أكثر من خمسة آلاف شكوى إلى محافظي الاسكندرية الثلاثة ضد مصنع “تيتان أسمنت بورتلاند”، فضلاً عن شكاوى كانت قد وصلت إلى مكتب الرئيس المخلوع حسني مبارك ثم المجلس العسكري عقب توليه حكم البلاد بعد ثورة 25 يناير، ومؤخراً ما لا يقل عن ثلاثين شكوى إلى الرئيس محمد مرسي، وكان مطلب أهالي وادي القمر واحد لم يتغير: نقل مصنع أسمنت بورتلاند إلي منطقة صحراوية لإنقاذ أرواح السكان.

أكثر من خمسة آلاف شكوى إلى محافظي الاسكندرية الثلاثة ضد مصنع “تيتان أسمنت بورتلاند”، فضلاً عن شكاوى كانت قد وصلت إلى مكتب الرئيس المخلوع حسني مبارك ثم المجلس العسكري عقب توليه حكم البلاد بعد ثورة 25 يناير، ومؤخراً ما لا يقل عن ثلاثين شكوى إلى الرئيس محمد مرسي، وكان مطلب أهالي وادي القمر واحد لم يتغير: نقل مصنع أسمنت بورتلاند إلي منطقة صحراوية لإنقاذ أرواح السكان.

وفي تطور قد يعد بانفراجة للأزمة، أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية في الثاني والعشرين من شهر تشرين أول/أكتوبر الجاري، حكما قضائيا يقضي بغلق المصنع ونقله خارج الرقعة السكانية، لكن الأهالي ما زالوا متخوفين، إذ إن قرارات إدارية سابقة صدرت عن وزارة البيئة قضت بإغلاق المعمل، لكنها لم ترى طريقها إلى التنفيذ.

علاء بدوي، وهو مهندس من سكنة المنطقة يختزل قصة وادي القمر مع المصنع، محملا المسؤولية للمحافظين الثلاثة السابقين، ويقول “اللواء عبد السلام المحجوب واللواء عادل لبيب واللواء أسامه الفولي، جميعهم متهمون في قتلنا خنقاً بأتربة المُستثمرين”.

ويتابع بدوي أن “المحافظ الأول هو من وافق على استمرار المصنع، والثاني لم يغلق المصنع على الرغم من أن وزارة البيئة قضت بغلقه منذ عام 2010، أما الفولي حين رأى موجات الغضب تتصاعد من السكان حتى وصلت إلي اقتحام المصنع أصدر قراراً ورقياً بالغلق لكن إدارة المصنع رفضت التنفيذ والمُحافظة لم تتحرك وأصبح القرار حبيس أدارج المسؤولين”.

غبار الأسمنت أصابني بالسل

بالقرب من قهوة “علام” الكائنة بمنطقة وادي القمر كان يقف أبو حسين محمد، متكئا علي أريكة خشبية تقع أمام القهوة. حين تراه تظن للوهلة الأولى أنه رجل مسن، ترسم مصاعب حياة قاسية على ملامح وجهه المجعد، لكن عندما بدأنا نتجاذب أطراف الحديث كانت المفاجأة أنه بالكاد أتم الأربعين.

يعيش أبو حسين في وادي القمر منذ ثلاثين عاماً، خرج على المعاش المبكر العام الماضي لظروفه الصحية الحرجة. يقول “أصبت بمرضي السل والدرن من حوالي خمسة أعوام بسبب الهواء الملوث بالغبار والأسمنت المنبعث من مصنع شركة بورتلاند، فشقتي تقع في الجهة المقابلة للمصنع مباشرة”.

ويضيف صاحب العائلة المؤلفة من خمسة أفراد “المعمل دمر حياتي وضيع مستقبل أسرتي، فقد إنخفض راتبي للنصف بعد تقاعدي وهو الآن 400 جنيه”.

خبراء: خرق فاضح لكل المعايير

ويؤكد الخبراء منافاة موقع المصنع لأبسط المعايير الصحية والبيئية، فبينما يقول الدكتور محمد علام، أستاذ الصحة العامة بكلية الطب بالإسكندرية أن “التأثيرات السلبية لغُبار الأسمنت تعمل على تقليل كفاءة الجهاز التنفسي وتسبب حساسية الصدر وهياج الشُعب الهوائية وقد تصل بالإنسان إلى حد الإصابة بمرض السل”، يشير الدكتور كريم منتصر، خبير الملوثات والبيئة بوزارة البيئة، إلى أن “قانون وزارة البيئة ينص علي أن مصانع الصناعات الثقيلة والمحاجر يجب أن تبعد 60 كيلومترا عن أقرب منطقه سكنيه، ولكن المنظومة الإدارية الغير سليمة في مصر جعلت هذا المصنع يتوسط الحيز العمراني، ما عرض الأطفال والكبار للموت والعيش بالبخاخه الصدرية طوال الحياة”.

هل ينفذ القرار؟

علي القسطاوي، محام أهالي منطقة وادي القمر، وهو من أقام الدعوى، أكد أن هيئة المحكمة أصدرت قرارها بنقل وغلق المصنع فورا لخُطورته على أرواح السكان.

ولفت المحامي إلى أن المحكمة ذكرت في تقريرها أن الشركة “مخالفة للقوانين ولم تحصل علي أية تراخيص لمُزاولة عملها طبقاً للقانون رقم 21 لسنة 58 والذي يقضي بتنظيم الصناعة من قبل هيئة التنمية الصناعية”.

ويتمنى القسطاوي أن يكون قرار المحكمة بمثابة “الضربة القاضية” للشركة المتعدية – بعد عقود من الشكاوى والممطالة والوعود بالنقل المعطلة.

أما الشركة، فترفض حتى الساعة التعليق على الحكم الصادر ضدها، بينما صرح محمد عطا محافظ الإسكندرية، أن هناك لجنة مشكلة على أعلى مستوى من المحافظة والبيئة والصناعة والصحة لبحث ودراسة ملف المصنع، مؤكدا أنه في غضون الأيام القادمة سوف يغلق الملف بشكل يرضي السكان.