أحمد الشامي، المكلّف رسمياً من قبل الدولة الليبية بملف السجناء الليبيين في العراق، اعتقلته السلطات العراقية في 18 تشرين اول/أكتوبر الماضي بمجرد انتهائه من توديع ممثل جامعة الدول العربية في بغداد ناجي شلغم.
الأسباب الكامنة وراء اعتقال الشامي الذي يرأس المؤسسة العالمية لحقوق الإنسان المتأسسة مطلع عام 2012 بطرابلس، ماتزال رهن نظرية الاحتمالات وتتجاذبها تخمينات متضاربة.
أحمد الشامي، المكلّف رسمياً من قبل الدولة الليبية بملف السجناء الليبيين في العراق، اعتقلته السلطات العراقية في 18 تشرين اول/أكتوبر الماضي بمجرد انتهائه من توديع ممثل جامعة الدول العربية في بغداد ناجي شلغم.
الأسباب الكامنة وراء اعتقال الشامي الذي يرأس المؤسسة العالمية لحقوق الإنسان المتأسسة مطلع عام 2012 بطرابلس، ماتزال رهن نظرية الاحتمالات وتتجاذبها تخمينات متضاربة.
البعض يرجّح أن يكون سعي الشامي المتواصل لإطلاق سراح المعتقلين الليبيين، ونجاحه في الإفراج عن خمسة سجناء من أصل ستة عشر يقبعون في السجون العراقية، هو سبب اعتقاله.
فيما يرى البعض الآخر أن اعتقاله يأتي كرد فعل على اختطاف سبعة إيرانيين في 31 تموز/يوليو الماضي في مدينة بنغازي ثانى أكبر المدن الليبية.
المسألة ظلت مثار تساؤل الكثيرين، وعلى رأسهم أسرة الشامي التي استغربت الواقعة وألقت باللوم علي الدولة الليبية التي تقاعصت في متابعة القضية أولا بأول كما يقول نجل الشامي حمزة.
خرق للحصانة
حمزة، الابن الأوسط للناشط الحقوقي الليبي يتساءل “كيف لشخص يمثل ﺩﻭﻟﺘﻪ، ﻭتقع عليه مسؤولية ﺤﻤﺎﻴﺔ ﻤﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ﻭﻤﺼﺎﻟﺢ ﺭﻋﺎﻴﺎﻫﺎ، أن يُعتقل بهذا الشكل دون مراعاة لمكانته السياسية وهيبة الدولة التي ينتمي إليها؟”.
يروي حمزة لـ”مراسلون” تفاصيل الوضع القانوني لوالده كما وصلته “لقد علمنا من والدي في مكالمة هاتفية أول أيام عيد الأضحى أنه تم نقله إلى السجن “المركزي القديم”، وأن المخابرات العراقية وجّهت إليه أربع تُهم، تصل عقوبتها للإعدام”.
ويضيف “نحن نستغرب اعتقال أبي من طرف السلطات العراقية في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن ﺍﻟﺩﺒﻠﻭﻤﺎﺴيين والنشطاء الحقوقيين ﻴﺘﻤﺘﻌﻭﻥ ﺒﺍﻟﺤﻤﺎﻴﺔ كما نصّت عليها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية”.
كما عبّر حمزة عن استغراب أسرته تجاه صمت السلطات الليبية وتلكُّكِها في متابعة قضية والده، واقتصار رد فعلها على التصريحات، من غير أي “اهتمام مباشر” حسب وصفه.
رد على اختطاف الإيرانيين
ويقول حمزة أن العائلة اتصلت بسفير جامعة الدول العربية في بغداد “ناجي شلغم”، ورئيس المؤتمر الوطني الليبي العام “محمد المقريف”، الذي أكد لهم أن وفداً ليبياً رفيع المستوى سوف يلتقي مسؤولين من الحكومة العراقية لحل الخلاف حول ما جرى لوالده.
كما أكد نجل الشامى على أن اتصالا أجراه مؤخرا مع نقابة المحامين، علم من خلاله أن والده مثُل أمام محكمة عراقية في الثامن من نوفمبر الجاري، إلا أن المحاكمة تم تأجيلها لأسباب لم يعلمها.
فرج القبائلى، أحد السجناء الخمسة الذين ساهم الشامي في إطلاق سراحهم من السجون العراقية، لا يستبعد في حديثه لـ “مراسلون” أن يكون اعتقال الأخير “جاء كردة فعل على حادثة وفد الهلال الأحمر الإيراني الذي اختُطف في مدينة بنغازي”.
وكان الوفد الإيراني المكون من 7 أشخاص يعملون مع مؤسسات مدنية، اختطف أثناء قيامه بزيارة إلى جمعية الهلال الأحمر ببنغازي، إلا أن الوفد تم إطلاق سراحه وغادر ليبيا فعلاً في الخامس من أكتوبر الماضي.
القبائلي أشار إلى أن الشامى يحظى بشعبية كبيرة لدى أغلب السجناء العرب، وليس الليبيين فحسب، مؤكداً بأنه التقاه عدة مرات وهو يقوم بمجهودات كبيرة من أجل الإفراج عن السجناء الليبيين في العراق، ومساعدة بعض السجناء العرب خلال فترة وجوده بالعراق التي قاربت خمسة أشهر.
تغييب قسري
الناشط الحقوقي ومؤسس “ائتلاف السابع عشر من فبراير عبدالسلام المسماري يرى أن اعتقال أحمد الشامي أمر غير مبرر، ويؤكد أن الحكومة العراقية “مطالبة بالإفراج الفوري عنه، ليس لكونه رئيس مؤسسة حقوقية فحسب، بل لأن المرجّح أن القبض عليه جرى لعرقلة جهوده في متابعة ملف السجناء الليبيين في العراق” بحسب قوله.
يقول المسماري لـ”مراسلون” إن “على السلطات الليبية أن تخرج عن جمودها وتضغط على الحكومة العراقية للإفراج عن الشامي”.
كما يطالب الدولة الليبية باتخاذ مواقف أكثر جدية من مجرد التصريح الخجول عن إرسال وفد لمقابلة مسؤولين عراقيين، فمن غير المقبول، حسب المسماري، تعريض الشامي لإجراءات شبيهة “بالتغييب القسري، لاسيما وأن الغموض والتعتيم يسود ملابسات اعتقاله” يقول.
رفع عتب
البيانات والإدانات التي أصدرتها الجامعة العربية، والمؤسسات الحقوقية كـ “المرصد الليبي لحقوق الإنسان”، و”المؤسسة العالمية لحقوق الإنسان” – التي يرأسها الشامي –، و”المنظمة العربية لحقوق الإنسان”، وغيرها تعد غير كافية، فهي غالباً ما تأتي “من باب رفع العتب” كما يصفها المسماري.
من جهته يعتقد الناشط الحقوقي محمود علي أن الحكومة العراقية تسعى من خلال اعتقال الشامي لإفشال ملف التفاوض الخاص بإطلاق سراح بقية الأسرى لديها.
ويقول محمود “يبدو أن ضغوطاً تُمارس على الحكومة العراقية من جهات بعينها، خاصة بعد أحداث السفارة الأمريكية، لاسيما وأن جل السجناء الليبيين كانوا من مدينة بنغازي، التي شهدت واقعة مقتل السفير الأمريكي في 11 سبتمبر الماضي”.
محمود يرى أن صمت الخارجية الليبية هو الآخر يصُب في الاتجاه نفسه، فأداؤها “فاشل كأداء حكومة عبدالرحيم الكيب (السابقة)”، ويأمل من رئيس الحكومة الجديدة علي زيدان أن يفعل شيئاً بالخصوص.
تصريحات خجولة
من جانبها، قالت وزارة الخارجية أن هناك جهوداً تُبذل من قبل السلطات الليبية للإفراج عن الدكتور أحمد الشامي قريباً.
المتحدث باسم الخارجية الليبية سعد الشلماني أكد لـ”مراسلون” أن وزير الخارجية الليبي عاشور بن خيال – المنتهية مهامه بتشكيل الحكومة الجديدة –، وجّه في وقت سابق رسالة كتابية إلى السلطات العراقية مطالباً بالإفراج عن “الشامي” .
ويؤكد الشلماني أن وفداً ليبيا برئاسة سليمان الفورتية، الذي كان مسؤولاً عن ملف السجناء الليبيين في العراق أيام حكم المجلس الوطني الانتقالي، سيتوجه إلى بغداد قريباً للتباحث مع رئيس الوزراء العراقي نورى المالكي بشأن الإفراج عن أحمد الشامي، ومعرفة أسباب استمرار اعتقاله حتى الآن.
تبادل المحكومين
أحمد الشامي الذي مارس مهمة التباحث بهدف إطلاق السجناء الليبيين في العراق لمدة خمسة أشهر، قام بزيارات عدة رفقة نشطاء ومهتمين ومسؤولين ليبيين إلى بغداد، كانت “جمعية التواصل الإنسانية الليبية” حاضرة في إحدى تلك الزيارات.
يقول عبدالله الوافي – أستاذ جامعي – وعضو جمعية التواصل أن الوفد التقى أثناء زيارته إلى بغداد برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ووزير العدل العراقي حسن الشمري.
وأوضح أنه تم تسهيل مهمتهم بالوصول إلى السجناء والاطلاع على أحوالهم، كما يعكسها الوضع داخل سجن “الناصرية”، الذي يضم أكبر عدد من السجناء الليبيين تتراوح أحكامهم بين 5 و 15 سنة.
يقول الوافي “طالبنا السلطات العراقية بتحسين أوضاع السجناء ومعاملتهم معاملة حسنة ضمن معايير وقوانين الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، كما استطعنا وقف تنفيذ حكم إعدام صدر بحق سجين ليبي استنفد مراحل التقاضي”.
كما أكد في خاتمة حديثه لـ”مراسلون” أن ثمة اتفاقاً لتبادل المحكومين بين ليبيا والعراق، يُتوقّع أن يدخل نطاق التفعيل خلال الفترة المقبلة.
أكثر من شهر مر اليوم على اعتقال أحمد الشامي، ولا زالت الجمعيات والمؤسسات الحقوقية تحاول مساندة أسرته والضغط على الحكومة للتحرك بهدف إطلاق سراحه، وإلى أن يتم إرسال وفد يتفاوض بشأنه أو يطبق اتفاق تبادل المحكومين، يبقى مصير الناشط الحقوقي مجهولاً رهن تصرف الحكومة المنتظر.