القاعدة تقول أن أي نظام سياسي جديد يستولي على الحكم بأي طريقة عليه أن يسيطر أولا على الاعلام، حدث هذا في كل الانقلابات والثورات ماعدا الثورة المصرية. فلو فرضنا أن أحدهم ذهب في رحلة إلى الفضاء الخارجي واستمر في المكوك معلقا بين الأرض والسماء قبل قيام الثورة المصرية في يناير 2011 بيوم واحد ثم عاد الآن في نوفمبر 2012 وفتح قنوات التلفزيون المصرية الرسمية والخاصة هل سيشعر أن هناك ثورة بدلت في الوجوه؟

القاعدة تقول أن أي نظام سياسي جديد يستولي على الحكم بأي طريقة عليه أن يسيطر أولا على الاعلام، حدث هذا في كل الانقلابات والثورات ماعدا الثورة المصرية. فلو فرضنا أن أحدهم ذهب في رحلة إلى الفضاء الخارجي واستمر في المكوك معلقا بين الأرض والسماء قبل قيام الثورة المصرية في يناير 2011 بيوم واحد ثم عاد الآن في نوفمبر 2012 وفتح قنوات التلفزيون المصرية الرسمية والخاصة هل سيشعر أن هناك ثورة بدلت في الوجوه؟

الظاهرة تستحق التأمل بكل تأكيد، منذ قيام الثورة وحتى الآن ورغم كل الاتهامات التي طالت الاعلام المصري حتى تنحي مبارك لم يطل عبر القنوات المصرية وجه واحد جديد لينضم لبرامج التوك شو المسائية ولم تحجب الانتقادات معظم الذين صنفوا باعتبارهم موالين للنظام السابق وساهموا في نشر الشائعات المسيئة لثوار التحرير.

“لم يسقط النظام السابق بعد حتى تتغير الوجوه الموالية له”

هنا نتكلم تحديدا عن برامج التوك شو المسائية التي يعترف الخبراء والمراقبون أنها تساهم بشدة في تشكيل الرأي العام في مصر خصوصا بعد الثورة، تلك البرامج التي تبدأ عادة من الثامنة مساء وتنتهي في الثانية صباح اليوم التالي، أيا كان اسم البرنامج أو مقدمه أو الأسلوب الإعلامي فكلهم يعتمد المنهج نفسه، ملخص اخباري لما جرى منذ نهاية الحلقة السابقة، تقارير مصورة، ثم ضيوف ونقاشات ومداخلات هاتفية وكلهم بلا استثناء يحصلون على اجازة في عطلة نهاية الأسبوع.

بناء على ما سبق لا يمكن اعتبار مقدم البرامج الساخرة باسم يوسف اضافة لبرامج التوك شو المصرية، ولا البرامج الصباحية التي ظهرت بعد الثورة لأنها خدمية في المقام الأول، بالتالي لا يمكن تفسير عدم تجديد الوجوه في برامج التوك شو المصرية إلا  بأن احترافية تلك الوجوه – معظمها بالتأكيد وليس الكل- جعلتها قادرة على تفهم المتغيرات المحدودة التي شهدتها مصر وليس التغيير الشامل الذي خُدع به المواطنون حتى يغادروا ميدان التحرير، لم يسقط النظام السابق بعد حتى تتغير الوجوه الموالية له، ولم يرسم النظام الجديد وجوهها تعبر عنه حتى تتقدم الصفوف وتلعب في ادمغة المشاهدين، ليظل معظم مقدمي برامج التوك شو ومعهم معظم الصحفيين البارزين في أماكنهم حتى لو تبدلت المواقع، وهذا التبدل في حد ذاته يدل على الارتباك الذي يعيشه سوق الفضائيات المصرية لا على الرغبة الحقيقية في التغيير، فتحول المذيعون إلى لاعبي كرة محترفين يتنقلون بين قناة وأخرى حسب ظروف كل شاشة لكن تحت مظلة سياسية واعلامية لم تتغير .

وبعد استعراض التنقلات التي شهدها سوق التوك شو المصري في مدة ال 22 شهرا الماضية سنعود لبعض الملاحظات التي تساهم في تفسير الصورة الجامدة متحركة الأجزاء للمشهد الاعلامي في مصر.  

حركة التنقلات (القناة الأولى لكل مذيع هي التي كانت يطل عليها وقت قيام الثورة)

تامر أمين:صاحب الرقم القياسي (التلفزيون المصري ثم ltb ثم المحور بلس والآن : روتانا مصرية)

محمود سعد:(التلفزيون المصري ثم التحرير والآن النهار).

إبراهيم عيسى:(التحرير ثم اون تي في والآن القاهرة والناس)

عمرو الليثي:(دريم ثم التحرير والآن المحور)

خيري رمضان ولميس الحديدي: (التلفزيون المصري والآن سي بي سي)

منى الشاذلي:(دريم والآن ام بي سي مصر)

دينا عبد الرحمن:(دريم ثم التحرير والآن سي بي سي)

معتز الدمرداش:(المحور والآن الحياة )

رولا خرسا:(الحياة والآن صدى البلد)

ملاحظات

قناة اون تي في هي الوحيدة التي احتفظت بكامل مذيعيها مثل يسري فودة وريم ماجد وجابر القرموطي واضافت لهم مؤخرا ليليان داوود وعمرو خفاجي في برامج مسائية لكنها لاتزال اضافات لا يمكن القول أنها نتيجة للتغيير في الساحة الاعلامية ولكنه أمر مرتبط بطبيعة القناة الاخبارية الخاصة الوحيدة في مصر.

التلفزيون المصري رغم أنه تخلص من كل الوجوه المحسوبة على مبارك فور انتهاء الثورة مثل تامر أمين وخيري رمضان ولميس الحديدي، لم يقدم وجوها بديلة تعيد له الجمهور، أي انه مارس ما يمكن وصفه بالتطهر المؤقت من خلال التخلص من الوجوه المكروهة شعبيا لكن دون استبدالهم بوجوه قد تنحاز للشارع لا للنظام الحاكم أي كان هو سواء العسكر أو الأخوان المسلمين بعد فوز مرسي في الانتخابات .

من المفارقات أن الأسماء الثلاثة التي رشحت بقوة للتواجد على شاشة التلفزيون المصري لم تجد مساحات بديلة بعدما توقف عملية التطهر المؤقت، حمدي قنديل لم يستمر طويلا على قناة التحرير، حسين عبد الغني غادر النهار بعد شهور قليلة من الظهور عليها وكان مرشحا لقيادة قناة النيل للأخبار الحكومية، أما الاعلامي حافظ الميرازي الذي عمل في الجزيرة والعربية وكان مرشحا لتقديم برنامج مسائي على التلفزيون المصري فيطل مرتين أسبوعيا على قناة دريم.

اعلامية وحيدة هي هناء السمري غيبتها الثورة حيث لم تفلح حتى الآن في العودة ببرنامج جديد بعد توقف برنامجها 48 ساعة على قناة المحور وانطلاق برنامج حدوتة مصرية لزميلها سيد علي على القناة نفسها، ورغم أن كلاهما اتهم بمعاداة الثورة لكن سيد علي نجح في الاستمرار على الشاشة غير أنه لا توجد أي مؤشرات تؤكد أن الجمهور لازال يتابع برامجه حتى الآن.

الملاحظة الخاصة بسيد علي تنطبق أيضا على تامر أمين فهو الوحيد من بين مقدمي برنامج “مصر النهاردة” الموظف داخل التلفزيون المصري رغم ذلك لم يفكر في العودة لتقديم نشرات الاخبار وصمم على الاستمرار في برامج التوك شو لكنه يعاني أيضا من انصراف الجمهور مثل سيد علي .

أخيرا ورغم تغير كل القيادات الصحفية في الصحف الحكومية عدة مرات بعد الثورة لم تصمد أيا من القيادات الجديدة لتقدم نفسها للجمهور بديلا عن القيادات السابقة المحسوبة على النظام، وكأن حامل مفاتيح الخزانة التي تخرج منها تلك القيادات اختار بعناية وجوها غير صالحة للاستهلاك الاعلامي، في الوقت نفسه ولأنهم كانوا أكثر تعرضها لبغض الجمهور فشل رؤساء تحرير صحف مبارك في العودة للشاشة مجددا كمذيعين أو حتى محللين، مثل عبد الله كمال وأسامة سرايا ومحمد علي ابراهيم ومجدي الجلاد، وحده حمدي رزق يقدم برنامجها يوميا على صدى البلد وهو بالمناسبة أخر رئيس تحرير من عهد مبارك يغادر منصبه كرئيس لتحرير مجلة المصور، بالتالي كل المحللين السياسيين والكتاب الصحفيين في زمن مبارك من غير الاعضاء المباشرين في لجنة السياسات التابعة للحزب الوطني المنحل لازلوا على الشاشات كما هو دون أدنى استخدام لمعيار الانتماء للثورة وبعضهم كما هو واضح انتمى لها شكلا قبل أن ينقلب عليهم ويساند المجلس العسكري في الفترة الانتقالية .

بناء على ما سبق تظل الاشكالية كما هي، هل يمكن أن يحدث تغيير حقيقي دون أن تتغير الوجوه التي تعبر عن النظام في الاعلام الخاص والرسمي، علما بأن كل الذين حاولوا التنصل من مواقفهم في عهد مبارك عادوا لممارسة نفس السياسة الموجهة رغم تغير المواقف والشاشات التي يطلون منها، وإذا كان ولابد من تغيير الوجوه فهل يعني بقاء اللاعبين في الأدمغة كما هم أنه لا شئ تغير في مصر؟