في مقهى صغير فى مدينة إطسا بمحافظة الفيوم، يجلس أعضاء اللجنة الشعبية يناقشون أزمة رشق تلاميذ مدرسة بقرية “الغرق” القريبة زجاج نوافذ المدرسة بالحجارة احتجاجا على قرار إدارة المدرسة بفصل الطالبات عنهم في فترة صباحية بسبب الكثافة الطلابية. يتفقون على أن يرافق عدد منهم الشرطة إلى المدرسة صباح اليوم التالي لضبط التلاميذ. يذهبون بالفعل ويساهمون في تأمين الطالبات وحماية المدرسة.

في مقهى صغير فى مدينة إطسا بمحافظة الفيوم، يجلس أعضاء اللجنة الشعبية يناقشون أزمة رشق تلاميذ مدرسة بقرية “الغرق” القريبة زجاج نوافذ المدرسة بالحجارة احتجاجا على قرار إدارة المدرسة بفصل الطالبات عنهم في فترة صباحية بسبب الكثافة الطلابية. يتفقون على أن يرافق عدد منهم الشرطة إلى المدرسة صباح اليوم التالي لضبط التلاميذ. يذهبون بالفعل ويساهمون في تأمين الطالبات وحماية المدرسة.

إنه مشهد إعتيادي من تبعيات ثورة يناير، بل يذهب البعض إلى القول بأن اللجان الشعبية، بما تجسده من مفهوم المشاركة المجتمعية، أحد ركائز النظم الديمقراطية، من أهم مكتسبات العامين الماضيين على الإطلاق.

هذه اللجان كانت قد نبتت مع اندلاع الثورة كالفطر في عموم محافظات الجمهورية بمسميات شتى، كاتحادات الثوار أو رابطات الشباب أو اللجان الشعبية، وهي جميعا تكتلات نشطاء على المستوى المحلي تهدف إلى المساهمة المباشرة في النهوض بمستويات المعيشة والوعي السياسي في نطاقها الجغرافي الضيق، من خلال تنظيم حملات توعية وجمع تبرعات ضغط على المسئولين المحليين، كل حسب طاقته وحسب السبل المتاحة له.

بعض اللجان كان ينشغل مثلا بتوزيع إسطوانات البوتاجاز بأسعارها الرسمية أثناء ذروة الأزمات، فيما يمارس آخر الرقابة على مخابز الخبز المدعوم، ويسعى ثالث لسد ثغرات أمنية بمعاونة الشرطة والجيش أو لتأمين لجان إمتحانات الثانوية العامة. هذه نبذة فقط من قائمة طويلة من أنشطة متنوعة حملتها اللجان على عاتقها.

خلاصة عام من التجارب

بيد أنه ومع دخول الثورة في طور جديد عقب الانتخابات الرئاسية، لوحظ تراجع موجة النشاط من هذا النوع، فعلى مستوى محافظة الفيوم، تكاد تكون لجنة مركز إطسا بفروعها هي الوحيدة التي لا تزال فاعلة بمعنى الكلمة، وذلك من بين عشرات المبادرات الشبابية التي أعلنت انطلاقها بعد الثورة بصوت مجلجل، فماذا حدث؟

يروي وليد أبو سريع، منسق اللجان الشعبية لمركز إطسا لـ”مراسلون” عن بداياته في حركة اللجان الشعبية، إذ شارك فى رابطة تضم نشطاء من جميع أنحاء المحافظة، لكنها كانت تجربة محبطة بالنسبة له، يقول: “إنضممت لها مع بعض زملائي لمدة شهرين من أجل خدمة المواطنين، لكننى إكتشفت أن فيها من يطمعون في الزعامة ليس إلا. كانت الصراعات على المناصب هي الهاجس الأهم في الرابطة ومن يحظى بشرف مقابلة المحافظ، بينما لم يكن للكيان هدف أو خطة عمل واضحة.”

“المراهقة السياسية” هي بالفعل إتهام متواتر يمس تجربة اللجان الشعبية. عصام الزهيرى، عضو “رابطة أبناء الفيوم” سابقا، يرى هو الآخر أن تجربة اللجان رغم كونها تجربة ثرية عالجت الفجوة بين الدولة والإدارات الحكومية ولبت الإحتياجات اليومية للمواطنين، إلا أنها عانت من التشويش الفكرى لمعظم الشباب المنتمين إليها بحكم عدم إمتلاكهم الخبرات السياسية.

الصدام مع المسئولين

بيد أن السبب الرئيسي وراء تراجع أهمية ظاهرة اللجان الشعبية إن لم نقل فشلها، يبدو كامنا في تلك العلاقة المضطربة بينها وبين السلطات المحلية. صحيح أن العلاقة بين السلطات الرسمية واللجان الشعبية قد تأخذ شكل التعاون المثمر أحيانا، كما تمثّل في انضمام أعضاء لجنة مركز إطسا لقوات الشرطة بغرض حماية فتيات مدرسة الغرق التجارية أو مساعدتهما للقوات الأمنية في حراسة لجان الثانوية العامة. إلا أن الصدام كان هو النبرة الأكثر سوادا بينهما، ما حدا بوليد أبو سريع، منسق اللجان الشعبية لمركز إطسا بالتصريح بأن الكثيرين ممن تحمسوا في البداية لتجربة المشاركة الشعبية، أداروا لها ظهورهم لوصولهم لحالة من الإجهاد المادي والجسدي من كثرة المشاكل التى لا تحل  بسبب تجاهل المسئولين لها.