“نورت يا قطن النيل.. يا حلاوة عليك يا جميل،” بتلك الأغنية الشهيرة كان المزارعون منذ سنوات عديدة يستقبلون موسم حصاد القطن، فكان المُزارع ينتظر هذا الموسم بالذات ليقوم بتجهيز أبنائه للزواج، بينما كانت القرى عموما تضج بالأفراح. “الآن ذهبت البهجة وحل محلها الحزن والكآبة”، هكذا يقول رفيقي المزارع عبد الرافع عبد الغنى بينما نشق طريقنا لحقول القطن التابعة قرية الجميزة.

“نورت يا قطن النيل.. يا حلاوة عليك يا جميل،” بتلك الأغنية الشهيرة كان المزارعون منذ سنوات عديدة يستقبلون موسم حصاد القطن، فكان المُزارع ينتظر هذا الموسم بالذات ليقوم بتجهيز أبنائه للزواج، بينما كانت القرى عموما تضج بالأفراح. “الآن ذهبت البهجة وحل محلها الحزن والكآبة”، هكذا يقول رفيقي المزارع عبد الرافع عبد الغنى بينما نشق طريقنا لحقول القطن التابعة قرية الجميزة.

داخل الحقل كان بعض الأشخاص يقومون بجمع القطن من زهوره اليانعة. رجال وسيدات يرتدون قبعات لتحميهم من أشعة الشمس الحارة المسلطة فوق رؤوسهم بالساعات طوال فترة العمل، ينشغل كل واحد منهم بجمع ثمرة القطن بداخل كيس قماشي صغير. يشرح عبد الرافع أن هؤلاء الأشخاص هم مُستأجرو الحقل وأفراد أسرته، وعدد من العمالة الزراعية أو “الأنفار” بالمسمى الدارج.

تكلفة الزراعة مرتفعة… والجمعيات الزراعية تتجاهل

بوجه عابس يشكو المُستأجر رزق عبد الهادي حاله، يقول إن زراعة القطن تكلفتها مرتفعة ولا تدر ربحا يوازي حجم المجهود والإنفاقات.

ويشير عبد الهادي إلى أن محصول القطن يتم زراعته في شهر أبريل، ويبدأ موسم الحصاد من منتصف سبتمبر على مراحل مختلفة تنتهي في شهر نوفمبر، موضحا أن الفدان المزروع بالقطن تتراوح تكلفته من 2000 إلى 3000 آلاف جنيه(نحو ٥٠٠ دولار أمريكي)، بخلاف تكاليف العمالة الزراعية “الأنفار”، وينتج 5 قناطير(نحو ٧٣٠ كيلوجرام).

في تلك اللحظات كان محمد هلال عبد الباسط – عامل زراعي – منهكا في جمع القطن، قبل أن ينضم إلى شكاوى عبد الهادي شارحا أن الفدان الواحد يحتاج إلى 6 أجولة من الأسمدة، إلا أن الجمعية الزراعية – وهي ذراع الدولة المكلف بتوفير أدوات الفلاحة المعدومة – تمنح للمزارع جوالين فقط من سماد “اللوريه” بسعر 75 جنيها (نحو ١٥ دولار) للواحد، ويضطر المزارع إلى شراء المتبقي من السوق السوداء بضعف السعر، بجانب 6 أجولة من السماد السوبر، الذي يبلغ سعر الجوال منه 45 جنيها.

القطن يبحث عن نقطة ماء ويواجه جفاف الترع   

ننتقل إلى حقل آخر، وفى الطريق نعبر أحد المجاري المائية الصغيرة التي تستخدم في ري الحقول، فنلاحظ أنه جاف تماما، فيم يشير رفيقي عبد الرافع أن أزمة مياه الري من أهم المشكلات التي تواجه الفلاحين.

أزمة الري لا تتمثل فقط في شحة المياه ببعض المناطق، والتي تضطر المزارعين أحيانا لاستخدام مياه المصارف في ري الأراضي، فبحسب قول رجب السعيد العربي – مُستأجر أرض –  عملية ري الفدان الواحد تبلغ تكلفتها 500 جنيها (نحو ٩٠ دولار) في الدورة الزراعية. وهنا تلعب ندرة “السولار” (الديزل)، الذي يُستخدم كوقود في تشغيل ماكينات، دورا مهما في تفاقم الأزمة، إذ وصل سعر العبوة “الصفيحة” في السوق السوداء إلى 40 جنيها.

كنوز الذهب الأبيض مخزنة في بيوت المزارعين

وبعد تخطيه لعقبتي توفير السماد وتغطية تكاليف الري، يجد المزارع نفسه أمام عقبة ثالثة تهدد بتبديد جهوده كلها: فالقطن هذا العام لا مشتري له.   

محطتنا الثالثة: منزل رفيقي عبد الرافع. هنا الأجولة المُعبّئة بالقطن مُخّزنة في شرفة وغرف المنزل، هكذا حال مستأجري الأراضي. مشيرا إلى محصوله يشرح عبد الرافع كيف أدى إنخفاض أسعار القطن العالمية وأزمة السيولة الموجودة في البلد حاليا إلى توقف حركة البيع والشراء تماما. ثم تدخلت الحكومة المصرية لرفع سعر القطن إلى 1100  جنيه (نحو ٢٠٠ دولار) للقنطار، مع سد الفارق من خزينة الدولة، لكن دون جدوى، فأولا ذاك السعر لازال، حسب قول عبد الرافع، “لا يتناسب بالمرة مع تكاليف الزارعة، وثانيا التاجر يستغل أزمة المزارع ويُخفّض السعر عن التسعيرة المحددة.”

نقابة الفلاحين تحاول حل أزمة تسويق القطن

وفي حديث هاتفي مع نقيب الفلاحين بالمحلة أحمد عدس، أشار ذلك الأخير إلى أن بعض المزارعين أضطر في النهاية إلى بيع القطن المخزن بأقل من سعره، موضحا أن تدهور صناعة الغزل والنسيج من أهم أسباب صعوبة تسويق القطن، لزيادة المعروض عن حاجة السوق.