عندما تكون خريجا لمدرسة “الشهيد عبد المنعم رياض”، وهي واحدة من منشآت وأماكن عامة عدة تخلد ذكرى شهيد حرب الاستنزاف، قد تتوقف لحظات لتتأمل الفارق في معالجة ملف الشهادة بين الأمس واليوم. أما عندما تكون فضلا عن ذلك أخا لأحد شهداء ميدان التحرير، فإن ذلك كفيل بتحويل المسألة إلى قضية وجودية تحتل حيزا لا بأس به من إهتمامك.   

عندما تكون خريجا لمدرسة “الشهيد عبد المنعم رياض”، وهي واحدة من منشآت وأماكن عامة عدة تخلد ذكرى شهيد حرب الاستنزاف، قد تتوقف لحظات لتتأمل الفارق في معالجة ملف الشهادة بين الأمس واليوم. أما عندما تكون فضلا عن ذلك أخا لأحد شهداء ميدان التحرير، فإن ذلك كفيل بتحويل المسألة إلى قضية وجودية تحتل حيزا لا بأس به من إهتمامك.   

يحكي طالب عبد المعطى أحمد رجب، وهو من تنطبق عليه المواصفتان أعلاه، كيف حاول كثيرا أن يضع أسم شقيقه علي المعهد الديني الإسلامي بقريته “الصنافين”، والذي تخرج منه أخاه الشهيد. لكن رجب قوبل برفض المسئولين التام – الذين هم نتاج الثورة، على حد تعبيره.

غياب التكريم المعنوي

هكذا تتجسد للبعض الفجوة بين معالجة الدولة لملف الشهداء في حقبات مختلفة. فبينما نجح أهالي الشهداء بعد مواجهات ضارية – أسفرت، للمفارقة، عن المزيد من القتلى السياسيين – في إلزام الدولة بصرف تعويضات مادية، غاب رد الإعتبار المعنوي إلى حد كبير. ويقول طالب رجب إن تكريم الشهداء معنويًا أهم بكثير بالنسبة له من التكريم المادي الذي حصلت عليه أسرته من الدولة وقدره 100 ألف جنيه.

ويضيف: “حتى الآن لم يوضع في ميدان التحرير نصب تذكري مدون علية أسماء الشهداء وصورهم في شكل حضاري يعبر عن ثورة، قارن ذلك بشهداء الحروب…”

بحر البقر: بين شهيدين

ما يسري على طالب رجب يسري بصورة أكثر إلحاحا على عبد المقصود حامد. فأسرة ذلك الرجل الستيني تقف على منطقة التماس بين حقبتين داميتين شكلا تاريخ مصر المعاصر: عبد المقصود هو خال الشهيد محمد عبدالرحمن المتوفى بميدان التحرير أثناء ثورة يناير. وفي نفس الوقت هو من أسرة الطفل الشهيد طارق حسن الذى قتل عام 1970 إبان حرب الإستنزاف، عندما أغارت طائرات حربية إسرائيلية علي مدرسة إبتدائية بقرية بحر البقر (محافظة الشرقية بالدلتا) لتحصد أكثر من أربعين شهيدا. وبحسب عبد المقصود أيضا ترجح كفة شهداء الأمس بالنظر إلى مدى إهتمام الدولة بفقداء حروبها وأزماتها السياسية.  فقد زار الرئيس الراحل السادات أسرة عبد المقصود شخصيا لتقديم العزاء، كما تم وضع أسماء شهداء المدرسة على مسلة علي مدخل القرية، ناهيك عن تخليد واقعة العدوان كجزء أساسي من المقررات الدراسية وغيرها من السرديات التاريخية لتلك الفترة.  

إلا أنه في مشهد مناقض لتصريحات عبد المقصود، يبدو أن ذكرى شهداء بحر البقر لم تسلم هي الأخرى من عبث الأقدار، إذ إختفت لأسباب غير معلومة المعروضات الخاصة بالواقعة – القنابل التى لم تنفجر وملابس الشهداء – من متحف عرابي بالمحافظة. وبحسب تصريحات أمجد ماهر، المسئول بالمتحف، فإن محافظ الشرقية الأسبق يحيى عبد المجيد أمر بشكل مباشر بتسليم المعروضات الخاصة ببحر البقر لمجموعة من الموظفين بالمحافظة وتم تحميلها على جرار زراعي، “ولا نعلم أين ذهبت.”