أن تظل طي الكتمان.

موظفة الاستقبال في إحدى العيادات قبِلت الحديث لـ”مراسلون” بعد تلكّك، فأكدت أن بعض الأدوية يتم تحضيرها داخل العيادة، والبعض الآخر يورّد من الصين، مشيرةً إلى الرفوف المكتظة خلفها بعشرات الأصناف من الأدوية ومستحضرات التجميل.

خرجنا من العيادة وسط طرابلس، وتوجّهنا نحو الجهة المسؤولة عن إجراءات التفتيش على التراخيص.

[ibimage==3331==Small_Image==none==self==null]

 العميد “جمال بنور” 

ولدى سؤالنا مُدير فرع “جهاز الحرس البلدي” بطرابلس العميد “جمال بنور” حول قانونية مزاولة هذه العيادات للمهنة، نفى أن يكون لدى أي منها أُذن مزاولة نشاط أو ترخيص من أصله، مؤكداً أن انتشار المخالفات خلال هذه فترة يأتي في ظل انحسار عمل الجهاز بسبب عدم توفر الإمكانيات.

غياب رقابة الدولة

ومن جهته أكد “محمد القلال” مدير “مركز الرقابة الدوائية” على أن الأدوية التي تستوردها هذه العيادات لاتخضع  للتحليل من قِبل المركز، ذلك أن أصحاب العيادات يبدأون نشاطهم عادةً بالمتاجرة في الأعشاب العطرية، “وبمرور الوقت تتوسّع تجارتهم وتتطور لتغدو عيادات للتداوي بالأعشاب” بحسب القلال. 

[ibimage==3325==Small_Image==none==self==null]

 ”محمد القلال” 

يوسع القلال في حديثه لمراسلون من دائرة المشكلة القائمة، حيث يؤكد أن “كافة الأدوية التي تدخل البلاد في الوقت الحالي لا تخضع للرقابة الدوائية، ولا يتم تحليلها، رغم أنها تدخل عبر المنافذ الرسمية، إلا أن جزءاً منها يُورّد على أنه مواد عطرية أو أغذية”.

ويشدّد من موقعه كمسؤول يشعر بأنه مكبل أمام هذا الوضع على ضرورة استحداث قانون ينظِّم العمل الصيدلي، يكون بديلاً للقانون رقم “106” ساري المفعول، والذي يعود إلى سنة 1970 ولم يهتم النظام السابق بتطويره أو إجراء أي تعديلات عليه.

“عبد السلام” مصيره اليوم مجهول، وبعد مرور فترة علاج دامت طويلاً قرر الانفصال عن خطيبته، وهو يخضع الآن لعلاج طويل الأجل.

رغم أنه تمكّن من ممارسة عمله بشكل مؤقت، إلا أن ما يمنعه من إجراء عملية زرع المفاصل هو ارتفاع تكاليف العملية، والتي تتجاوز نصف مليون دينار ليبي!.