زواج القاصرات واقع يعيشه المجتمع الريفي في بعض قرى محافظة الدقهلية (نحو 80 كلم شمال القاهرة). فالفتيات اللواتي يبلغن 12 عاما يدخلن سوق الزواج في بعض القرى، وإذا قرر الأب أو الجد الموافقة على أحد طالبي اليد، يتم تحرير عقد زواج عرفي بالإضافة إلى شيك أو وصل أمانة يوقع عليه العريس، حتى يضمن أهل العروس أن يقوم الرجل بالزواج منها فعلا عندما تبلغ السن القانوني، شرعيا هذه المرة، ويتم التخلص من العقد العرفي، وهو ما يسمى “زيجات الشيكات” في قرى المنصورة.

عقد عرفي مقابل وصل أمانة

زواج القاصرات واقع يعيشه المجتمع الريفي في بعض قرى محافظة الدقهلية (نحو 80 كلم شمال القاهرة). فالفتيات اللواتي يبلغن 12 عاما يدخلن سوق الزواج في بعض القرى، وإذا قرر الأب أو الجد الموافقة على أحد طالبي اليد، يتم تحرير عقد زواج عرفي بالإضافة إلى شيك أو وصل أمانة يوقع عليه العريس، حتى يضمن أهل العروس أن يقوم الرجل بالزواج منها فعلا عندما تبلغ السن القانوني، شرعيا هذه المرة، ويتم التخلص من العقد العرفي، وهو ما يسمى “زيجات الشيكات” في قرى المنصورة.

عقد عرفي مقابل وصل أمانة

تروي أمل أحمد التي لم تبلغ السادسة عشرة من عمرها تفاصيل زيجتها قائلة “تزوجت ابن عمي فى سن الثانية عشرة، وخرجت من المدرسة جرّاء ذلك.” وتضيف “جدي عرض عليه الزواج من أختي الكبرى والتي كان عمرها 19 عاما لكنه رفض وأراد الزواج مني”.

الزوج حسن مختار، 25 عاما، يعيش مع أمل فى بيت العائلة بدكرنس شرقي المنصورة “بسعادة تامة” كما يقول. تقدم حسن للزواج من أمل وعمره 20 سنة، ويعمل كسائق عربة “توكتوك” وكأجير في ورشة ميكانيك.

يقول مختار “وقّعت قبل زواجي من أمل على وصلين أمانة على بياض مع ورقتي الزواج العرفي، وقام جدّي بتوثيقها فى الشهر العقاري لضمان إثبات النسب، وتم الاتفاق على أن أعقد قراني مرة أخرى عندما تبلغ أمل السن القانونية وعندها أسترد وصولات الأمانة”.

وعلى بعد عشرات الأمتار من بيت مختار يقطن سمير حسن والذي تزوج من ابنة عم له أيضا بطريقه عرفية. ويقول “تزوجتها ولم تبلغ وقتها 12 عاما، فقد اعتادت العائلات في قريتنا زواج أولاد العم من بنات العم، وقمت أيضا بالتوقيع على وصولات أمانة لوالد منى حتى تبلغ السن القانوني استرد وصولاتي وأقوم بعقد قرانها رسميا”.

ويواصل سمير “أنا أعمل ميكانيكي فمصدر رزقي باليومية، وأستطيع الإنفاق على زوجتي وأنا أرى زوجتي منى قادرة على تحمل مسئولية المنزل”.

مأذون القاصرات

زيجات القاصرات الممنوعة قانونا يقوم بها بعض الشيوخ مثل الشيخ “مقبل” مأذون القاصرات بالدقهلية، والذي يتمم زواج ما لا يقل عن 15 فتاة قاصرة شهريا من مختلف قرى الدقهلية، كما يقول، واتخذ من مجمع المحاكم بالمنصورة مكانا لاتفاقات على الزيجات.

الشيخ مقبل يشرح طبيعة عمله للفتيات القاصرات اللاتي يتصلن به للاستعلام كالتالي:”ما أحصل عليه نظير ورقة زواج عرفي لفتاة أقل من 18 سنة ولو بيوم واحد، وموثقة في الشهر العقاري هو 3500 جنيه (نحو 500 دولار أمريكي).”

ويطمئن الشيخ المتصلات قائلا “سأعطيك رقم رسمي من الشهر العقاري لكي يقيد الطفل باسم أبوه لو حصل حمل. وعند بلوغك السن القانوني سأكتب لك عقد قرأن رسمي وقانوني وبمؤخر وقائمة كاملة وأذكر فيه أنك “بكر” وتكون أتعابي في العقد الرسمي وفقا لمبلغ المؤخر كأي مأذون، أي 10% من قيمة مؤخر الصداق”.

اتجار بالبشر

“زواج القاصرات مخالف لقانون الطفل لذلك يتم بعيدا عين أعين السلطات”،تقول الناشطة الحقوقية شهدان الغرباوي مديرة جمعية الخدمات القانونية للمرأة والطفل. وتضيف الغرباوي أن العقوبة القانونية لزواج القاصرات غير رادعة، ولابد من مواجهة الظاهرة بتشريع يضمن حقوق الفتاة الطفلة التي دون السن القانوني، حيث ان العقوبة المقررة في القانون الحالي هي عقوبة تعريض حياه طفل للخطر وأقصاها 3 شهور حبس أو غرامه.  

وتطرح الغرباوي إدراج زواج القاصرات ضمن الاتجار بالبشر، مضيفة أنه “إذا كان القانون يمنع التصرفات المالية حتى سن الرشد 21 سنة فما بالنا بحالة الزواج”.

ومن بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية لمحاربة هذه الظاهرة هو إنشاء الخط الساخن للإبلاغ عن زواج القاصرات 16000 أو 16020. المسؤولة عن الخط الساخن عايدة نور الدين تشرح الإجراءات التي يتم اتخاذها حال الاتصال بالخط الساخن قائلة: “فور تلقينا البلاغ والذي في الغالب يتم من مجهول ننتقل على الفور بصحبة الاخصائيات الاجتماعيات لإقناع الأهل بخطورة ما يقومون به على الطفلة وعلى أنفسهم ومدى الجرم القانوني والعقوبة المقررة له. عادة إذا ما وصلنا قبل إتمام الزواج ننجح في إقناع الأسرة في العدول عن الزواج، لكن في أغلب الأحوال لا يتم إنقاذ الموقف، حيث معظم البلاغات تأتى معلومات عامة وأسماء وبدون عنوان محدد فيأخذ فريق البحث وقتا تكون فيه الفتاة تزوجت بالفعل”.

وتشير نور الدين إلى قلة الإتصال بالخط الساخن بعد الثورة، محذرة من أن ذلك لا يعني تراجع عدد زيجات القاصرات، حيث تقول “الخط الساخن كان يتلقى قبل ثوره 25 يناير ما لا يقل عن خمسة حالات شهرية فى كل محافظة من محافظات الدلتا، أما الآن فيبلغ إجمالي البلاغات على الخط الساخن صفرا، وذلك بسبب التوجه الديني الذي أضفى على تصرفات الأهل فى زواج الفتاة القاصر الشرعية، وهو ما ظهر جليا في ما سمعناه عن مناقشة الجمعية التأسيسية للدستور خفض سن الزواج إلى 9 سنوات”.

سببه الفقر المدقع

من وجهة نظر الدكتورة سامية الساعاتى أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، وعضو المجلس الأعلى للثقافة، فإن زواج القاصرات وصل إلى حد مقلق، “حيث يتم بيع الفتيات القاصرات بعقود عرفية إلى رجال أعمال خليج وعرب مقابل أجر مادي وعقود عمل لوليها فى الخارج”.

وأرجعت الساعاتى هذه الظاهرة إلى الفقر والجهل، فهذان العاملان دفعا طبقات معينة في المجتمع إلى بيع بناتها بعقود عرفية لقاء أجر. وأشارت إلى الإنتهاكات التي تحدث للفتيات في ذلك السن، إذ أن الزوجة الصغيرة تستخدم لخدمة الرجل، وأحيانا خدمة زوجته الأولى، فهي فتاة لا تعي المسئولية ولا تعي حقوقها.

وإن كانت الحقوقية شهدان الغرباوي قد أشارت إلى تغليظ العقوبات هو سبيل التصدي لهذه الظاهرة، تعلي الساعاتى من أهمية محاربة الفقر في هذا الخصوص، حيث تقول “يجب القضاء على الفقر المدقع بطريقة تحفظ ماء الوجه، فالأسر في بعض الأماكن العشوائية لا تطلب الكثير لكنها تطلب حد الكفاف وهو الذى لم يعد يتوافر”.