التخلّي عن التّبني هو التغيير الوحيد الذي أعلنت صراحة حركة النّهضة نيّتها إحداثه في مجلّة الأحوال الشّخصيّة (قوانين صدرت منذ سنة 1956). إذ صرّح راشد الغنّوشي، زعيم حركة النّهضة،  أنّ التّبني “مخالف للشّرع الإسلامي ومن الموجب استبداله بالكفالة”، وهو رأي عادت وكرّرته سعاد عبد الرّحيم، النائب عن الحركة في المجلس التّأسيسي في إحدى مقابلاتها الإعلامية، ليأتي أخيرا تصريح مفتي الجمهورية عثمان بطّيخ، بأنّ “التبني فيه تزوير للحقائق وهو ممنوع في الشرع” في حين أن “الكفالة جائزة ومرغوبة”.

التخلّي عن التّبني هو التغيير الوحيد الذي أعلنت صراحة حركة النّهضة نيّتها إحداثه في مجلّة الأحوال الشّخصيّة (قوانين صدرت منذ سنة 1956). إذ صرّح راشد الغنّوشي، زعيم حركة النّهضة،  أنّ التّبني “مخالف للشّرع الإسلامي ومن الموجب استبداله بالكفالة”، وهو رأي عادت وكرّرته سعاد عبد الرّحيم، النائب عن الحركة في المجلس التّأسيسي في إحدى مقابلاتها الإعلامية، ليأتي أخيرا تصريح مفتي الجمهورية عثمان بطّيخ، بأنّ “التبني فيه تزوير للحقائق وهو ممنوع في الشرع” في حين أن “الكفالة جائزة ومرغوبة”.

كان من الطّبيعي أمام إصرار حزب حركة النّهضة ذات المرجعيّة الإسلاميّة على إبطال العمل بالتبني باعتباره “محرّما في الدّين الإسلامي” بمقتضى آيتين صريحتين أن يمرّ النّقاش إلى المجلس التّأسيسي. وقد صوّت نصف أعضاء لجنة الحقوق و الحرّيات )المكوّنة من 22 عضوا( على إبطال العمل بالتبني واستبداله بالكفالة.

هذه الرّغبة الملحّة في التخلّي عن التبنّي واجهتها حملة تنديد من عديد النشطاء الحقوقيين باعتبار أنّ الهدف من التّبني هو حماية ورعاية الطّرف الأكثر هشاشة في المجتمع.

وكانت الانتقادات موجّهة أساسا إلى الدعوة إلى التّخلّي عن التّبني وليست لإدراج الكفالة إذ أنّها مكرّسة في القانون التّونسي منذ عشرات السّنين وذلك بمقتضى قانون الولاية العامّة والكفالة والتّبني الصّادر في 4 آذار/مارس 1958. فالحديث عن الكفالة كما لو كانت منظومة غريبة عن القانون التونسي، يعتبر مجانبا للحقيقة. 

رغم ذلك التّكريس، تشير الإحصائيّات الرّسميّة الصادرة عن المعهد الوطني لحماية الطّفولة أن عددا ضئيلا جدّا من العائلات التّونسية يلجأ لنظام الكفالة في حين أنّ قرابة 2000 طفل تمّ تبنّيهم في السّنوات الممتدّة من 2008 إلى 2011.  

ومن خلال الأرقام يبدو أنّ العائلات التّونسية تفضّل التّبنّي على الكفالة لاعتبارات عديدة. فالتّبني يمنح للزّوجين المتبنيّين الحقّ في إسناد لقبهما العائلي للمتبنّى، في حين أنّ المكفول يحافظ على لقب عائلته الأصليّة و لو كان وهميّا ووقع إسناده من طرف المعهد الوطني لرعاية الطّفولة في حالة الطّفل مجهول النّسب.

من جهة أخرى، يحقّ للأولياء بالتّبنّي “الولاية”، أي تمثيل و حماية الأطفال القصّر المتبنّين، كما هو الحال في وضعية عائلية عاديّة، إذ يكون الأب المتبنّي وليّا على الطّفل وفي صورة عجزه أو موته ينتقل الحقّ في الولاية إلى زوجته.

أما بالنّسبة للكفالة، فتبقى الوصاية من حقّ الأب البيولوجي أو المعهد الوطني لحماية الطّفولة إذا تمّ إبرام عقد الكفالة معه. وتبعا لذلك يبقى المكفول مرتبطا ارتباطا وثيقا بعائلته البيولوجية  إن كانت غير مجهولة ولا يمكن للكفيل الارتقاء قانونا لمرتبة الوليّ الشرعي، ممّا يجعل المكفول في حالة من التشتّت بين عائلتين.

إلا أن الفرق الجوهري بين النّظامين يتمثّل في كون الكفالة تنتهي عند بلوغ المكفول سن الرشد (20 سنة( “بصفة آليّة” أي دون تدخّل للقضاء، وبذلك قد يجد المكفول نفسه في سن مبكّرة دون عائل ويعجز بالتالي عن مواصلة دراسته دون أن يعتبر الكفيل  قانونا متنصّلا من واجباته. وهذا ما جعل من نظام الكفالة نظاما قائما على علاقة مادّية إذ بيّنت عديد التقارير الحقوقية أنّ الكفالة قد تستعمل كوسيلة لتشغيل الأطفال.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمحكمة بطلب من أحد الأطراف  فسخ عقد الكفالة حسبما تقتضيه مصلحة الطفل، وهو ما يتعارض كلّيا مع العلاقة العائلية المفترضة بينهما والتي قد يترتب عن نهايتها آثار نفسيّة مدمرة للطّفل الذي تم التخلّى عن كفالته.   

أمّا التبني، فهو يجعل العلاقة، مبدئيا، غير قابلة للانحلال. فالقانون أقرّ صراحة أنّ”  للمتبنّى نفس الحقوق التي للابن الشرعي وعليه ما عليه من الواجبات وللمتبني إزاء المتبنى نفس الحقوق التي يقرها القانون للأبوين الشرعيين وعليه ما يفرضه من الواجبات.. “

وبذلك فإن الطفل المتبنّى له الحق في الإرث كما لو كان طفلا شرعيّا في حين لا يحق  للمكفول وراثة الكفيل.

وبسماح القانون التونسي بالنظامين، فقد ترك حرية الاختيار للعائلات التّونسية. لكن إن تغيرت الأمور وتمّ الإبقاء على نظام الكفالة فقط كما تسعى لذلك حركة “النّهضة”، سيواجه الطّفل الفاقد للسند خطر الإقصاء من المجتمع و الحرمان من العيش في حضن عائلة، بعيدا عن الملاجئ وظروفها النفسية القاسية أحيانا.

فلماذا يقع التّخلّي عن آلية تحفظ كلّيا حقوق الطّفل ودأب التّونسيون على اللّجوء إليها منذ عقود طويلة خاصة منهم أولئك المحرومون من الإنجاب؟

كما أنّ الإشكال الأعمق يتعلّق بوضعيّة الأطفال الذين وقع تبنّيهم سابقا  فقد يجدون أنفسهم، إذا وقع إبطال التّبني، في وضعيّة تتعارض مع القانون التّونسي الجديد.