ركام عقار منهار وأثاثات متهالكة وسيدات بملابس البيت يصرخن ويبكين من هول الصدمة. رجال مغطون بالتراب والغُبار الأبيض يقومون بانتشال بقايا محتويات منازلهم. أطفال يختبئون في أحضان أمهاتهم غير مدركين جدية الموقف.

ركام عقار منهار وأثاثات متهالكة وسيدات بملابس البيت يصرخن ويبكين من هول الصدمة. رجال مغطون بالتراب والغُبار الأبيض يقومون بانتشال بقايا محتويات منازلهم. أطفال يختبئون في أحضان أمهاتهم غير مدركين جدية الموقف.

[ibimage==3109==Small_Image==none==self==null]

كل ما بقي من المنزل

هذا هو المشهد المسيطر على حي محرم بك حيث إنهار أحد العقارات منتصف شهر نوفمبر الحالي، وهو مبنى مكون من 4 طوابق  تسكنه 12 أسرة. السكان ما زالوا متأثرين بهول الحدث، الحاجة أم إسلام تتذكر لحظة إنهيار البيت: “أثناء جلوسي بصالون الشقة شعرت بميل وتأرجح غريب للمنزل، فظننت في البداية أنه زلزال قوى، لذا قُمت على الفور بأخذ أولادي ونزلنا إلى الشارع بملابس النوم. وحين نزلنا إلى الشارع وخلفنا باقي السكان رأينا وسحابة بيضاء ضخمة تحمل غبار المنزل المنهار. إنهار العقار بالكامل بعد أن خرجنا بلحظات، وحمدنا ربنا علي خروجنا أحياء قبل أن يردمنا التراب.”

بينما يؤكد نادر سعيد، أحد السكان، أن العقار لم تصدر له أي قرارات بالإزالة أو الترميم، مطالبا المستشار محمد عطا، مُحافظ الإسكندرية، بتوفير مساكن بديلة على وجه السرعة لأنهم لا يملكون شراء أو تأجير سكن يأويهم.

التوقيع على قرار بالموت ولا الإقامة على الرصيف

مكان آخر – الأزمة تتكرر. عقار بشارع عبد المُعطي الخيام بحي باب شرقي، إنهارت فيه سلالم وأجزاء أخرى من الطابقين الثالث والرابع، ما دفع قوات الشرطة والأجهزة التنفيذية إلى إخلائه خشية الإنهيار التام، إلا أن السكان رفضوا لعدم وجود سكن بديل.

الحج محمود عبد الوهاب، أحد البيت، صرح لـ “مراسلون” أنه وقع علي قرار الإقامة في العقار هو وأسرته على مسئوليتهم، لأنه يعلم جيداً أنه إذا ترك شقته سوف يعيش علي الرصيف هو وأسرته.

ويضيف عبد الوهاب: “أموت داخل بيتي ولا أنتظر أن يعطف علينا المسئولين بشقة،” مشيراً إلى أن العقار صدر عليه قرار ترميم منذ 5 أعوام، والتمس سكانه العون  مئات المرات لدى المسئولين لتعذر ترميمه على نفقتهم الخاصة، لكن “لا حياة لمن تنادي.”

خبراء: التربة هي الجاني

مأساة متعددة الجوانب غدت من المشاهد الحياتية اليومية في الإسكندرية، فأنباء العقارات المنهارة تزاحم صفحات الجرائد يوما بعد يوم، مأساة تتكالب فيها الخواص المناخية والجيولوجية للمدينة مع طول حبال المسئولين لتضع المئات من الفقراء في مأزق حقيقي.

فالحديث هنا بالطبع إما عن عقارات قديمة مهملة، أو عن مساكن عشوائية رصت دونما ضوابط، فبحسب عبد الصمد مدكور، الأستاذ بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، “الكارثة هي عدم وجود مهندس من قبل الحي يقوم بعمل إختبارات للتربة الواقع عليها العقار وتسمى “جسات” لقياس درجة خُصوبة التُربة.”

أما تلك التربة، فهي تتأثر تأثرا كبيرا بتماسها مع البحر. الدكتور نور الدين السعداوي، الخبير الجيولوجي بجامعه الإسكندرية، يشرح قائلا: “المناطق الساحلية القريبة من البحر تكون التُربة فيها رملية مثل الإسفنج الجاف، مليئة بفراغات الهواء. وعند تشربها بالماء – ما يحدث عادة بسبب إنفجار مواسير المياه ومواسير الصرف الصحي المدفونة تحت الأرض – تصبح التربة رخوة، ما يؤدي إلي إنهيار المنشآت المبنية عليها.”

ويقترح السعداوي حلا متمثلا في هو تبديل ماسورات المياه المدفونة تحت الأرض بأخرى معلقة مصنوعة من البلاستيك على الأقل للعقارات حديثة البناء، كما ينصح المُحافظة بتشكيل لجان من الخبراء الجيولوجيين لفحص أراضي العقارات القديمة منعاً لإنهيارها.

المحافظ: الأزمة ستحل قريباً!

وهكذا فإن الخبراء وأصحاب الشأن على حد سواء يضعون المشكلة في أيدي المسئولين، فهل ثمة إرادة سياسية لتنفيذ حلول جذرية؟ المستشار محمد عطا، مُحافظ الإسكندرية، يؤكد أنه أمر بتشكيل لجنة هندسية علي مستوي عال لعمل تمشيط كامل لكافة العقارات المُنهارة وحصرها حتى تتلاشي الأزمة. لكن لا يفوته إلقاء اللوم على الطرف الآخر أيضا، فيقول: “العامل الرئيسي في مسلسل الانهيارات هو أن سكان العقارات الصادر لها قرارات إزالة لا ينفذون تلك القرارات بسبب العجز في توفير سكن بديل لهم في مساكن شعبية أو غيره…” ثم يعود ليؤكد أنه سوف يسع لحل تلك الأزمة أيضا في القريب العاجل.

عودة إلى مشهد إنهيار عقار محرم بك. بين الأتربة تكاتف الضحايا على إنقاذ ما يمكن نقذه، يقف مسئول للحي محاولا تهدئة الأهالي، واعدا إياهم بسرعة النظر في أمرهم من قبل المحافظ. بيد أنهم للحظة لم يتلقوا إلا الوعود.