استقبلتنا لمياء الشريف بابتسامة شاحبة بعد أيام من الاضراب عن الطعام. الإرهاق ألقى بظلاله على جسدها النحيل فأفقدها من الوزن بضعة كيلوغرامات مبرزا عظام وجهها.

تعمل لمياء، 28 سنة، في مؤسسة “دار الصباح” الإعلامية منذ ثماني سنوات في قسم الأحداث الوطنية وتعتبر أن هذه المؤسسة بمثابة موطن لها “لا سبيل لتركيعه أو السيطرة عليه من أي جهة كانت حكوميَة أو غيرها”. وبرغم إضرابها الذي استمر سبعة أيام لم تتخلف عن القدوم لمكتبها والمساهمة في إصدار الجريدة، كتابة وتحريرا.

استقبلتنا لمياء الشريف بابتسامة شاحبة بعد أيام من الاضراب عن الطعام. الإرهاق ألقى بظلاله على جسدها النحيل فأفقدها من الوزن بضعة كيلوغرامات مبرزا عظام وجهها.

تعمل لمياء، 28 سنة، في مؤسسة “دار الصباح” الإعلامية منذ ثماني سنوات في قسم الأحداث الوطنية وتعتبر أن هذه المؤسسة بمثابة موطن لها “لا سبيل لتركيعه أو السيطرة عليه من أي جهة كانت حكوميَة أو غيرها”. وبرغم إضرابها الذي استمر سبعة أيام لم تتخلف عن القدوم لمكتبها والمساهمة في إصدار الجريدة، كتابة وتحريرا.

تعود بذور الاضراب في “دار الصباح” شبه الحكومية إلى آب/أغسطس الماضي حينما فرضت الحكومة اسم “لطفي التواتي” رئيسا لمجلس الإدارة ومديرا عاما للصحف الثلاث الصادرة عنها وهي “الصباح” و”الصباح الأسبوعي”، وثالثة صادرة بالفرنسية (le temps). حينها رفض الصحفيون ما اعتبروه تدخلا من جانب المدير الجديد في الخط التحريري للصحف فضلا عن اتهامات ساقها عاملون بحقه بخصوص عمله سابقا في وزارة الداخلية وارتباطه الوثيق بنظام بن علي.

ومع فشل المفاوضات الجارية وتأكد عاملي “دار الصباح” من أن الحكومة غير جادة في الحوار مع الأطراف النقابية للوصول إلى حل للأزمة التي طال أمدها لتبلغ الشهرين، أعلن فريق من الصحفيين من عن أول إضراب جوع إلى أن تتم إقالة “التواتي” وتحقيق مطالبهم، وجاء الإضراب على موجتين الاولى في مطلع شهر أكتوبر استمر أسبوعا واحدا، والثاني في 14 من الشهر نفسه شارك فيه ثمانية صحفيين من بينهم لمياء.

“رجل بوليس”

وبينما اعتبرت الحكومة بأن المضربين حفنة من الصحفيين الساعين لتحسين وضعهم الوظيفي ومستوى دخلهم واظبت لمياء على تفنيد تلك الادعاءات قائلة “لم يكن من المعقول أن نقبل تعيين رجل بوليس على رأس المؤسسة”، في إشارة إلى عمل المدير الذي عينته حكومة النهضة في أحد أقسام الشرطة في وزارة الداخلية منذ 31 عاما، قبل التحاقه بالصحافة.

وبعد سبعة أيام من الإضراب عن الطعام ساءت حالة لمياء الشريف وتم نقلها إلى قسم الإنعاش فيما كانت على مشارف الدخول في غيبوبة بعد انخفاض نسبة السكر في دمها، فيما توقف الإضراب في اليوم نفسه (22 اكتوبر) بعد أن تعهدت الحكومة التونسية بدراسة مطالب الصحفيين أثناء جلسة مفاوضات مع الاتحاد العام التونسي للشغل.

ولم يمضِ أسبوع على هذا التعهد حتى تكللت مساعي الصحفيين بالنجاح بعد إقالة الحكومة لطفي التواتي رسميا من مهامه من على رأس الإدارة العامة بحسب معلومات نقلتها وكالة (دي بي أي) الألمانية عن مصادر في الاتحاد العام للشغل.

مساندة نقابية

معركة “دار الصباح” وجدت مساندة من العاملين في الحقل الإعلامي وحتى من خارجه. فمنذ اندلاع الأزمة لمّا يتوقف صحافيو المؤسسة عن استقبال متضامنين من سياسيين ونقابيين ومثقفين. كلهم أتوا للمساندة في أشرس معركة حريات يخوضوها الإعلام بعد الثورة.

سامي الطاهري، الأمين العام المساعد بالإتحاد العام التونسي للشغل أحد الذين دخلوا في إضراب جوع مفتوح تضامنا مع الصحافيين المضربين عن الطعام بـ “دار الصباح”.  قال لـ “مراسلون” إن “الدخول في إضراب جوع كان الخيار الوحيد بعد فشل كل الطرق النضاليَة الأخرى” وإنه “لا مجال للتراجع عن أهم مكسب للثورة وهو حرَية الإعلام”.

قاطعته لمياء لتقول “باختصار حياتنا في كفة والحرية في الكفة الأخرى” وقد كان من الواضح أن جسد الصحافية النحيل لم يعد يقوى على مجاراة حماسيَة وعناد الروح التي يحتويها.

لمياء الشريف ليست إلا مثالا على نضال صحافيين في تونس في وجه من يسعون إلى إعادة تركيعهم . وهي تقول اليوم إنه “لا سبيل إلى إعادة إنتاج وصاية من جديد على إعلام لا يزال يتحسس طريقه نحو المهنيَة والإستقلاية بعد ربع قرن من تكميم الأفواه وتقييد الأقلام”.