لم يشعر الفنان واصف الخويلدي أحد  أبطال مسلسل “ليبيات” الذي استمر عرضه لخمسة مواسم متتالية زمن النظام السابق، بأي انفراج في حيّز الحريات المصاحبة لإنتاج الأعمال الفنية بعد الثورة الليبية.

مسلسل “ليبيات فري” الذي عرضته في رمضان الماضي قناة “ليبيا لكل الأحرار”، يأتي على خطى عمل “ليبيات” السابق، مع إضافة كلمة “فري” لاسم المسلسل في نسخته الأخيرة، على أمل أن يصبح العنوان ترجمة للواقع الفني كما يتمناه فريق العمل بعد الثورة.

لم يشعر الفنان واصف الخويلدي أحد  أبطال مسلسل “ليبيات” الذي استمر عرضه لخمسة مواسم متتالية زمن النظام السابق، بأي انفراج في حيّز الحريات المصاحبة لإنتاج الأعمال الفنية بعد الثورة الليبية.

مسلسل “ليبيات فري” الذي عرضته في رمضان الماضي قناة “ليبيا لكل الأحرار”، يأتي على خطى عمل “ليبيات” السابق، مع إضافة كلمة “فري” لاسم المسلسل في نسخته الأخيرة، على أمل أن يصبح العنوان ترجمة للواقع الفني كما يتمناه فريق العمل بعد الثورة.

[ibimage==2948==Small_Image==none==self==null]

أكثر من وجه لمعمّر

وصاية فكرية

واصف أو “معاذ” حسب شخصيته في العمل الذي يكتسي صبغة كوميدية، يرى أن الرقابة و”الخطوط الحمراء” تحديداً، لم تُلغ بعد من الساحة الفنية، بل تبدّلت بأخرى تختلف عنها في المسميات، “مع تغيّر إيجابي بسيط لايكاد يذكر” على حد قوله.

ولهذا فهو يشدد على أهل الدراما وخصوصاً الممثلين أن يتحركوا ويبادروا بإنشاء نقابة تحفظ لهم حقوقهم وتدافع عنهم ولا تسمح بحسب واصف “للمتطفلين على هذه المهنة بالتسلط عليهم”. 

أما مخرج العمل مؤيد زابطية، وبالرغم من بعض التفاؤل الذي أبداه بخصوص اتساع هامش حرية الإبداع تدريجياً بعد الثورة، لم يمنعه ذلك من الاعتراف بوجود شيء من الرقابة المجتمعية المبطّنة.

 يقول زابطية لموقع “مراسلون” “ماتزال هناك رقابة مهنية يمكننا التعامل معها حسب طبيعتها الفنية سواء كانت أخلاقية أوقانونية، لكن مانخشاه بعد الثورة هو أن تصبح الرقابة نوعاً من الوصاية الفكرية على الفن”.

ويضيف “انطلاقا من طبيعة الواقع الذي يعيشه الفن الليبي، هامش الحرية يجب أن يُنتزع، لأنه لن يُقدّم على طبق من ذهب، سواء أكان ذلك قبل الثورة أو بعدها”.

النقد والتهديد بالقتل

مسلسل ليبيات الذي تعرض لمنع حلقاته من البث في موسمين متتاليين أيام نظام القذافي – 2009 و2010 –، شكلت “الدُمى الساخرة” التي تم توظيفها في بعض مشهديات النسخة الأخيرة منه، أبرز إضافة تقنية وفنية على صعيد أسلوب طرحه للشخصيات.

[ibimage==2954==Small_Image==none==self==null]

الرقابة بدأت منذ العهد الملكي

لكن تلك الفرادة التي تميز بها العمل خلقت عبئاً وضغطاً على فريق العمل لم يتوقف بالانتهاء من عرض المسلسل، وذلك بسبب ما أثارته من استياء عدة أطراف احتجت على تقديم رموز سياسية ودينية بهذا الأسلوب الساخر.

يقول زابطية “بلغ الأمر حدود إرسال تهديدات بالقتل وتكفيرنا بحجة تعرضنا لرموز دينية”.

المفارقة كما يشير المخرج، أن الشخصيات السياسية والدينية التي تعّرض لها العمل وأظهرها على شكل دُمى لم تعترض مباشرة علي ماجاء من نقد موجّه إليها، بل ظهرت الانتقادات في صورة ردود أفعال قاسية على ألسنة الموالين لتلك الشخصيات والمحسوبين عليها، ما زاد الأمر سوءاً وتعقيداً.

يضيف زابطية “لا نريد من أحد أن يفرض علينا رقابة لا فائدة منها، فأهل الدراما أدرى بمهنتهم، وما يوجد في نهر الفن لا يوجد في بحر الرقابة، خاصة مع اتساع الأدوات وسُبُل الاتصال أمام الممثل والمشاهد”.

رقابة بديلة

 مسألة الرقابة على المخرجات الفنية في ليبيا ليست جديدة، بل هي قديمة قدم الفن ذاته، وعرفت أطواراً مختلفة ارتبطت غالباً بالأوضاع السياسية في البلاد.

وقد شهدت الرقابة في المُجمل انفراجاً ملحوظاً في عهد المملكة الليبية، التي أكدت على حماية الحريات العامة كما تضمّنها الدستور الليبي المصاغ سنة 1951 في نصوص بعينها كالمواد  “12/21/ 23” من الفصل الثاني منه.

المواد المذكورة في نص الدستور الليبي السابق كفلت حرية التعبير بأشكالها المختلفة، وضمنت الدفاع عنها بالقانون، لتعرف ليبيا بذلك هامش حرية نوعي على مستوى المنطقة  ككل.

 وبقدوم وسيطرة القذافي على الحكم في ليبيا عام 1969، شهد الإبداع في صوره المختلفة انحساراً متنامياً لحساب التركيز على تضخيم ذات “القذافي”، والتضييق على  النُخب ليصل الأمر حدود تشكيل “وحدة محاربة النجومية” تابعة لجهاز الاستخبارات، تكفّلت بإجهاض الكثير من الأرواح والرؤى الإبداعية في مختلف مجالات الفن.

يرى عبد الله الشاوش وهو أحد الفنانين المساهمين في العمل، أن “الخطوط الحمراء” التي نالت من حرية الفن والفنانين زمن القذافي كانت بمثابة “خط أحمر واحد” واضح المعالم.

لكن الغريب كما يؤكد الشاوش أن هذه الخطوط المعيقة لحرية الإبداع أصبحت بعد الثورة لا تعد ولا تحصى، فصارت “القبيلة والرموز السياسية والثوار ومدنهم وقٌراهم وبلداتهم جميعها  خطوطا حمراء لا يستطيع أحد التعرض لها بالنقد أو المساءلة”، على حد تعبيره.

“الشاوش” يعيب على الفنانين قصورهم ويقول “الحالة  المتردية التي يعيشها الفنانون الليبيون هم أول من ساهم في رسم معالمها لعدم سعيهم إلى تكوين جسم نقابي أو كيان قانوني يحفظ حقوقهم” مؤكداً بذلك على رأي واصف الخويلدي.

 ويضيف “لهذا اختلط الحابل بالنابل وأصبحت، للأسف، صورة الفنان الليبي مهزوزة لدى المواطن العادي قبل المسؤول”.

الدراما الموسمية

الناقد الفني “حمزة جبودة” تطرق في حديثه لمراسلون إلى مشاكل الإنتاج في ليبيا، مشخصاً إياها في اقتصار إنتاج الأعمال الفنية على المؤسسات الحكومية، وتركزها فيما يعرف بـ”برامج المائدة الرمضانية”.

يقول جبودة “هذه الظروف وضعت الفنان الليبي نفسه في نطاق الموسمية، والتي بدورها ساهمت في فرض المزيد من الرقابة والضغط السلبي” .

ويضيف “الحالة الدرامية في ليبيا عموماً تحتاج إلى إعادة هيكلة من قبل أبناء المهنة ذاتهم، وبمساعدة القطاع الخاص الذي يجب أن يبادر ويدخل عالم الإنتاج حتى تتقلص مساحة الخطوط الحمراء الحكومية”.

جبودة يؤكد أيضاً على ضرورة وضع المشاهد الليبي في أعلى سلم الأولويات، فالخيارات الفنية اتسعت وأصبح المشاهد مطّلعا على الدراما العربية والعالمية، وما قد تمنعه الخطوط الحمراء في ليبيا سوف يجده المشاهد في القنوات الفضائية الأخرى.

المشاهد الليبي المتلقي لهذا الإنتاج الفني الموسمي الضئيل، تباينت آراؤه حول مفهوم وضرورة وجود جهاز فني رقابي بعد الثورة.

حيث يرى عبد الرزاق محمد أن المجتمع الليبي له خصوصيته، ويجب على جميع أهل الفن التقيد بهذه الخصوصية، ولهذا يعتقد أنه يجب إنشاء جهاز رقابي يقوم بعملية تصفية لأي مصنّف فني مخالف، حتى لا ينصدم المشاهد بما ينافي تعاليم المجتمع تحت بند “حرية الإبداع” حسب قوله.

وعلى العكس من ذلك يعتقد رواد العقبي أنه من المفترض أن تنعكس حرية التعبير على الأعمال الفنية بشتى أشكالها، خاصة بعد الثورة.

وفي هذا يقول العقبي أن الجهاز الرقابي الوحيد بعد الثورة هو ضمير الفنان، ولا ضرورة لأي “مقص” رقابي يأتي تحت مسمى برّاق ليتحول فيما بعد إلى “مقصلة” رقابية تمزّق جسد الفن”.